حراكُ «الديمقراطيتََين»
نظام مارديني
سيكون المشهد السياسي الجديد في العراق ولبنان أمام الكثير من التساؤلات، مثلما سيكون الجميع أمام هواجس أكثر إثارة للجدل، إذ من المفترض أن يفرز الحراك الشعبي في كلا البلدين جيلاً للنخب الفكرية والثقافية والسياسية، قادراً على صوغ مقاربات إصلاحية وسياسية وفكرية مدنية، كما على صوغ هوية تقوم على أساس المواطنة بعدما لم يتبقَ من مسوِّغات الإيمان بالعملية السياسية في كلا البلدين، العراق ولبنان، سوى طابعها الطائفي الذي فتح أبواب الفساد على مصراعيه، ما جعلنا نؤمن بأن «كل طائفي خائن بالقوة حتى تثبت خيانته بالفعل».
فما يجري، وما تتضح صورته، يضع الدولتين أمام ضرورات البحث عن آليات جديدة، وعن خطط وبرامج لمعالجة مظاهر باتت خطورتها مرعبة، وباعثة على تكريس صور بشعة للفشل السياسي والمالي والاقتصادي.
يدرك القيّمون على الحراكين اليوم أن الثورات او الانتفاضات لا تحدث فجأة ولا تجني ثمارها فور حدوثها، وإنما هي تأتي بعد ميراث طويل من الظلم والفساد، ولذلك فإن أية إصلاحات مموهة وغير حقيقية لن تلقى من الجمهور المنتفض إلا المزيد من الغضب، وفي هذا الإطار وجب على القيّمين على الحراكين العراقي واللبناني، التنبه من أي اختراق من قبل رموز النظامين «الديمقراطيَين التوافقيَين»، لأن هناك من الوزراء والنواب من يستسهل التأقلم مع الظرف الراهن سريعاً ويتلون بلون الأشياء القريبة منه، أي عندما يكون الفساد يكونون، وعندما يكون الإصلاح يكونون، وعندما تكون التظاهرات يكونون.
إن الحراك الشعبي في العراق أو لبنان، المطالب بالإصلاح ومواجهة الفساد وسوء الخدمات يعبّر عن حاجات وطنية ملحة لتحسين أداء مؤسسات الدولة، ولتعرية كل مظاهر الترهل والتشوه التي أغرقت كلاً من البلدين بالعديد من الأزمات، بدءاً من أزمة المحاصصة الطائفية والمطالبة بالتوازن، مروراً بأزمة الخدمات وليس انتهاء بأزمة العجز الاقتصادي الذي يعني الإشهار بالإفلاس، وجرّ الدولة الى منطقة المديونيات المُلغَمة.
يجب ان نقرأ ظاهرة الحراكين بوصفهما رسالتي تنوير ورسالتي تحذير للمتّحَديَن، العراقي واللبناني، ما لم يسارعا الى فهم مطالب المتظاهرين وأهدافهم ومغزاهم، والاستعداد للقوى التي قد تدخل عادة على الهامش لاغتيال صوت الحق، أو ان يأخذنا هذان الحراكان الى أماكن لا علاقة لها باستقرار الكيانَين، بل الى حيث عدم الاستقرار، والذهاب الى الحرب والانقسام، وأخطر ما في هذه الحروب هو الحروب الداخلية التي يتقاتل فيها الإخوة على مغانم وهمية وحسابات إقليمية!
لقد وضع القيّمون على الحراكين الشعبيَين، إصبعهم في كل عين لم تستحِ من سرقة تعب الناس، وحددوا كمّ من الرؤوس قد أينعت وحان قطافها وعقابها.