داعش: دولة القاعدة الجديدة ترسم حدودها
عامر نعيم الياس
هاجم مئات من مسلحي الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» مقرّ محافظة نينوى في الموصل مسجلين تقدماً في اليوم الخامس من القتال الذي تشهده ثاني مدن العراق، فقد سيطر المسلحون على المصارف والبنوك الأهلية في المدينة، وسيطروا أيضاً على مبنى المحافظة، وتمكن المحافظ أثيل النجيفي من الفرار. وبحسب المعلومات فإنّ الجانب الغربي من الموصل سقط نهائياً بيد مسلحي داعش الذين يواصلون تقدمهم جنوباً نحو معسكر الغزلاني الذي يحتوي على مطار عسكري وسجن رئيسي. هذا الهجوم جاء بعد يومين من هجوم آخر شنّه التنظيم الإرهابي على مدينة سامراء محاولاً استهداف ضريحي الإمامين العسكريين في المدينة.
وفي إطار موازٍ حقق داعش خلال الأسبوع الماضي تقدماً ميدانياً مهماً في ريف دير الزور وفي المدينة التي سيطر فيها على جسر السياسية مستكملاً حصار الجماعات المسلحة المناهضة له في المنطقة الشرقية، تقدم يأتي بمطلق الأحوال بعد انسحاب التنظيم من حلب وتعزيز أو بالأحرى استكمال سيطرته على مدينة الرقة في سورية والجزء الأكبر من ريفها في إطار الحرب مع النصرة وأخواتها، تلك المدينة التي سقطت بيد تنظيم البغدادي مطلع عام 2013 كانت أول عاصمة محافظة تخرج على سيطرة الدولة المركزية في دمشق.
مما لا شك فيه أنّ انكفاء الدولة السورية عن المنطقة الشرقية له ما يبرّره في الآونة الحالية، سواء بالنسبة إلى أولويات العمل العسكري، أو بالنسبة إلى عدم الرغبة في تعكير أجواء اقتتال «إخوة الإسلام المتطرف» مع بعضهم بعضاً. لكن الأهم في ما سبق هو التقدم السريع لداعش في شرق سورية وغرب العراق، وسيطرته على مناطق واسعة في كلا البلدين الجارين يمهّد عبرها لإقامة دولة الإسلام على طريقة أبو بكر البغدادي الذي وصفته «لوموند» في أحد تقاريرها بأنه «بن لادن الجديد». صحيفة «إندبندنت» البريطانية رأت أن «الهجمات التي شنّها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام خلال الأيام الماضية أظهرت بوضوح أن هذا التنظيم قد حلّ محل تنظيم القاعدة كأكبر وأخطر تنظيم إسلامي متطرف في العالم بأسره، فالأراضي التي سيطر عليها تمتدّ على مساحات شاسعة في غرب العراق وشرق سورية وهو ما يجعلها أكثر الجماعات الجهادية نجاحاً على الإطلاق».
وحول البغدادي تقول لوموند «ما يعرف عنه لا يزيد عن معلومات قليلة فهو يتحدّر من محافظة ديالى شرق العراق، وأسرته تنتمي إلى عشيرة السامرائي، تابع تحصيله العلمي في الجامعة الإسلامية في بغداد، ولم يسبق له أن حمل السلاح قبل الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003. وبعد عقد على انضوائه في مجموعة مقاتلين صغيرة، تربّع الرجل على صدارة الجهاديين وفي إمرته عشرات الآلاف من المقاتلين العراقيين وأكثر من سبعة آلاف مقاتل في سورية، جنوده يسيطرون على جزء لا يُستهان به من الأنبار في العراق ويهدّدون مشارف بغداد وينفخون الرعب في نينوى وصلاح الدين، وفي سورية يهيمن هؤلاء على محافظتي دير الزور والرقة، ويستخرجون النفط قرب الحسكة».
نحن هنا أمام دولة تمتلك مقومات الحياة بدايةً من الموارد الاقتصادية والبشرية، مروراً بالعقيدة القتالية والشرعية، عند هذه النقطة أشرنا في مقال سابق في «البناء» إلى أنّ داعش باتت على يمين القاعدة مزاودةً عليها في القتل والتدمير والعداء للآخر، وليس انتهاءً بالحاضنة الشعبية واجتذاب كل ما هو معادٍ للغرب، وفي هذا الصدد يجمع الإعلام الغربي على أن العدد الأكبر من جهادييه الإرهابيين منضو تحت راية الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولعل في أنموذج مهدي نموش المشتبه به بالهجوم على المتحف اليهودي ما يؤكد ذلك.
