حرب الديموغرافيا المفتوحة في ساحات المواجهة الناعمة…
سعدالله الخليل
طوال العقود الماضية لطالما كانت ألمانيا من أكثر الدول تشدّداً في ما يتعلق بقوانين الهجرة ومنح سمات الإقامة، في وقت شكلت الجنسية الألمانية حلم ألوف المقيمين على أراضيها كون الحصول عليها من الصعوبة بما لا يمكن تجاوزها بسهولة.
فجأة تتحوّل ألمانيا إلى بلد الرحمة والرأفة بالإنسان العربي بل وتغدو صاحبة مبادرات فاعلة لحلّ قضية أخفقت أوروبا حيالها، إلى درجة أنّ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قرّرت منح جميع اللاجئين السوريين المتواجدين على أراضيها حق الحصول على سمات اللجوء، بالتزامن مع حملة إعلامية تصوّر تدفق عشرات الآلاف من النازحين في المجر واليونان وهم يهتفون لألمانيا والحرية.
ثمة نوبات من حنان أوربي مفاجئ بشكل عام وألماني خصوصاً حيال اللاجئين لا تفهم دوافعه وتسهيلات سخية ومغريات، جعلت من ألمانيا أرض الفردوس المفقود لأبناء دول تمزقها الحروب، وبعيداً عن العواطف والمشاعر الوطنية والقومية لا أحد ينكر بأنّ الحياة والإقامة في أوروبا وفرت ولا تزال فرصاً كثيرة، لا يمكن الحصول عليها في بلدان صنّفت في أحسن حالاتها في خانة العالم الثالث فيما أنزلتها سنوات الربيع الأميركي درجات في سلم الترتيب.
في ظلّ غياب التوضيحات الرسمية لما يجري ثمة تفسيرات وتحليلات عدة تعلو أصوات تروّج لحاجة أوروبا للدم الشاب، وتناقص اليد العاملة لديها، ولغير ذلك من التفسيرات، التي ربما تقنع لو انّ الحديث عن بلدان تفاجأ بكلّ طارئ لغياب التخطيط المبرمج والدراسات المسبقة عن حركة السوق، واتجاهات اليد العاملة ولا يمكن لعاقل أن يقتنع بأنّ خبراء التنمية والموارد البشرية في ألمانيا فجأة أدركوا مأزق بلادهم ومستقبلها، فقرّروا الاستعانة بخبرات أبناء المشرق قبل أن تنهار صناعتها وأسواقها المالية وتقع كوارث لا تحمد عقباها.
على مدى السنوات الخمس من عمر الأزمات في الشرق حيّدت الدول الأوروبية الجانب الديموغرافي عن المواجهة، واكتفت برفع شعارات حقوق الإنسان والدفاع عنها واحتفظت بطرح ورقة العبث بالتشكيلة الديموغرافية في بلدان عدة، ربما لسرعة نجاح المشروع المخطط له، كما حدث في مصر وتونس، أو لسرعة الانزلاق إلى المواجهة التي حسمت سريعاً في ليبيا، لتبقى ساحات اليمن والعراق وسورية ميادين المواجهة الديموغرافية الأكثر عمقاً، بعد فشل حرب السياسية والميديا بترويج نزع الشرعية والعقوبات الاقتصادية بكسر مجتمعات تعوّدت على الحصار والمواجهة لعقود خلت عانت خلالها من تبعاتها القاتلة، ومع سقوط ورقة التوت عن حقيقة ما تؤول إليه المواجهات العسكرية على الأرض، وصعوبة السير بكذبة إمكانية السير في تأمين نجاح القوى السياسية التابعة للغرب عبر الحوامل العسكرية الإرهابية التي فعلت فعلها، كممهّد لحرب الديموغرافيا بارتكاب مجازر تبرّر وتساهم بانطلاق موجات المهاجرين بصورة شرعية وغير شرعية على امتداد الجغرافيا من اليمن إلى العراق وسورية بلاد التنوّع والغنى الاثني والثقافي.
حرب الغرب الديموغرافية في سورية لم تتوقف عند حدود الأقليات في سورية، وارتكاب المجازر بحقهم في معلولا وريف حمص واشتبرق وقلب لوزة وغيرها من الأماكن خير مثال على ملامح هذه الحرب، ولعلّ نموذج حصار نبل والزهراء والفوعة وكفريا أمثلة واضحة للعيان، وما يروّج من مبادرات لتغيير ديموغرافية المناطق السورية من الزبداني إلى درعا وريف إدلب ليس إلا خطوة في تلك الحرب، فيما يشكل سلوك تنظيم «داعش» بحق السوريين خط الهجوم الأول للغرب في حربها ومشروعها.
على هذه الأرض ولد السوريون وضربت جذورهم في أعماق التاريخ قبل أن ترفع القارة العجوز مفاهيم الإنسانية، وعليها سيقف أبناؤها المخلصون لمشرقيتهم في وجه نيران الداعشية، ورياح الإرهاب لتبقى ثمار البذور المزروعة في التربة الصالحة، بعيداً عن الشوك والصخر وقارعة الطريق.
في آخر الأزمان وحيث تضع الحروب أوزارها تأتي لحظة فصل القمح عن الزوان.
«توب نيوز»