المشنوق يهدّد بالقوة لحماية المقرات… والحريري يردّ عليه دفاعاً عن قطر إحاطة فيلتمان حول لبنان تستفز «بدنا نحاسب»… وترحيب من «طلعت ريحتكم»
كتب المحرر السياسي
مع ثبوت الدور القطري في الإشراف على قيادة محاولات استخدام ساحات الحراك والتمويل الإعلامي الذي تتولاه للقناتين المستنفرتين على مدى اللحظة لاستدراج الحشود بعد الإعلان عن الاجتماعات التي شهدتها الدوحة وضمّت المشرفين على القناتين، ظهر نائب وزير الخارجية الأميركي السابق جيفري فيلتمان على الخط من منصة الأمم المتحدة التي يرتدي قبّعتها كمعاون سياسي للأمين العام لتكتمل معالم صورة البعد السياسي لما شهده لبنان، ولما يعدّ له.
ومثلما كانت قطر تحاول توظيف رعايتها لاختلاق خط تماس مع حزب الله كان فيلتمان يحتفل بإنجازات تلامذته الذين أبلغ الكونغرس الأميركي عام 2010 أنّ إدارته تنفق عليهم خمسمئة مليون دولار، ليتمكنوا من اجتذاب الشباب من حول خيار المقاومة ومن التجرّؤ على ما يمثله قائد المقاومة من رمزية وموقع في ميزان الردع الذي تحدّث فيلتمان عن هذه الآلية لكسره، فأراد أن يتمّ المهمة بجعل لبنان تحت مجهر المتابعة لتكون المداخلة اللازمة جاهزة عند الضرورة، بينما كانت رسالة قطر للمساومة على سحب صور السيد نصر الله من أي تحرك قادم في الساحات مقابل عدم حسم الوضع في الزبداني تحصد الخيبة، حيث كان الجيش السوري مع المقاومة يفككون التفخيخ والألغام هناك بعد إحكام السيطرة على آخر معاقل المسلحين في المدينة.
حركة فيلتمان استفزت الجمعيات والناشطين المناصرين للمقاومة، خصوصاً اليساريين منهم الذين تتصدّرهم جمعية «بدنا نحاسب» التي تولت الردّ على فيلتمان رافضة المتاجرة بتحركات الغاضبين على نظام سياسي كان فيلتمان أحد رعاته، مؤكدة رفض كلّ تدخل خارجي في شأن يملك اللبنانيون وحدهم حق إبداء الرأي فيه كما قال قادة الجمعية لـ«البناء» في تفسيرهم لموقف الجمعية في مؤتمرها الصحافي.
في المقابل كان ناشطو المقلب الآخر من الحراك وعلى رأسهم جمعية «طلعت ريحتكم» يحتفلون بالنجاح في اجتذاب الاهتمام الدولي على أعلى مستوى عبر الإحاطة التي قدّمها فيلتمان وشاركت فيها ممثلة الأمم المتحدة في بيروت، معتبرين ذلك نوعاً من الحماية والحصانة للتحركات.
على خلفية هذا الانقسام السياسي بين يمين ويسار لجمعيات ونشطاء الحراك بدا أنّ تقسيماً رضائياً جرى بينهما، يترك لكلّ من الجناحين التعبير عن خصوصيته في تحركات منفصلة وصولاً إلى يوم الأربعاء المقبل موعد جلسة الحوار التي تلاقى الجميع ومعهم هيئة التنسيق النقابية على تحويل الحشد لملاقاتها إلى أكبر أنشطة الأسبوع المقبل بعد تحركات مناطقية احتجاجية.
على ضفة المواجهة مع التحركات كان لافتاً تدخل الرئيس سعد الحريري لتصويب ما اعتبره خطأ تسرّع من وزير الداخلية نهاد المشنوق بالإشارة إلى قطر كدولة خليجية صغيرة تقف وراء الحراك، مدافعاً عن قطر معتبراً أيّ اتهام لها بالإشاعات، بينما كان المشنوق يعلن أنّ أيّ محاولة لاحتلال مقرات حكومية ستمنع ولو بالقوة.
