حراك وشباك

حسين ماجد

إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ضللت وإن تدخل من الباب تهتدي.

الشباك منصوبة لكلّ متحرك، والأبواب أمامكم كثيرة مشرعة للسقوط، وما من حركة إلا ونحتاج فيها إلى معرفة، معرفة ووعي لظروفنا الذاتية والموضوعية، وإلى الإرادة للتغيير والقدرة على التغيير وإلى تحديد الغاية النهائية، والأهداف

الوسيطة، وإلى الأساليب المنبثقة عنها والملائمة لها.

وإذا التمست دخول أمر فالتمس من قبل مدخله سبيل الخروج،

التحريك للساكن أسهل من تسكين المتحرك، وإيقاظ النائم أسهل من تنويم القائم، وجمهوركم اليوم في معظمه كما حكامكم، تجتمع أبدانهم وتختلف أهواؤهم، الشكاوى كثيرة، ومتنوعة، ومتعددة، جماعية، وفردية، ومناطقية، وإذا أراد الشعب أن يتابع يبقى متظاهراً في الشارع. والبداية هي في هذا الحراك، وعند تحوّله إلى فعل، يخشى عليه من الفراق أو الطلاق.

وخصومكم نظام وحكام، لا يرغبون بالرحمة وهمّهم القربان، المال دينهم، وشرفهم، وحياتهم، متواطؤن مع التجار والمحتكرين، ونظام طائفي ريعي خرّب البلاد وأهلك العباد، وأصبح الحكم لهم حالة إدمان، مثلهم كالذي تعوّد على الشرب

وحده فأصبح مدمناً على الكحول، اغتصبوا الأرض وسرقوا الأموال، ثم شرّعوها بقوانينهم، سلاحهم المكر والخديعة، وسلاحنا الصدق والحب وكرامة الإنسان، وتجد أمثالهم في كلّ زمان ومكان، وقد وصفهم «الكواكبي» قائلاً: «إدارة بيت

المال إدارة إطلاق دون رقابة، وجزاف دون موازنة، وإسراف دون عتاب، وإتلاف دون حساب، حتى صارت الدولة مديونة للأجانب بديون ثقيلة، توفى بلاداً، ورقاباً، ودماءً، وحقوقاً».

يصبحون أشراراً عندما يصلون إلى السلطة كما وصفهم «أفلاطون». مستكبرون، يعتبرون انّ الله لأجلهم خلق شجرة الحياة والبقاء، لا رئيس ولا دستور ولا شعب يحاسب، يغتصبون

كل شجرة خضراء، ويسطون على شجرة تين الأنبياء، تحمل ثمراً في كلّ المواسم، فشبعوا ولن يتركوها. لا تخافوهم إنهم جبناء، احتموا لما سمعوا أصواتكم واختبأوا أولاً خلف الأسلاك، ثم خلف الجدار، لأنهم عراة ويدّعون الحياء.

شجرة البقاء والاستمرار والانتصار لكم هي هذا الشعب اللبناني الإنسان، ولا يحق لسلطة أو طائفة أوحزب، أو أية قوة أن تسلبه حريته، وتتحكم بسلوكه، لقد سبقتكم تنظيمات حزبية ونقابية، وحركات شعبية مطلبية متنوعة ومتعددة، تحمل الكثير من شعاراتكم، وتطالب بمعظم مطالبكم، فلا تتنكروا لهم، بل وحدوا قوتكم، ونظموا هيكليتكم، ووسعوا انتشاركم، وحدّدوا بدقة ووضوح برناجكم وأهدافكم وغايتكم.

حركتكم تغييرية إصلاحية جزئية مرحلية، وليست ثورية انقلابية، في وجه طبقة سياسية، حقكم الاستقلالية، وواجبكم السياسي يتطلب إذا أردتم الموضوعية وليس الشمولية، عدم التركيز على قضايا آنية وتفصيلية، والهروب من مواجهة

الطغاة وتجهيلهم، واعتبارهم دون هوية. أما الفساد فقد دخل البيوت لأن الحكام منعوا الناس الحق فأشتروه، وأخذوهم بالباطل فاقتدوه، واعلموا انه لا ترتبط كلّ أعمال الفرد بأخلاقه الخاصة، وبمدى تصوره، وبحدود إرادته، وهناك من ينسى، ومن يخطئ، ومن لا يعلم ولا يعرف، ومن يكره، ومن لا يطيق، والمضطر، ونشاطكم وسعة صدركم وتوعيتكم، تنقل هذا الشعب من حال

إلى حال أفضل، لأنّ الذي لا يعرف شيئاً، لا يطلب شيئاً، ولا يفعل شيئاً.

كلمة أخيرة لا بدّ من قولها، لتنسجم مع ذاتها حركتكم ويتلاقى الشعب المقاوم مع حراككم، فرّقوا بين من حرّر وحمى ولا يزال يحمي الوطن، وبين من يهدمه، ولا بأس أن نكون نحن فرسان الخطوب، ونقدر ونحترم فرسان الحروب. ولنتحلى جميعاً بالإدراك والالتزام الأخلاقي والفضيلة وأن نكون القدوة البانية.

وربما من المستحسن البدء بوضع قانون للانتخابات النيابية، وقانون للأحزاب السياسية، والعمل على استقلالية السلطة

القضائية، ووضع قانون اختياري للأحوال الشخصية، ولتكن حركتم الفتق الصحي المناسب في هذا البنيان.

«رحيلي فائدة لكم لأنني إذا لم أرحل فالفارقليط- روح القدس- لن يأتي إليكم.» ١٦، يوحنا . ولن يرحلوا، رحلوهم

ودون حقوق سياسية لهم ولنسلهم حتى الجيل العاشر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى