التظاهرات اليوم بشعار: حاسبوا وأعيدوا المال ومسؤولية النفايات للبلديات
كتب المحرر السياسي
فيما تسلك تسوية الزبداني طريقها بهدوء تحت عنوان هدنة ثلاثة أيام يفترض أن تنتهي بانسحاب المسلحين منها نحو شمال سورية أو تسوية أوضاعهم وفقاً للصيغ المعتمدة لدى الجيش السوري، برعاية وشراكة تركية إيرانية مع الجيش السوري والمقاومة من جهة والجماعات المسلحة من جهة مقابلة، تواصل التصعيد السعودي على دمشق قصفاً من جماعة زهران علوش المرتبط بالسعودية، من مواقعه في بلدة دوما التي تستعدّ لملاقاة مصير شبيه بالزبداني، بينما كان اليمن يتجه عكس ما رسم قادة التحالف الذي تقوده السعودية من بسط للسيطرة على المناطق التي دخلتها قوات من السعودية والإمارات، ليترجم الجيش اليمني وثوار اللجان الشعبية قرار تغيير قواعد اللعبة بنصب كمائن الكورنيت وتكبيد المتوغلين خسائر فادحة ترتب عليها مجازر لدبابات ذكّرت من شاهد صورها تنشر «البناء» بعضها في الصفحة الثامنة بمجازر دبابات العدوان «الإسرائيلي» على لبنان في صيف العام 2006.
لبنان على خلفية الترقب للمرحلة الرمادية بين التصعيد والانخراط في التسويات والتفاهمات، بدأ يستردّ أنفاسه من اختبار أوهام الفريق السعودي بتغيير قواعد اللعبة الداخلية التي أظهرها التعامل مع تجاوز تواقيع وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله، ما رتب تقييماً للموقف على مستوى دولي وإقليمي ردّ الاعتبار للتفاهمات التي أنتجت الحكومة قبل سنة ونصف، وتوصيف مهمتها التوافقية ريثما يتسنّى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
فيما تولى رئيس مجلس النواب نبيه بري تدوير الزوايا لقضايا الخلاف، وصاغ خطوطاً عريضة للتسوية التي تحظى بتغطية دولية وإقليمية تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار، بدا أنّ الحكومة أضعف من أن تشكل الإطار السياسي القادر على مواكبة المتغيّرات المتسارعة في لبنان والمنطقة، ما أعاد إلى الواجهة إحياء بري للحوار الذي احتضنه المجلس النيابي العام 2006، والذي أعاد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان المطالبة بمبادرة على غراره لملء الفراغ الحواري في البلد لمزيد من التحصين والجاهزية لملاقاة التسويات عند نضوجها.
ومع تراجع التجاذب السياسي الذي قرّر العماد ميشال عون منح المساعي لحلحلة عقده مهلة حتى يوم الجمعة المقبل، الموعد الذي حدّده لتظاهرة مناصريه، تصدّرت التظاهرة التي دعا إليها الناشطون في الجمعيات الأهلية اليوم التقييم ورصد ردود الأفعال، فقد برز تطوّران على هذا الصعيد، الأول ما نقل عن المنظمين من جمعيات متعدّدة توقفهم أمام ثغرات التحرك الذي اقترب من الغوغاء الأسبوع الماضي سواء بشعاراته التي يصعب تحقيقها واقعياً ما يفقد التحرك زخمه ويحوّلها إلى مجرد هبة غضب على النظام الطائفي والفساد ويمنحها منصة جاهزة للقوى الخارجية والداخلية القادرة لاستعمالها صندوق بريد لإيصال رسائلها اللبنانية، ومن جهة مقابلة غوغائية الفلتان لمقود التحركات التي بات في مستطاع مشاغبين متهوّرين أن يتحكموا بحماستهم بمصيرها وأن يهدّدوا مستقبل تحرك طامح إلى تغيير النظام السياسي برمّته، فيكف إذا أرادت قوى منظمة أن تلعب لعبتها لحرف التحرك إلى حيث يخدم مخططها وحساباتها؟
