عندما تحدّث فيلتمان عن حزب الله والشباب اللبناني
روزانا رمّال
كثيرون لا يعرفون اليوم أنّ السلطات الفرنسية تبحث عن كلّ من يمتّ إلى المقاومة الفرنسية بصلة كي تؤدي له التحية، وتسعى الجهات المعنية إلى البحث في جذور العائلات والسجلات عن عمّن شاركوا يوماً في القتال إلى جانب فرنسا من غير الفرنسيين، أو من تبقى منهم وتمنحهم حقوقاً وامتيازات، بالإضافة إلى الجنسية الفرنسية.
في بلاد العرب تنقلب الصورة وتصبح أكثر غموضاً، فكلّ الأبطال الذين مروا من هنا، أي من ساحات النضال ضدّ أي احتلال أو ظلم، هم تارة يُجلدون أحياء وطوراً وهم أموات حتى تنقسم الآراء والمواقف حولهم.
في لبنان اليوم تظاهرة ضدّ فساد الحكومة، مثلها مثل باقي الحكومات العربية ولكن في لبنان فوارق وخصوصية شديدة الأهمية للحكومة التي يشارك حزب الله فيها بشكل فاعل كما أنّ مشاركته في الحياة البرلمانية اللبنانية عبر كتلة الوفاء للمقاومة تلفت إلى أهمية حضور العين الغربية كمراقب دقيق لاستهداف شامل لكلّ الأحزاب، وخصوصاً حزب المقاومة.
لا يمكن تعميم نجاح تجربة حزب الله في مقاومته العدو «الإسرائيلي» ودحره من جنوب لبنان على إنجازاته في الحياة السياسية اللبنانية واعتبارها كاملة النجاح بالتجربة، أولاً لفرادة النظام وخصوصيته وثانياً لخصوصية حزب الله كفصيل مقاوم يتعاطى معه بعض الأطراف كخارج عن الشرعية بسبب السلاح، مع العلم بأنّ هذا البعض يشارك في حكومات وقعت رسمياً على شرعية هذا السلاح بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.
تجربة حزب الله السياسية المنبثقة عن مفهوم النضال ومقاومة الظلم ومناصرة المظلوم لم تطبق في تحالفاته أو أخفقت في عدة نواح كان من الممكن أن لا يتصرف نحوها كما فعل. فتحالف مع من غدر وتغاضى عن الفساد وربما أدرك أنه غير قادر على مواجهة ذلك بنفسه، معلناً بطريقة أو بأخرى ضرورة الشراكة من أجل تخليص لبنان من أزماته المستفحلة وهي نتاج حكومات فاسدة واحدة تلو الأخرى، وموقعه كحزب للمقاومة لا يجعله فوق النقد والنقاش في تعامله مع القضايا اللبنانية الداخلية شرط أن يأخذ المنتقدون في حساباتهم أنهم يتحدثون عن حزب المقاومة الذي يتربص به بصفته هذه أكثر من طرف يعادي لبنان وعلى من يناقش وينتقد ألا يقدم له مساهمة مجانية ضدّ هذه المقاومة وحزبها.
يتظاهر الناس اليوم في وسط بيروت ضدّ كلّ الزعماء ورؤساء الأحزاب والنواب والوزراء ويشتمون الحكومة ومن فيها ويدعونها إلى الرحيل.
غالباً ما تتابع العدسات الغربية جيداً هذا المشهد في أي بلد حول العالم، فتسعى بعض السفارات في الدول النافذة إلى اكتشاف الفرص التي يمكن استغلالها وهذا ما خبرته الساحات العربية.
إذا كان تركيع سورية مشروعاً قائماً وقد اتخذ من هذا العنوان التغييري و«الشعب يصنع ثورته»، مدخلاً إلى المهمة، فإنّ محاولات تركيع حزب الله بدأت منذ سنوات طويلة عسكرياً بحروب شديدة القسوة كحرب تموز هدفت إلى سحقه كهدف أبرز وداخلياً عبر تشكيل تكتلات ضده وتصعيد الاتهامات الداخلية ضده باتهامه بالضلوع في اغتيالات وتفجيرات عدة في لبنان لتأليب الشارع اللبناني عليه وعلى موضوع السلاح تحديداً.
المهمّة المستمرة ليست سهلة على الأميركيين و«الإسرائيليين»، وفي هذا الإطار يتحدث تقرير غربي عن أهمية فصل مسألة حزب الله إلى شقين: الحزب وأمينه العام السيد حسن نصرالله.
يعترف التقرير بأنّ حزب الله بشخص أمينه العام استطاع جذب الملايين من المسلمين والأحرار في العالم إبان تحرير الجنوب عام 2000 وفي حرب تموز 2006 ليحط رحاله في أميركا اللاتينية وبلدان مثل فنزويلا وكوبا، مروراً بإندونيسيا وماليزيا والعالم العربي حتى بات، وحده، معركة بالنسبة إليهم.
في 8-6- 2010، وقف السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان كمساعد لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لشؤون الشرق الأدنى أمام الكونغرس في جلسة اجتماع حول حزب الله، شارك فيها منسق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية دانيال بنجامين، فقال: «إنّ الولايات المتحدة تقدم المساعدة والدعم في لبنان للحدّ من صورة حزب الله الإيجابية لدى الشباب اللبناني». وأضاف: «لبنان هو دولة ذات مجتمع مدني نابض بالحياة ولشعبه تاريخ من الاعتماد على زعماء الطوائف والمجتمع. على مرّ السنين، منع هذا التقليد ظهور مؤسسات دولة قوية توحد الشعور بالانتماء الوطني. لقد استغل حزب الله هذه البيئة وتمكن من اجتذاب تأييد شعبي بين قطاعات من السكان الذين يشعرون بأنهم مهملون من قبل دولة ضعيفة أو عرضة لتهديدات من داخل وخارج البلاد». وتابع: «إنّ أميركا تتعاون بشكل مباشر مع الشركاء الدوليين لتقليص نطاق عمل حزب الله ولعرقلة قدراته على تلقي الأموال، وأخيراً اعترف فيلتمان بتخصيص 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله».
الحذر اليوم من هذا الشباب اللبناني المنتفض الذي يعول عليه فيلتمان وهو قادر بسلاسة ونعومة على النيل من رمز المقاومة العربية السيد حسن نصرالله بسبب فقدان حسّ المسؤولية بالشعارات المرفوعة.
العين الأميركية ـ «الإسرائيلية» شاخصة اليوم بانتظار فرصة الانقضاض، وهذا لا يواجه إلا بارتفاع منسوب الوطنية، وربما تكون مبادرة الرئيس بري الحوارية أحد منافذها.