اتفاق الزبداني وكفريا ـ الفوعة: التمييز بين السيطرة والتواجد
عامر نعيم الياس
بدأ أمس الجمعة إخلاء جرحى الزبداني وكفريا والفوعة برعاية الصليب الأحمر الدولي. وسيخلي الصليب الأحمر جرحى مسلّحي الزبداني نحو إدلب. أما جرحى كفريا والفوعة المدنيين فإلى مشافي اللاذقية. يبلغ عدد جرحى المسلّحين حوالى 240 جريحاً من أصل 600 مسلّح ما زالوا في المدينة، ويبدأ اليوم السبت تطبيق البند الثاني المتعلّق بإخلاء المسنّين من كفريا والفوعة، الذين يشكّلون جزءاً كبيراً من المدنيين. إذ تواجه البلدتان الإدلبيتان حصاراً خانقاً بعد سقوط مدينة إدلب وغالبية المحافظة الواقعة شمال غرب البلاد منذ خمسة أشهر. وبعد إخلاء المسنّين، يبدأ غداً الأحد خروج مدنيّي كفريا والفوعة. وبالتزامن، يكون الاتفاق قد وصل إلى بنده الأخير الذي يقضي بخروج مسلّحي الزبداني إلى ريف إدلب.
مفاوضات تركية ـ إيرانية أدّت إلى إبرام التسوية. مسلّحو حركة «أحرار الشام» الإسلامية السلفية يشكّلون القسم الأكبر من المسلّحين المتواجدين على ما تبقى من مربّع أمني في أطراف مدينة الزبداني التي صارت في غالبيتها تحت السيطرة الفعلية لقوات الجيش السوري والمقاومة. سيخرجون إلى إدلب، ومن المعروف أن الحركة التي تحاول واشنطن الترويج لها مؤخراً تشكّل عماد «جيش الفتح» إلى جانب «جبهة النصرة» التي تبايع «القاعدة» بشكل رسمي، وهو ما يدفع الغرب بين الحين والآخر إلى محاولة تعويم تنظيم مقابل لها لا يبايع «القاعدة» رسمياً. لكن، تجدر الملاحظة هنا إلى أن الاتفاق الحالي في الزبداني ما كان ليتم لولا موافقة «النصرة» على الخطوات التي توافق عليها «أحرار الشام»، فيما يلحظ من شكل الاتفاق، تراجع المجموعات الإسلامية المرابطة في الزبداني عن مطلب إخراج المسلّحين إلى درعا والقبول بمبدأ إخراجهم إلى إدلب، وهو ما كنا قد أشرنا إليه في مقال سابق على صفحات «البناء».
فالسيناريو الذي وضعه العسكر بيد المفاوض الإيراني يقضي باستغلال رغبة أنقرة بالحشد في مدينة إدلب، والدفع بالتالي إلى تجميع المجموعات المسلّحة في هذا الجزء من سورية لاستحالة إحراز تقدّمٍ ملموس فيه يعيد رسم خطوط التماس في محافظة إدلب تحديداً، بما يمكن أن يعتبر إنجازاً للجيش السوري على المدى المنظور.
سيتم إخراج المسلّحين الإسلاميين المرتبطين بتركيا مباشرةً من الزبداني باتجاه إدلب، وسيتم نقل مدنيّي الفوعة وكفريا إلى أماكن سيطرة الدولة السورية. أمرٌ يقرأه البعض على أنه إعادة صوغ للديموغرافيا في سورية. فهل هذا فعلاً ما يحصل؟
القول إن الدولة السورية تحاول اللعب بورقة الديموغرافيا تمهيداً للدخول في عملية التفاوض، عبر تعزيز أوراقها الاستراتيجية في «سورية المفيدة»، أمرٌ لا يخلو من الاستخفاف بعقول المراقبين، وذلك للسببين التاليين:
ـ يجب التمييز بين «السيطرة و«التواجد» في توصيف التواجد لكافة القوى والمجموعات المسلّحة على الأرض السورية. ففي وقتٍ يمكن أن نصف تواجد المجموعات المسلّحة في غالبية المناطق بأنه «تواجد»، فإنه يجدر القول إن الجيش السوري «يسيطر». هنا يتعلّق الأمر بالمناطق المأهولة وبالقدرة على الحفاظ عليها في أي مواجهة مباشرة مع المجاميع المعادية للدولة السورية. وبهذا المعنى تحضر الديموغرافيا باعتبارها عاملاً من عوامل صمود وانتصار الدولة السورية.
ـ الديموغرافيا المتواجدة في أماكن سيطرة الدولة السورية تمثّل كافة أطياف الشعب السوري. ففي العاصمة دمشق وحدها نتحدث عن ستة ملايين نازح إليها من مناطق في محيطها ومن المحافظات الأخرى. وفي اللاذقية نتحدث عن أكثر من مليون ونصف المليون نازح من إدلب وحلب وغيرهما. فهل يجوز توصيف اتفاق الزبداني مقابل كفريا والفوعة بأنه لعب على الديموغرافيا؟
تحاول الدولة السورية في ذروة الهجمة والتصعيد الإقليمي عليها أن تثبّت السيطرة في مناطق تواجدها. هنا تشكل الديموغرافيا ورقةً لوحدة البلاد لا لتقسيمها. فيما يتواجد المسلّحون على جغرافيا تنتظر السياسة والحرب.
كاتب ومترجم سوري