أما التطور الثاني فهو تشكيل لجان تنظيم تشرف على الانضباط بخط التظاهرات وسلميتها من جهة ومن جهة أخرى توحيد الشعارات والأهداف التي يتوافق الجميع على اعتبارها واقعية ومتناسبة مع القضايا الساخنة المطروحة على عاتق التحرك، وفي مقدّمها توظيف الفشل الحكومي في حلّ قضية النفايات للمطالبة برفع الحكومة يدها عن الصندوق البلدي المستقلّ الذي تستخدم أمواله لتغطية صفقات النفايات، وإعادة مسؤولية حلّ قضية النفايات إلى البلديات والاتحادات البلدية وتنسيق ما يحتاج إلى جهد على مستوى لبنان كله في ما بينها، بصيغ تشبه ما هو معمول به في كثير من بلدان العالم، بتخصيص جزء من المال للبلديات التي تنشئ المطامر وتستقبل النفايات وجزء من المال للبلديات التي تنشئ المحارق للأنواع التي تستدعي هذا النوع من المعالجة، والتركيز على تدوير النفايات وبيع مخرجاتها الصالحة للصناعة والتي تجعل من البلديات التي تتولاها مصدراً لعائد مالي للصندوق، وإلى جانب هذا المطلب «أعيدوا الأموال للبلديات ومعها مسؤوليتها عن النفايات»، سيرفع المتظاهرون دعوات المحاسبة للمسؤولين عن ملف النفايات والاعتداء على المتظاهرين، وملاحقة تحقيق شفاف لكشفهم.
حراك شعبي اليوم وشعارات واقعية
تحتضن ساحة الشهداء عند السادسة من عصر اليوم حراكاً شعبياً دعت إليه حملة «طلعت ريحتكم» و«بدنا نحاسب»، بمشاركة هيئات مدنية وقطاعات نقابية عدة، ضد الحكومة والطبقة السياسية الحاكمة التي عجزت عن إيجاد حلول لأزمة النفايات بعيداً عن الصفقات وتقاسم الحصص.
وكانت حملة «بدنا نحاسب» طالبت من أمام وزارة الداخلية بـ»محاسبة من أمر بإطلاق النار وضرب الناس والمتظاهرين وباستقالة الوزير نهاد المشنوق. ودعت حملة «طلعت ريحتكم» بدورها إلى محاسبة كل متورط بإطلاق النار على المتظاهرين وصولاً إلى وزير الداخلية نهاد المشنوق. كما طالبت الحملة باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق.
وأكد الوزير السابق شربل نحاس لـ«البناء» أن الشعارات التي يرفعها المتظاهرون ليست سذاجة ثورية ولا عناوين طوباوية وسقوفاً غير واقعية كما يقول البعض، بل هي شعارات واقعية ويجب أن تطبق ولا أحد يحاول أن يخيف المواطنين من خلال الإيحاء بأن هذه التظاهرات تأخذ البلاد إلى الفوضى وتضعف الدولة وتؤدي إلى الفراغ الدستوري»، لافتاً إلى «أن ما ارتكبته الطبقة السياسية الحاكمة من فساد مالي وإداري إلى غياب المحاسبة وصولاً إلى أزمة النفايات التي أسقطت ما تبقى من هذا النظام ومن هذه الدولة، هو الذي ضرب الدستور والدولة».
وأشار نحاس إلى «أن تحرك الشباب اليوم في ساحتي رياض الصلح وساحة الشهداء نابع من غضب على سلطة لم تكتف بعدم توفير فرص العمل لهم وتهجيرهم فحسب، فهي لم تشبع من سرقة أبنائها»، مشيراً إلى «أن هؤلاء هم بصيص الأمل لهذا البلد، ولكنهم بالتأكيد يحتاجون إلى قيادة أكثر خبرة تكون في مقدمة التظاهرة لقيادتهم وتوجيه تحركهم».
