لماذا الإصرار على شيطنة نصر الله؟
ناصر قنديل
– بعض الأصدقاء من المتحمّسين والمتفائلين بحراك الساحات يتصل ليعاتبني بالقول لماذا تصرّ على الشيطنة المبكرة لهذا الحراك، فسألته لو تسأل نفسك عن سبب الإصرار على الشيطنة المبكرة من القيمين على الحراك لصورة قائد المقاومة السيد حسن نصر الله؟
– لا يمكن إخفاء حقيقة ما ظهر في الأيام الماضية من إصرار لدى القيّمين على الحراك كناشطين أو كإعلام يتولى قيادة الدفة من وجود إصرار على شرح وتفسير شعار «كلكن يعني كلكن»، بالقول إنه يقصد صراحة عدم حصر تحميل المسؤولية عن الفساد والاهتراء في جسد الدولة للقوى التي تسلّمت السلطة منذ ما بعد اتفاق الطائف، والمضيّ في التوضيح أنّ التيارين اللذين يصرّان على تحييد نفسيهما من دائرة الاتهام هما الهدف من هذا الشعار، وهما التيار الوطني الحر وحزب الله، ويستفيض الضيوف المطلوب تحويلهم إلى رموز عبر الاستضافات المتعاقبة على هواء الفضائيات المتسنفرة والممسكة بمقود الحراك، فيقولون عن حزب الله سلسلة من المواقف، تبدأ من الإصرار على رفض حصر الصور التي تعرض لقادة الدولة بنواب ووزراء الحزب واعتبار إضافة صورة سيد المقاومة شرطاً «لأننا نرفض السماح بادّعاء الطهرانية» لمن يمارس السياسة ويقود حزباً وهو الأمين العام لهذا الحزب، والحزب مشارك في السلطة والنظام، ولمزيد من الشروحات يقول ناشط وتشرح ناشطة، أنّ «ثورة 14 آذار» أسقطت النظام الأمني حتى تحقق انتصارها، والآن يجب إسقاط النظام الأمني حتى يتمّ الانتصار، والنظام الأمني هو حزب الله، وهذا الكلام عظيم وكافٍ في تحديد وشرح مفهوم نية القيادة السرية للحراك لشعار إسقاط النظام، وفي شروحات مفصّلة يقدّم ناشط مطالعة عنوانها فساد استخدام الدم والسلاح والتصرف بالسيادة أخطر من فساد استخدام المال العام، ويقول إنّ جريمة الفساد التي تلاحق الأمين العام لحزب الله أكبر بكثير من الجرائم التي تلاحق سواه بعد حرب تموز ومشاركة الحزب في الحرب في سورية.
– يقول وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر في عام 1980 أمام لجان الكونغرس في تفسير الصمت على تصريحات انتقادية للسياسات الأميركية صادرة من السعودية، وهي دولة صديقة لأميركا، إنّ تعليماته للسفارات الأميركية طالبت بإبلاغ حلفاء واشنطن أنه عندما تكون السياسات الأميركية مصدر إحراج للحلفاء أمام شعوبهم ولا بدّ من انتقادها وحتى شتيمتها فلا مانع بذلك شرط أن ينتقدوا ويشتموا الاتحاد السوفياتي معنا، وبالقياس طبعاً يمكن لأيّ عاقل أن يتساءل إذا كانت قضية الأميركي و«الإسرائيلي»
والسعودي وسواهم شيطنة الزعامة التي تسبّبت بفشل مشاريعهم في لبنان وفلسطين وسورية والعراق واليمن فكيف ستفكر بالنيل منها ومن مصادر قوتها؟
– الجواب في قرار الكونغرس الأميركي المصادقة على تخصيص الـ500 مليون دولار التي تحدث عنها نائب وزير الخارجية الأميركي في عام 2010 جيفري فيلتمان، ومحورها علاقة حزب الله بالشباب هي أصل المشكلة ومكانة وزعامة السيد حسن نصر الله هي سبب الخطورة، وبرامج الفك بين الشباب والحزب من جهة وشيطنة صورة نصر الله من جهة مقابلة هما ما يحظى باهتمام واشنطن، والمبلغ المرصود له برامج عنوانها قروض صغيرة لإنشاء مؤسسات إنتاج وتعليم جامعي تغطيه منح مدعومة وتكوين جمعيات مدنية تهتمّ بالبيئة والمرأة وحقوق الإنسان والتدريب على المهارات القيادية للشباب، وبرامج تأهيل على الأنشطة الديمقراطية من قيادة التجمعات وتحريك الحشود والتفاوض مع الأجهزة الأمنية وصياغة الهتافات والشعارات، كما ورد في برنامج معهد ماكسويل الذي يشرف على بعض هذه البرامج بالتعاون مع منظمة الشراكة الأميركية للشرق الأوسط ووكالة التنمية الأميركية، ومنذ عام 2010 حتى عام 2012 شارك في هذه البرامج قرابة 100 ألف شاب من البلاد العربية، بينهم ثلاثة آلاف لبناني، وفقاً لتقارير المنظمات المشرفة أمام الكونغرس عام 2012.