بري: لا أريد مصادرة صلاحيات مجلس الوزراء
لا شيء يعلو صوت ورقة الشارع التي يبدو أن أحداً من العونيين من جهة أو من الحراك «المجتمع المدني من جهة أخرى»سيتخلى عنها قبل تحقيق المطالب المحقة المتمثلة بإقرار قانون انتخابي جديد ومعالجة أزمة النفايات. وبانتظار أن يتصحح الوضع، فإن الجلسة الـ 28 لانتخاب رئيس للجمهورية لم تعقد أمس لعدم اكتمال النصاب واقتصار الحضور على 37 نائباً. وأكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أرجأ جلسة انتخاب الرئيس إلى 30 أيلول الجاري «أن الحوار هو الفرصة الأخيرة للبننة الاستحقاقات الداخلية وأولها الاستحقاق الرئاسي». وجدد بري التأكيد «أن حوار عام 2006 كان حول قضايا خارجية أما اليوم فمنصبّ على قضايا داخلية وأن الاتفاق عليها يعني سيرها تلقائيا باتجاه التنفيذ». ونقل زواره عنه لـ«البناء أنه يرفض وضع ملفي النفايات والكهرباء على طاولة الحوار فهو لا يريد أن يصادر صلاحيات مجلس الوزراء ولا يريد أن يثير حساسية البعض في ما يتعلق بهذه النقطة، معتبراً أنّ المحاصصة الطائفية هي الغطاء الفعلي للفساد».
ونشطت أمس حركة موفدي رئيس المجلس في أكثر من اتّجاه لتوجيه الدعوة لاجتماع هيئة الحوار الوطني في التاسع من أيلول الجاري، في مجلس النواب، حيث سلّم وزير المال علي حسن خليل رئيس الحكومة تمام سلام دعوة بري إلى المشاركة، وللغاية نفسها زار عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب أيوب حميد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان الذي جدد تأييده لمبادرة الحوار التي أطلقها الرئيس بري معتبراً «أن عناوين المبادرة تشكل مرتكزاً ومنطلقاً للبحث في الملفات الأساسية، واتفاق القوى السياسية في شأنها يشكل مصلحة للبنان واللبنانيين». وأكد حردان «أنه في ظل التحديات التي تواجه لبنان، لا بديل عن الحوار، فهو السبيل لحصول تفاهمات داخلية، تؤدي إلى صون المؤسسات وتفعيل عملها، ومعالجة المشكلات كافة، وهذا ينعكس تحصيناً للبنان في مواجهة الأخطار». وتلقى الرئيس سعد الحريري دعوة مماثلة تسلّمها نيابة عنه النائب سمير الجسر في «بيت الوسط» من النائب هاني قبيسي، كذلك تسلّم نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الدعوة من النائب علي بزي الذي سلم أيضاً رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الدعوة للمشاركة في بيت الكتائب المركزي في الصيفي. وللغاية نفسها زار النائب أيوب حميد رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال ارسلان. على أن يحدّد رئيس حزب القوات سمير جعجع موقفه من الحوار يوم السبت المقبل خلال كلمة من معراب.
وأكد النائب الجسر لـ«البناء» «أن تيار المستقبل يعول على هذا الحوار»، لافتاً إلى «أن كل القوى السياسية في البلد من دون استثناء تستشعر الخطر المحيط بالبلد الناتج من الانقسام السياسي والفراغ الرئاسي»، مشيراً إلى أنه لو كان هناك رئيس للجمهورية لما حصل خلاف على آلية العمل الحكومي»، معتبراً «أن ما يطرح من مبادرات في شأن الانتخابات الرئاسية من قبل التيار الوطني الحر نضعها في خانة التهويل». ورأى «أن الحراك الشعبي في البلد بات يقلق الجميع، صحيح أن المطالب التي يرفعها المتظاهرون محقة لا سيما المتعلقة بالنفايات، لكن الخوف من أن يستغل البعض هذه التظاهرات لإحداث توترات أمنية وهذا ما أيقظ الجميع، فلبوا الدعوة إلى الحوار».
