الحسكة تستعيد هدوءها ونبض حياتها
لورا محمود
محافظة الحسكة أو «الجزيرة السورية»، عاصمة الشمال السوري، والتي يمر فيها نهر الخابور، من مدينة رأس العين شمالاً، نزولاً إلى الجنوب حيث يتّحد مع نهر الفرات قرب مدينة دير الزور الواقعة شرق سورية. وتقسم المحافظة إلى أربع مناطق: الحسكة، القامشلي، رأس العين والمالكية. وتقسم هذه المناطق بدورهها إلى 14 ناحية.
من أهم مدن هذه المحافظة وبلداتها: القامشلي، اليعربية، الشدادي، المالكية، تل حميس، عمودا، رأس العين، القحطانية، وتل براك، إضافة إلى العشرات من القرى المنتشرة، خصوصاً قرب الموارد المائية لا سيما قرى الخابور الجميلة. ويعمل غالبية سكان محافظة الحسكة في الزراعة، إذ تمتاز المحافظة بزراعة القمح والقطن والفواكه.
يسكن في الحسكة عدة قبائل منها: «طي»، «الجبور»، و«العبيد»، ومكوّنات كردية وسريانية يتركز وجودها في مدينتَي القاملشي ورأس العين، وفي مدن حدودية ملتصقة بمدن تركية طالبت سابقاً بتعديل الحدود وضمّها إلى أراضي سورية عام 1998.
الحسكة، وتعني «ميزوبوتاميا M zopotamya » باليونانية، و«آرام النهرين»، و«جزيرة أقور». كانت تشكل منطقة الجزيرة امتداداً إلى إمارة جزيرة ابن عمر. وقد جاءت تسمية الجزيرة أساساً من وفرة المياه النهرية، خصوصاً لمحاذاتها نهرَي دجلة والفرات. وبحسب جامعة كاليفورنيا وجميع البعثات الأثرية العلمية الدولية، فإن هذه المنطقة كانت جزءاً من مملكة بين النهرين الآرامية، وممالك آرامية أخرى، وكانت جزءاً من الدولة الآشورية.
بقيت الحسكة ضمن الإمبراطورية الآشورية لفترة طويلة، إلى أن تمكن البابليون من هزيمتهم عام 612 قبل الميلاد، في السنة التي سقطت فيها عاصمة آشور نينوى.
ترتبط الحسكة في عراقتها بتاريخ بلاد ما بين النهرين في منطقة الجزيرة السورية، إذ قسّم المؤرخون هذه البلاد إلى سومر وأكاد في الجنوب الشرقي، عيلام في الشمال الشرقي، وعمورو أو بلاد العموريين في الجنوب الغربي، وسوبارتو في الشمال الغربي. ويقع وادي الخابور ضمن مملكة سوبارتو التي كانت تمتد من مدينة عيلام في بلاد الرافدين إلى جبال طوروس. وعثر في لوحات جغرافية محفوظة في المكتبة الملكية لآشور بانيبال على لفظة «سوبارتو» التي كانت مهد المدنية وحضارات قديمة متلاحقة.
خضعت المنطقة للكنعانيين الذين استولوا تدريجياً على القسم الغربي من سوبارتو، وبعدهم حكمها الحثيون الذين قطنوا في تركيا شمال الجزيرة السورية، وجعلوا عاصمتهم مدينة «واشوكاني»، عند ينابيع الخابور، إلا أن الآشوريين قوّضوا الدولة الحثّية، ودمروا عاصمتها «واشوكاني» من غير أن يتمكنوا من الاستقرار وذلك بسبب الحروب المتواصلة بينهم وبين الحثيين وشعوب أخرى، ما مهّد لظهور الدولة الآرامية في منطقة الجزيرة، إذ استطاع أحد الشيوخ الآراميين بناء دولة جديدة على أنقاض دولة ميتاني المنهارة، فاختار مدينة «غوزانا» في تل حلف عاصمة لدولته، وأعادوا بناء دولة آرامية جديدة تحت حكم «أبي سلمو» رئيس «غوزانا»، وهو الاسم الذي أطلق على بلاد الخابور في العهد الآشوري. ثم عاد الآشوريون مرة أخرى لإخضاع المنطقة، إلى أن جاء الميديون عام 612 قبل الميلاد، وكسروا شوكة الآشوريين نهائياً.