جملة أمور تطرح التساؤلات التالية: هل نحن أمام شيطنة لداعش فقط تأتي في سياق خدمة التنظيمات الأخرى المتحالفة مع الغرب خصوصاً في سورية؟ هل تحوّل داعش إلى حالة شعبية بسبب تمرّده على القاعدة؟ هل نحن أمام دولة أمر واقع باتت تهدّد الأمن الإقليمي في هذا التوقيت بالذات الذي نشهد فيه تصاعد القلق الإقليمي والدولي من ملف الإرهاب تحت صيغة «الجهاديين»؟
لا شك في أنّ اغتيال أسامة بن لادن في أيار من عام 2011 أطلق شرارة الصراع على خلافته سواء على مستوى صورة شيخ الجهاد العالمي، أو على مستوى التنظيم المهيمن الملتزم تعاليم مؤسس القاعدة، وعند هذه النقطة بدأ الافتراق بين البغدادي والظواهري الذي خلف ابن لادن على رأس القاعدة، اختلاف دفع بالبغدادي إلى تخوين الظواهري واتهامه بشكل غير مباشر «بمهادنة إيران»، ما يصبّ في خانة معركة الإلغاء، خصوصاً أنّ مشروع البغدادي يقوم على «الجهاد القريب» أي محاربة المسلمين والتنظيمات التي لا تنضوي تحت رايته، محاولاً الاستفادة إلى الحدّ الأقصى من البيئة الحاضنة التي يتمتع بها التنظيم وخصوصاً في العراق، وقاطعاً الطريق على إعادة إنتاج تجربة الصحوات التي أدت إلى انحسار نفوذ القاعدة في العراق عام 2006، لذلك نرى أنّ بيانات داعش كافة في حربها داخل سورية ضدّ التنظيمات الإسلامية الوهابية الأخرى بما فيها النصرة تحذّر من تكرار تجربة الصحوات، وعند هذه النقطة يمكن تفسير الحاضنة الشعبية لداعش التي أتاحت له التمدّد في العراق وفي منطقة الحدود السورية ـ العراقية، فالتنظيم العراقي القاعدي تشكّل بعد الاحتلال وضمّ إلى جانب المتطرفين العديد من أفراد وضباط الجيش العراقي السابق، فضلاً عن أنّ العداء الأميركي الإقليمي المعلن ضدّ داعش وشيطنة هذا التنظيم ساهما أيضاً في شرعنة توجهاته وخلق تفاعل شعبي واسع مع المعادين للمشروع الأميركي في المنطقة اعتماداً على الفكر الديني والتطرف، لذلك فإنّ دولة داعش ليست ورقة للاستخدام الإعلامي بقدر ما هي خطر راهن وواقعي وقائم من شأنه أن يرفع من منسوب الصراع على المدى المنظور عبر المستويين التاليين:
– الصراع بين المجموعات المتطرفة القاعدية، وإعادة الهيكلة للمواجهة ستكون أهم مميّزات المرحلة المقبلة على صعيد حرب ورثة ابن لادن خصوصاً في الداخل السوري، «فالقاعدة مات وعاش تنظيم قاعدة آخر هو قاعدة البغدادي، والقاعدة اليوم هي الدولة الإسلامية في العراق والشام» بحسب «لوموند» الفرنسية.
– تسعير مستوى التوتر الطائفي في المنطقة خصوصاً على مستوى الداخل العراقي، وزيادة حدة الاستقطاب السياسي.
ما سبق سيستمر بين يمين ويسار قاعدة خرج بعضها على نطاق السيطرة، بعد الخطأ التاريخي الذي ارتكبه الغرب في سورية ظنّاً منه أنها أفغانستان الشرق الأوسط بشعبها ودولتها وموقعها الجيوسياسي، حتى يستفيق ذلك الأميركي وينفخ الروح في حربه على الإرهاب مسقطاً أي شيء آخر من حساباته القاصرة.
كاتب سوري