– الجواب أيضاً هو شراء مظلومية تستقطب التعاطف تحت عنوان السلمية لصناعة أبطال شعبيّين، وتأمين الأضواء اللازمة ليتحدّثوا عبر الإعلام، ومنحهم أحياناً جوائز عالمية لتأمين قدر من الحصانة المضافة لأمن تحركاتهم، كما وصفت تقارير أميركية مكانة توكل كرمان اليمنية، وإطلاق هؤلاء الأبطال المصنّعين بمظلومية التعرّض للعدوان، وإبلاغهم أنه إذا كان انتقاد نصر الله يستدعي أن ينتقدوا معه كلّ زعامات لبنان بل وزعامات المنطقة والعالم فليكن، المهم أن ينالوا منه، وأن يجدوا المبرّر ليوردوا اسمه ضمن لوائح السوء، أليست هذه أيضاً مهمة المحكمة الدولية؟ والسؤال الذي يواجه دعاة تقديس الحراك والمعترضين على المحكمة هو: هل قضية الحقيقة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري موضع نقاش؟ والجواب طبعاً لا بالتأكيد، فكلّ لبناني يتمسك بدعم كلّ جهد جدّي لمعرفة الحقيقة، لكن هل المحكمة أداة مخلصة لمعرفة الحقيقة على رغم الهالة القضائية الدولية التي مُنحت لها؟ أم هي مُنحت كلّ ذلك وسُخر لها كلّ ما يلزم لكسب الصدقية بدءاً من الإفراج عن الضباط الأربعة الذين احتجزتهم لجنة التحقيق الدولية كي توجه أصابع الإتهام إلى حزب الله ليتحوّل الحزب بنظر شريحة من اللبنانيين والعرب وشرفاء العالم من حزب المقاومة إلى حزب قاتل؟ وما نحن أمامه اليوم لا نقاش فيه حول القضية، بل حول نزاهة الحراك الذي يتباهى بعض قادته بأنّ أهمّ ما أنجز عبره حتى الآن هو إسقاط هذه المهابة عن شخصية السيد نصر الله، وتقديم حزب الله من حزب منزّه يتحدّث عن طهرانيته، أو على الأقلّ يتباهى بطهرانية أمينه العام إلى حزب تُرفع صورة أمينه العام قائد المقاومة على لائحة الفساد.