واستبعد تكرار حدوث حالات شغب كما حصل يومي السبت والأحد الماضيين، مؤكداً أن تظاهرة اليوم ستحافظ على سلميتها ومن سيفتعل الشغب سيكشف وسيحاسب.
وأشار نحاس إلى «أن هذا التحرك لا يمكن دمجه مع التظاهرة التي دعا إليها التيار الوطني الحر لأن تحرك هيئات المجتمع المدني ليس تحركاً طائفياً وليس حزبياً بل مدنياً ووطنياً».
لا حل إلا بإسقاط النظام الطائفي وقيام دولة مدنية
وأكد رئيس التيار النقابي المستقل حنا غريب لـ«البناء» انه سيكون رأس حربة في مواجهة سلطة الفساد والإفساد». وشدد على «أن هذا التحرك يختلف عن التحركات الأخرى على رغم أحقية كل المطالب التي كنا نتظاهر من أجلها لكن أزمة النفايات طاولت كل منزل لبناني، إذ يمكن إيجاد حل للمياه بالشراء والكهرباء من خلال المولدات، غير أن الحلول الفردية للنفايات مستعصية ومستحيلة، وبات اللبناني أمام أمرين إما العيش تحت الزبالة أو التحرك». ودعا غريب المراهنين على هذه الطبقة السياسية الفاسدة التحرك من أجل مصلحتهم أولاً ومصلحة الوطن، وأبدى ارتياحه إلى انضمام البلديات إلى التظاهرات.
وإذ اعتبر أن ما يجري يؤكد الفشل الذريع لكل السياسة الاقتصادية شدد على «أن لا حل إلا بإسقاط النظام الطائفي وقيام دولة مدنية لا تهجر أبناءنا وتهتم بالخدمات الصحية والاجتماعية»، لافتاً إلى «أن الباب مفتوح أمام كل اللبنانيين للتظاهر تحت راية العلم اللبناني لاسترجاع الحقوق التي اغتصبتها السلطة السياسية الفاسدة». وسأل كيف لسلطة سياسية أن تتحرك لضرب الحراك المدني»؟ مبدياً تخوفه من أن تفجر هذه السلطة الوضع، فهذه الطبقة السياسية لا تريد بديلاً ديمقراطياً عنها».
الاستقرار الأمني من المقدسات
ونبه وزير الداخلية نهاد المشنوق في مؤتمر صحافي إلى ضرورة الانتباه إلى مجموعة حاقدة ستشارك اليوم في التظاهرة حرصاً على سلميتها ، موضحاً أن هناك شعارات منع نشرها حفاظاً على السلم الأهلي.
وأكد قائد الجيش العماد جان قهوجي خلال تفقده الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود الشمالية،عدم السماح لأيّ كان، بالخلط بين المطالب الشعبية المحقّة، والتعدي على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، وعلى المؤسسات العامة والخاصة، بالتالي تعريض مسيرة السلم الأهلي للخطر، فالجيش لن يسمح للخارجين على القانون باستدراج هذه التظاهرات إلى فوضى أمنية، تهدّد المكتسبات الوطنية، ومصالح اللبنانيين جميعاً، لافتاً إلى أن الاستقرار الأمني في البلاد، هو من المقدسات التي لا يجوز التلاعب بها، كونه المدخل الوحيد للعبور بالوطن إلى أيّ إصلاح أو تطوير منشود.
عون يعطي المساعي مهلة أسبوع
وفي سياق متصل، رفض رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مشاركة التيار الوطني الحر في التظاهرة التي دعت إليها منظمات المجتمع المدني. ودعا عون التيار الوطني إلى التظاهر يوم الجمعة المقبل في الساعة الخامسة والنصف في ساحة الشهداء للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد. وأكد أن الشرعية والقانونية مفهومان ضروريان لممارسة الحكم وتحصينه، مشيراً إلى أن ما من حاكم يمكن أن يعتبر شرعياً ما لم يعرف بشرعيته.