وفي عام 332 قبل الميلاد، تمكن اليونانيون بقيادة الاسكندر المقدوني من فتح البلاد. ثم حلّ مكانهم الرومان عام 64 قبل الميلاد، حيث كان لمدينتي نصيبين ورأس العين شأن كبير في عهد الامبرطور تيودريوليوس.
في محافطة الحسكة مواقع أثرية متنوعة مثل «حموقار» التي يعتبرها علماء الأثار من أقدم مدن العالم، و«تل شاغر بازار» أو «تل حطين»، و«تل حلف» أو «غوزانا» الذي يقع جنوب مدينة رأس العين، وفيه أظهرت التنقيبات مجموعة من المنحوتات البازلتية التي كانت تزيّن جدران المعابد والقصور. كما عثر على لِقى فخارية ومجموعات من الخزف الملوّن تعود إلى الألفين الرابع والخامس قبل الميلاد.
وهناك أيضاً «تل الفخيرية» الذي وُجدت فيه اكتشافات عدّة تعود إلى الألفين الثاني والثالث قبل الميلاد، و«تل بيدر» وهي مدينة أثرية تبلغ مساحتها أكثر من 25 هكتاراً، وتقع على بعد 35 كيلومتراً من مدينة الحسكة.
وهناك أيضاً «تل براك» الذي يرجّح بعض الآثاريين أن يكون اسم الموقع مستمداً من «لاكورس بيراكي» المدوّن في لوحة «بوتغنر» لأسماء المدن والمواقع الشهيرة للإمبراطورية الرومانية، حيث أظهرت الحفريات ست طبقات حضارية متعاقبة وأبنية مثل معبد العيون وقصر الملك نارام سين، كما أظهرت الحفريات لقى فخارية وتماثيل وأختاماً أسطوانية ذات دلالات أسطورية، غالبيتها تدلّ على الحضارتين الهورية والمتيتانية الهندواوربية ، إضافة إلى آثار الشعوب التي غزت المنطقة مثل الآشوريين.
تكاد غالبية المواقع الأثرية أن تتموضع في التلال المنتشرة على ضفتَي الخابور، والتي تعدّ من أقدم حضارات العالم. وقد وثّقت غالببة الأوابد ومراكز الاستيطان في النصوص المسمارية والآشورية القديمة.
مؤخراً، تمكن الجيش السوري ووحدات حماية الشعب الكردية من طرد تنظيم «داعش» من مدينة الحسكة بعد معارك استمرت حوالى الشهر، حيث تم القضاء على أكثر من 500 مسلّح. وبعدئذٍ بدأت وحدات الهندسة في الجيش السوري بتفكيك العبوات الناسفة والألغام فی حيّ «النشوة الغربي» في ريف المدينة.
ويذكر أن الجيش السوري ووحدات الحماية الكردية سيطروا على مواقع في أحياء: «غويران»، والنشوة الشرقي»، والمدينة الرياضية، وفرع المرور، ودوار الباسل. وأحياء: «النشوة فيلات»، و«النشوة الغربي»، ودوار الكهرباء. وبهذا تكون المدينة قد أصبحت خالية تماماً من أيّ وجود لعناصر التنظيم الإرهابي.
وقد بدأ أهالي حي «غويران» وحي «النشوة الشرقي» بالعودة إلى منازلهم، وإعمار ما هدّمه «داعش». وتعهّدت الحكومة بترميم المدارس والمنشآت العامة لتدخل حيّز الخدمة قبل بدء السنة الدراسية المقبلة من تصليح وصيانة خطوط الكهرباء والاتصالات وخدمة المياه إلى عمل الورش التابعة لمجلس مدينة الحسكة لإزالة آثار الخراب والدمار بالتوازي مع مواصلة إحصاء الأضرار تمهيداً للتعويض على المتضررين.
ولا بدّ أن نذكر أن مدينة الحسكة كان لها أهمية استراتيجية عند تنظيم «داعش» الإرهابية، حيث تتاخم الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم في العراق وتشكل المناطق التي خسرها «داعش» مؤخراً في ريف الحسكة أيضاً معبراً استراتيجياً يصل التنظيم في سورية مع العراق عبر الشدادي.