– السؤال الطبيعي البسيط هو لماذا يزجّ حراك مطلبي نفسه في زاوية ضيقة حرجة كهذه لا تتصل لا من قريب ولا من بعيد بادّعاء السعي لحلّ نزيه وبيئي نظيف لأزمة النفايات والتصدّي لمحاولات جعلها عنواناً للتقاسم الطائفي، والسمسرات، والتطور لاحقاً للضغط من أجل قانون انتخاب عصري يدفع لبنان على طريق الدولة المدنية، في عنوان بهذه الخطورة والحساسية، وما هي درجة الإلحاح التي تجبر الناشطين الذين حازوا تجاوباً شعبياً معهم تحت هذا العنوان المطلبي للتصدّي لقضية النفايات كي ينتقل فوراً إلى قضية بحجم مقتضيات أمن لبنان الإقليمي إذا لم يكن لديهم مشروعهم الخاص المتصل بهذه العناوين، والسؤال المشابه لمن يطرح مشروعاً بحجم إسقاط النظام أيّ الادّعاء بالأهلية لتولي مهمة إعادة بناء دولة جديدة نظيفة، ما هي نظرة هؤلاء لهوية الدولة التي يبشروننا بها، في ملف الصراع مع «إسرائيل» والإرهاب؟ وبالتالي هل لديهم موقف موحد؟ وهل هم من أنصار خيار المقاومة؟ أم أنهم كما يتحدّثون منفردين عندما يطلون عبر الشاشات، هم دعاة حياد لبنان من الصراع مع «إسرائيل»؟ ويصير المشروع هو المقايضة بين مواجهة مع الفساد مقابل مواجهة مع السلاح؟ فهل هذا مشروع وطني لبناني أم مشروع إقليمي؟
– إنها الحرب الذكية أي الناعمة، التي تحدّث عنها الأميركيون مراراً بديلاً للمواجهات المباشرة، والحروب الخشنة الفاشلة، حرب تخاض بالواسطة، وليست الجيوش من تخوضها بل الشعوب المستهدفة ضدّ البنى والقوى التي تتخذ منها بيئة حاضنة للمواجهة مع واشنطن، وبعد تجربة «الربيع العربي الأول»، جاءت النسخة المعدّلة التي تتفادى المعركة الفاصلة كما جرى في النسخة الأولى بإسقاط حكومات ورؤساء، لأنّ البدائل صارت خطرة، فمرحلة «الإخوان المسلمين» استنفدت وانتهت بفشل ذريع، وربما يكون البديل الحاضر هو تفريعات «القاعدة»، وصار يكفي الفك بين البنى الفاعلة والبيئة الحاضنة وبعنوان غالباً ما يكون قضية تتصل بالبيئة، وهذا يستدعي أربع مراحل، المدخل الذي جرّب في إيطاليا عام 2008 للتخلص من الاستقلالي رومانو برودي والمجيء بسيلفيو برلسكوني على حصان النفايات التي صنعت ودبّرت وعقّدت طرق حلها، حتى صارت البند الرئيسي في حملة برلسكوني وحكومته، فالنفايات أهمّ من الكهرباء والهاتف وسائر الخدمات، وهي أكثر ما يشعل الشارع، ومن قال إنّ العقدة نفسها لم تكن مفتعلة ليولد الحراك ويستنفر الإعلام وتولد الجمعيات، وهنا ثاني المراحل، فكي تنجح النفايات لا بدّ من الإعلام الفاعل والناشطين، كي يجتمع الصوت والصورة مع الرائحة، والتجربة التي خيضت بقناتي «العربية» و«الجزيرة» تقول إنّ ذلك ممكن وفاعل وشديد الفاعلية بوجود حالة غضب وسخط في الشارع، ويلي ذلك ثالثاً الساحات وقد اختبرت في العراق ولا تزال، حيث تحت شعار مكافحة الفساد غطت «سي أن أن» و«العربية» الخبر بالقول إنّ الشعب العراقي يتوحد ضدّ التدخل الإيراني ويرفع صور السيد علي الخامنئي كمسؤول عن معاناة العراقيين، وأرفقت القناتان صوراً وهتافات من الساحات تؤكد ذلك، وقد يستغرب البعض إذا قلنا إنّ ما نقلته «سي أن أن» من بيروت قال إنّ الربيع اللبناني بدأ في بيروت وإنّ صور السيد نصر الله رفعت ضمن لائحة للفاسدين وزعها الناشطون.
– نصل إلى الحلقة الرابعة من المشروع وقد اختبرت في مصر حيث وصل الجنرال إلى الرئاسة من الساحات كمنقذ من الفوضى…