ثورة… أم خفافيش السفارات؟
عبير حمدان
حين أبقى في بيتي فهذا لا يعني أنني متخاذلة… كلّ هذا الجنون المتنقل من ركن إلى آخر لا يقود إلا إلى الدمار، من الصعب أن نؤمن بثوار هم أنفسهم أو لنقل معظمهم زحف إلى صناديق الاقتراع بالأمس وانتخب من يستريح في منزله او مكتبه الفاخر اليوم، فيما جميعنا نغرق في مستنقع البطالة وغياب أدنى مقوّمات الحياة… كلّ هذا الجنون يزيدني إصراراً أن التزم بيتي كونه المكان الوحيد الذي يمنحني شيئاً من الأمان والصدق، خاصة عندما أكون واثقة أنّ كلّ التجمعات والهتافات والصراخ لن توصلنا إلى أي نتيجة… وهل إشعال الساحات اليوم بمعزل عن التحقيق مع إرهابي رفع سلاحه في وجه أبناء المؤسسة العسكرية وقتلهم؟ وأين أصبحت قضية العسكريين الأسرى؟ وهل المطالبة بالحقوق المدنية تسمح لأيّ متظاهر أن يحرق خيم أهالي العسكريين المحتجزين لدى «داعش» و«النصرة»؟ أو أن يقتلع بلاط الأرصفة ويلقيها على العسكري المأمور؟ مع الإشارة إلى أنّ هذا العسكري لديه عائلة وأمّ تسهر طوال الليل خوفاً عليه، وأطفال ينتظرون عودته ليلاعبهم، وأخوة يخشون عليه من خفافيش السفارات المتربصة بما تبقى من هذا الوطن؟
قال لي أحد الزملاء مرة إنّ البلد أصبح «عصفورية»، ولعلّ هذا التوصيف هو الأقرب إلى واقعنا الآني، في ظلّ تكاثر البيانات والشعارات والتجمّعات تعبر كلمة «إسرائيل» على بعض القنوات بشكل عادي وكأنها من «المسلمات»، ولماذا نستغرب، ففي زمن السلم حين كانت الحريرية في أوجها افترشت خريطة كبيرة أحد شوارع «الداون تاون» ودفعتني حشريتي في حينه أن أرى أسماء الدول لأجد أنّ «إسرائيل» تقبع في وسط بيروت التي أطلقت شرارة المقاومة ضدّ هذا الكيان بدءاً من الطلقة الأولى للشهيد خالد علوان وصولاً إلى تحطيم الأغلال في معتقل الخيام.
اليوم يعود الفكر «الإسرائيلي» بأنماط مختلفة وبشكل منمّق تحت غطاء النفايات وما عداها من تفاصيل حماسية تلغي الوعي لدي الكثيرين، بحيث لا يدركون ما يفعلون أو إنهم قد أدركوا ولكنهم لا يريدون التوقف عند حافة الانهيار الأخير…
لست متخاذلة ولكنني لا أثق بالتسميات المدنية الناعمة، ولا أثق بوجود نية حقيقية للتغيير، لذا أختار أن أستمع إلى صوت فيروز على شاشة «توب نيوز»، وأنتظر أخبار سير المعركة على أرض الشام، فمن يرابض عند مشارف فلسطين المحتلة ومن يحمي ظهره من التكفيريين على الحدود الشرقية وحده يمثلني…