ساعة دمشق
تركي حسن
توصلت رحلة الإنسانية المعرفية الى أن الأرض كروية وليست منبسطة وتدور حول الشمس وليس العكس. إلاّ في النسق المعرفيّ للوهابية وآل سعود، فلا تزال الأرض ثابتة والشمس تلف حولها. ويكفّرون من يدَّعي عكس معرفتهم، وبالتالي يبيحون دمه وماله وعرضه، وإن كانت بالنسبة إليهم ساعة هارون الرشيد التي أهداها لصديقه الملك الفرنسي شارلمان منذ نحو ثلاثة عشر قرناً هي أفضل من الساعات التي يحملونها الآن ويتنافسون في أسعارها لأن تفكيرهم العلمي والمعرفي والإنساني لم يتعد مرحلتها.
نعلم جميعاً أن هناك توقيتات تستند إلى التوزع الجغرافي من طوكيو الى بكين الى غرينتش البريطاني ونيويورك، أما الآن فيحق للسوريين أن يضيفوا الى ساعتهم السابقة توقيتهم الجديد وأسميه التوقيت الدمشقي في الثالث من حزيران عام 2014.
تنبّه السوريون إلى العدوان عليهم وأهدافه وأدركوا أنّ الحرب لإسقاط نظام أو رئيس لم تكن لتحتاج الى ذلك التحالف كلّه من قوى العدوان، وتلك الأموال التي صُرِفَتْ والسلاح الذي تدفَّق والإرهاب الذي جِيء به من مختلف أصقاع الأرض الى سورية والإعلام المُفَبرِك والمضلل ومزيّف الحقائق، لتشتيت العقل السوري والوحدة الفكرية والثقافية للسوريين.
نظر السوريون الى أولئك السحرة وهم يتفننون بألاعيبهم السحرية وهم يظنون أن سحرهم أخذ بلباب السوريين لكن المفاجأة كانت أن عصى موسى كانت في يد السوريين تتلقَّف أفاعي السَحَرَة الجدد وأظهرتهم في حفلة عُريّ لا يخجلون منها.
خرج السوريون في الثالث من حزيران الى صناديق الاقتراع من الساعة السابعة صباحاً متحدّين الإرهاب ليقترعوا للوطن وللتجربة الديمقراطية الوليدة التي ارتضوها لأنفسهم والتي تؤسس لمستقبل سورية في تفويض شعبي أذهل العالم، نقلته كاميرات الفضائيات وأقلام المراسلين والشبكات. ورغم محاولات اقتطاعها وعدم الاعتراف بها وصلت الصورة والصوت السوريان الى مختلف أنحاء العالم. ولكن لِمَ ذلك كلّه؟
1 – أدرك السوريون أن حلف العدوان لا يريد أن تتمّ الانتخابات في موعدها، ليركزوا على أن الدولة فاشلة وعاجزة عن إجراء الاستحقاق في موعده وبالتالي ستُشَنّ حملة مركزة في اليوم التالي تتضمن المطالبة بهيئة الحكم الانتقالي والتدخل لإنقاذ سورية.
2 – حلف العدوان ردّد أن هذه الانتخابات مهزلة وتزوير وإهانة وهدّد بعدم اعتراف المجتمع الدولي بها، رغم علمه الأكيد أن المجتمع الدولي لم يعد في يدهم، فهناك دولٌ وازنة وكبيرة تقف الى جانب سورية ومن قال إن السوريين يبحثون عن شرعية من الدول المنخرطة في عدوانها عليهم، فالشرعية لا تعطى من خارج الوطن سواء من عدو أو صديق الشرعية يعطيها الشعب السوري وحده.
3 – استُفزّ السوريون من تلك الهياكل والشخصيات الكرتونية المركبة في الخارج لنواحي التاريخ والإمكانات والثقافة، والمُقِّززة بخيانتها وتبعيتها وعمالتها وقد وصلت ببعضها إلى العمالة المباشرة لـ«إسرائيل» علنا واستجداء المزيد من انخراطها في العدوان مقابل التنازل عن جزء من الوطن وهو الجولان والتطبيع معها.
4 – كان لمنع حكومات بعض الدول مشاركة السورين في الانتخابات ردّ فعل تحوَّل الى فعل في صناديق الاقتراع، ما ساهم في ارتفاع نسبة المشاركة عبر مشاركة الخارج والداخل وإن صورة السوريين المقترعين في الخارج حفَّزت الداخل لأن يذهب إلى صندوق الاقتراع تعبيراً عن رفضه أشكال الحرب والضغط والتدخل.
