بعد الزبداني… عرسال بيد تيار المستقبل؟
روزانا رمال
عرسال استحقاق لبناني مؤجل منذ خطف العسكريين اللبنانيين، ومنذ اعتراف الجيش اللبناني أنه لا يملك السيطرة في عرسال، وصار الاستحقاق أقرب منذ نجاح حزب الله بالتقدّم في جرود بلدتي نحلة وبريتال في البقاع ولجوء مجموعات من مقاتلي «جبهة النصرة» والقوى المتساندة معها إلى جرود عرسال، ومنها إلى المدينة، بالتواطؤ مع عدد من ابناء البلدة المتعاملين مع «النصرة» وبعضهم المعروف أنه محسوب على تيار المستقبل.
خاض تيار المستقبل ومن ورائه السعودية وتركيا حرباً شعواء للحؤول دون قيام الجيش اللبناني بالتنسيق مع الجيش السوري كطريق لا بدّ منه ليتسنّى حسم عرسال وجرودها، كما رمى المستقبل بثقله لمنع تحوّل تقدّم الجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك إلى مقدمة للحسم في مواجهة تنظيم «داعش».
كانت الحسابات تقوم على اعتبار أنّ معارك جرود القلمون التي فاز بها حزب الله والجيش السوري لم تنته بعد، ليتمّ التسليم بالنتائج التي ظهرت بصورة تقول إنّ القلمون صار بيد حزب الله والجيش السوري، فقناعة المستقبل وحلفاؤه الإقليمين أنّ المشهد موقت، وأنه سرعان ما سيتغيّر عندما تبدأ معركة الزبداني، خصوصاً أنّ مقابل الزبداني تحركت مجموعات «النصرة» المتجمّعة في جنوب وشمال سورية لتضغط على وحدات الجيش السوري أملاً في خلق بؤرة حساسة تقع في الأسر والحصار كالزبداني وتصير المقايضة بينهما.
تحوّلت معارك شمال وجنوب سورية إلى جبهات قتال منفصلة وقرّر الجيش السروي أنه لن يشتّت قواه لربح تلك المعارك على حساب تركيزه مع حزب الله لحسم الزبداني، لأنّ اكتمال حرب القلمون لا يتمّ بدون الزبداني، ومنها وعبرها يتمّ الوصل والقطع بين خطوط الإمداد الآتية عبر لبنان والمجموعات المسلحة المنتشرة في بعض أحياء دمشق، وخصوصاً في ريف دمشق، وأنّ حسم الزبداني سيتيح تحويل هذه الجماعات إلى جزر منعزلة تتواصل مع بعضها أصلاً عبر الزبداني بنسبة كبيرة ويشكل قطع هذا الوريد عنها ليس قطعاً لخط الإمداد فقط بل قطع لفرص الاتصال بين أغلبها.
دمشق وريف دمشق في مشهد جديد بعد حسم الزبداني وإنجاز تسوية لها تشبه تسوية حمص تقوم على انسحاب من يريد من المسلحين نحو شمال سورية، ومنح الراغبين منهم فرصة الحصول على عفو والمشاركة في تسوية أوضاع وعودة للاندماج في الحياة الطبيعية، ومن نتائج نجاح هذه التسوية في المعقل الأهمّ الذي كان يشكل القلعة التي تستند إليها سائر جيوب التواجد المسلح، سيعني أنّ النموذج سيصبح قابلاً للتكرار في أكثر من مكان لمجرّد اقتراب السكين منه، ويقول المصدر العسكري المتابع لمعركة الزبداني أنّ دوما ومخيم اليرموك المركزين الأشدّ قدرة بين التجمّعات التي يتمركز فيها المسلحون لا ترقى قدراتها إلى ما كان في الزبداني بعد لجوء نسبة كبيرة من مسلحي القلمون إليه، ولا يبقى وضعها بعد انتهاء ملف الزبداني كما كان قبل ذلك لأنّ التموين والإمداد كان شريانه الزبداني إضافة إلى أنّ المايسترو التركي سيكون دائماً على الخط لفحص القدرات والخيارات وبعد بدء القتال في أيّ جبهة سيكون حاضراً ليحمل الوصفة وهي حلّ على طريقة الزبداني تجنّباً للمزيد من الدماء والمزيد من الخراب.
الذي يجري في ريف دمشق سيكون قريباً جداً من الزاوية الزمنية، لكن الذي يمكن ويجب أن يجري في عرسال لا يجوز ان يكون بعيداً وفقاً للمصدر العسكري.
في عرسال تجمّع لعدد من المقاتلين الذين يتحمّلون مع مسؤوليتهم تبعات خطف العسكريين اللبنانيين وإرسال السيارات المفخخة التي استهدفت أحياء بيروت وضاحيتها الجنوبية.
عرسال جزء من جغرافيا لبنانية مخطوفة تشكل خنجراً في ظهر الجيش اللبناني وإضعافاً لمهابته ومكانته ودوره كسياج للسيادة وحافظ لأمن اللبنانيين ومسؤول عن السيادة الوطينة على كامل التراب اللبناني.
كي لا يكون لدينا مزارع شبعا جديدة بدلاً من أن يكون لدينا زبداني جديدة على الحكومة أن تعود لملف عرسال سريعاً، والفارق أنّ مزارع شبعا المحتلة بقيت قطعة من الأرض اللبنانية تحت الاحتلال ورأس جسر للتدخلات، وبوابة يمكن للعدو التحكم بها لإدارة ملف عملائه.
منع تحوّل عرسال إلى مزارع شبعا جديدة بيد تيار المستقبل أولاً، بعدما سقط الرهان على الزبداني لتعديل التوازن في عرسال ضدّ مصالح حزب الله والجيش السوري، وهذا صار من الماضي واليوم الصورة محسومة، «النصرة» وحلفاؤها و«جيش الفتح» ومكوناته صاروا جميعاً خارج القلمون ولا قيمة يستفاد منها لبقاء «النصرة» ومتفرّعاتها في عرسال إلا إبقاء هذا الخنجر في ظهر الجيش وهذا الجيب في خاصرة اللبنانيين وإبقاء قضية العسكريين المخطوفين معلقة إلى ما شاء الله من دون حلّ نهائي.
بعد الزبداني ليس ضرورياً ان يكون الحلّ عسكرياً، فموقف تيار المستقبل حاسم ووازن، فالمسلحون في وضع معنوي لا يُحسدون عليه ما لم يمدّهم تيار المستقبل بالآمال والتطمينات، ورعاتهم الأتراك خصوصاً جاهزون لعقد صفقة شبيهة بصفقة الزبداني والمقاومة لا تريد قتل الناطور بل أكل العنب.
يكفي أن يتخذ تيار المستقبل قراراً بخروج المسلحين من عرسال وإبلاغهم بذلك والطلب من الوسيط التركي بدء مفاوضات تحت هذا العنوان حتى يكون لبنان على موعد غير بعيد من حلّ لقضية عرسال ومعها لقضية العسكريين المخطوفين، وإلا فالحلّ العسكري سيفرض نفسه ولكن بعد أن تدفع عرسال المزيد من الأثمان، فلمصلحة من يضيّع تيار المستقبل الوقت والفرص؟