وطالب عون في مؤتمر صحافي بإقرار قانون انتخاب وفق النظام النسبي وإجراء انتخابات شفافة وتأليف حكومة وفاقية، مشدداً على انتخاب رئيس جمهورية من الشعب مباشرة إن أرادوا انتخابه قبل تنظيم الانتخابات النيابية.
وقال عون: «الأكثرية تعرف تعلقنا بالحكومة لعدم إمكانية تأليف غيرها لا سيما أنها تمثل رئيس الجمهورية، فتبتز الأقلية بقراراتها وتقود البلاد لمسارات خطرة».
وأكدت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» «أنه نتيجة المساعي التي أتت ثمارها في وقف أعمال مجلس الوزراء لإجراء التسوية وإسهاماً منه في تسهيل عمل الساعين بالتسوية رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط اكتفى العماد عون بإطلاق مبادئ وعموميات مع إبقاء ربط النزاع قائماً وأعطى المساعي مهلة أسبوع يراها كافية لبلوغ المساعي الدائرة النتائج». ولفتت المصادر إلى أن الحراك يتمثل في البحث عن تسويات في ملفات ثلاثة تتعلق بآلية عمل مجلس الوزراء باتجاه العودة إلى التفاهمات السابقة، إيجاد مخرج للترقيات العسكرية التي يبدو أن الاتجاه المعمول عليه الآن هو ترقية 9 ضباط خمسة منهم أعضاء في المجلس العسكري و4 يكون من ضمنهم العميد شامل روكز، بالإضافة إلى ملف المراسيم التي جمد نشرها والبحث في طبيعة المراسيم العادية وكيفية التعاطي معها». وتحدثت المصادر عن أن اللافت في هذا الإطار دخول السفير الأميركي على خط التسويات في شكل ملتبس».
وأكدت مصادر عين التينة لـ«البناء» أن الرئيس نبيه بري يفكر في الدعوة إلى طاولة حوار على غرار طاولة عام 2006»، وأشارت رداً على طرح العماد عون انتخاب الرئيس من الشعب، إلى أنه لا يمكن أن ينتخب أي رئيس من الشعب قبل أن يحوز على توافق سياسي».
وفي إطار المساعي الجارية مع العماد عون لإيجاد تسوية للأزمة الحكومية العالقة ومحاولة تدوير الزوايا من دون عزل العماد ميشال عون أوفد النائب جنبلاط إلى الرابية وزير الصحة وائل أبو فاعور الذي أشار إلى «أن الوصول إلى تفاهم سياسي ليس بعيداً لإعادة العمل إلى مجلسي النواب والوزراء».
وأكدت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن العماد عون أرجأ التحرك إفساحاً في المجال أمام المحادثات الجارية للتوفيق بين وجهات النظر»، مشددة على «أننا لا نطالب إلا باحترام الدستور والقانون والمشاركة الحقيقية والميثاقية». ولفتت المصادر إلى أن كلام عون للمتظاهرين «أعيدوا لنا شعاراتنا» جاء بعد وضع المتظاهرين الجميع في سلة واحدة، ونحن لا نقبل أن نكون في خندق واحد مع من سرق مال الدولة، لأننا أول من حارب الفساد والسرقة ولذلك نحن نحارَب من تلك الطبقة السياسية».
سقوط الحكومة يدخل البلد في المجهول
ونُقل عن مصادر ديبلوماسية غربية لـ«البناء» «أن هناك قراراً دولياً وإقليمياً بضرورة الحفاظ على الحكومة وعدم التفريط بها وضرورة التعاطي بمرونة بين كل مكوناتها»، ولفتت المصادر إلى «أن السيناريو غير واضح ولا أحد يعلم إلى أين ستؤول الأمور في حال سقطت الحكومة ومن الممكن أن يدخل البلد في المجهول».
وفيما زار وزير الداخلية رئيس حزب الكتائب سامي الجميل أمس، أكدت مصادر كتائبية لـ«البناء» أن وزراء حزب الكتائب لن يستقيلوا من الحكومة، بعد التطمينات التي نقلها الوزير المشنوق إلى الصيفي أن هناك حلولاً قريبة لأزمة النفايات».