5 – لا يزال بعض المضلّلين وعبر وسائل الإعلام المعادية للشعب السوري، يتكلمون ببطلان الانتخابات وبأن المعارضة «تسيطر على الأرض» ويحسبونها جغرافياً، ولا أنكر أنها تسيطر في مناطق معينة، لكن الشعب السوري بغالبيته في المناطق الآمنة حيث تسيطر الدولة تساقطت أصواته في صندوق الاقتراع، لذا كانت المشاركة الواسعة والنسبة العالية.
6 – قدَّم السوريون نموذجاً للإنسان الذي يساهم في المقاومة والصمود والتضحية في الميدان، وفي المحافظة على استمرار عمل مؤسسات الدولة. من رحم الحرب والأزمة آثر المشاركة في رسم السياسات العامة وفي القرار عبر التفويض الشعبي الذي أراده من خلال التصويت، ورد بذلك على دعاة الحرية الذين يتحدثون باسمه. أظهر الشعب السوري في الثالث من حزيران تلاحماً وتصميماً على انتزاع النصر، لعبور هذه الحرب المفروضة وإعادة الإعمار في مختلف الاتجاهات.
7 – لو قارنّا الانتخابات السورية بما جرى من انتخابات في الأشهر الماضية عام 2014 في مصر والعراق وأوكرانيا وتركيا لوجدناها الأكثر تمثيلاً لناحية نسبة المشاركة وفاقت جميع التوقعات المتفائلة للأصدقاء، فضلاً عن الأعداء.
– سينبري المشككون والمعادون والمرجفون للقول إن نسبة التصويت عالية غير مسبوقة وإن من ذهب الى صندوق الاقتراع بضغط من الدولة عبر أجهزتها الأمنية. وأجيب: أكثر من ثلاث سنوات وأنتم تشنّفون آذاننا وتردّدون وتنشدون القصائد حول «انتفاضة الشعب السوري» و«ثورته» التي تسيطر على أكثر من 70 من الأرض السورية وعن الشعب اللاجئ والمهجر والنازح غير الآبه بالدولة ولا بأجهزتها وهو يحمل السلاح، وتعدوننا بإسقاط النظام من جمعة، الى جمعة ومن شهر إلى آخر، أو من عيد إلى عيد، ومن عام إلى عام، وبالتالي زرعتم فكرة الثورة والانتفاضة وصولاً إلى حمل السلاح والسيطرة على محافظات كاملة. لم تعد هذه الكذبة صالحة وخروجه للانتخابات أدّى مقاصده لناحية المشاركة الشعبية وإعطاء التفويض الشعبي ورسم السياسات العامة واختيار الحكام. كما أظهرت قدرة الدولة على إجراء الانتخابات وتحملها مسؤوليتها في أصعب الظروف. والتغيير حصل من رحم الحرب في عقل القيادة التي وفرت الظروف الموضوعية عبر القوانين والتشريعات بالذهاب الى الانتخابات، وفي عقل الشعب بتلقف هذه التغييرات وتعامل معها. لذا يحق للسوريين أن يفرحوا بما أنجزوا، كما يحق للحلفاء والأصدقاء. وعلى حلف العدوان بعد ما شاهد ما جرى أن ينظر ويراعي ساعة دمشق وتوقيتها. فالشعب قال كلمته، أما أدواته الإقليمية والعربية والمحلية فعليه أن يعيد النظر فيها، على عادته حين تعجز عن أداء أدوارها.
– تهنئة من القلب لشعبي الذي أدى واجبه وحقه الانتخابي وشاهدت بعيني فرح ذهابه إلى لصندوق الاقتراع ولدى إعلان النتائج من بسمة طفل وصبية وشاب ورجل وامرأة وهم يلوّحون بالأعلام الوطنية ويجوبون الشوارع من مختلف الفئات. وأهنئ المرشحين السيدين النوري والحجار الذين اقتحما معركة الانتخابات. وأهنئ السيد الرئيس بشار الأسد الذي أولاه الشعب السوري ثقته عبر تفويضه قيادتنا للأعوام السبعة المقبلة.. شعب يتطلع إلى نصر يمسكه بيده الآن، ويتجه نحو إعادة الإعمار وبلسمة الجروح.
باحث في الشؤون الاستراتيجية