لانتخاب رئيس من قبل مجلس شرعي
إلى ذلك تتجه الأنظار إلى ما ستؤول إليه تظاهرة التيار الوطني الحر يوم غد في الشارع، بعد الدعوة التي وجهها رئيس تكتل التغيير والإصلاح للمناصرين للحشد وللمشاركة بكثافة. وعقدت أمس اجتماعات تحضيرية في سنتر «ميرنا شالوحي»، انضم إليها الوزيران جبران باسيل والياس بو صعب والنائبان إبراهيم كنعان ونبيل نقولا والنائب السابق سليم عون. وانطلقت المواكب السيارة لمناصري التيار الوطني الحر، بدعوة من قطاع الشباب في التيار من أمام سنتر «ميرنا شالوحي» لتجوب القرى والبلدات المتنية. وأكدت مصادر «التيار الوطني» لـ«البناء» «أن تحركنا هو جزء من عدة تحركات من أجل تصحيح الوضع القائم ومعالجة الخلل الحاصل، ورفض تهميش المسيحيين ولفتح ملف الانتخابات النيابية من جديد، من خلال إقرار قانون انتخابي جديد على أساس النسبية يكون مخرجاً لكل الأزمات إذ من شأنه أن يعيد تكوين المجلس النيابي من جديد بعيداً عن قاعدة لا غالب ولا مغلوب لأي فريق، تمهيداً لانتخاب رئيس للجمهورية من قبل مجلس شرعي لا مجلس ممدد له».
وفيما يعتصم تحرّك 29 آب اليوم في الشمال، وغداً الجمعة في الجنوب، إضافة إلى اعتصام حاشد في بيروت يوم الأربعاء المقبل، تنضم هيئة التنسيق النقابية إلى المعتصمين الأربعاء المقبل لمطالبة المتحاورين الذين سيشاركون بالدعوة التي أطلقها بري بانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإدراج القضايا الحياتية والاقتصادية والخدمات العامة وفي مقدمها سلسلة الرتب والرواتب على طاولة الحوار.
وأكد وزير الداخلية نهاد المشنوق «أن قوى الأمن ستقوم بجهدها لحفظ أمن التظاهرات، لكن الاعتداء على أي مؤسسة عامة سيتم حسمه من اللحظة الأولى تحت سقف القانون وبالقوة. وكشف المشنوق أنه «تم تحويل ضابطين للمجلس التأديبي ومعاقبة 6 عسكريين بعقوبة مسلكية لقيامهم بالتصرف في شكل تلقائي من دون العودة لرؤسائهم، ووجه تأنيباً إلى بعض الضباط لتركهم وسائل اتصالهم في مكاتبهم». وقال المشنوق: «لم أقل أن هناك دولة تقف خلف المتظاهرين بل قلت أن وراء أعمال الشغب هناك دولة عربية ولم أذكر قطر ولن أفعل قبل انتهاء التحقيقات.
وسارعت حملة « بدنا نحاسب» إلى الرد على المشنوق من ساحة رياض الصلح بالتأكيد على رفض قمع السلطة وتجديد المطالبة بمحاسبة الطبقة السياسية. وقالت: «القوى الأمنية التي يفترض بها حفظ أمن المتظاهرين وجهت الإهانات لهم واعتمدت أسلوباً ميليشياوياً بوزارة البيئة». وشددت على «أن القمع هو قرار سياسي بامتياز تتحمل مسؤوليته السلطة السياسية ووزير الداخلية».
وأشار مصدر وزاري لـ«البناء» إلى «أن للشارع الحق في التعبير عن رأيه ومطالبه لكن الموجودين في الشارع على رغم عددهم يعبرون بشكل عام عن شارع تتجاذبه الأهواء والتيارات»، ولفت المصدر إلى «النقل المباشر والمستمر لبعض القنوات التلفزيونية لخطوات الحراك والتي تحتاج إلى تكاليف باهظة جداً، عدا عن عملية اقتحام وزارة البيئة»، وحذر من وجود بعض الجهات الخفية التي استغلت الخلاف السياسي بين أطراف الحكومة لجر البلاد إلى الفوضى».
الحكومة تقوم بمهمة الإبقاء على الهيكل
من ناحية أخرى، أكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» أن رئيس الحكومة تمام سلام ينتظر أن تقدم اللجنة الوزارية خطة لمعالجة النفايات ليدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء». وأشار درباس إلى «أن جهة خارجية وداخلية تدفع باتجاه استقالة وزير البيئة محمد المشنوق لهدف فتح ثغرة في الحكومة، وأعلن تضامنه وكل الوزراء مع المشنوق وأنه لن يسمح بأن يؤكل أي وزير».
وأضاف درباس: «صحيح أن الحكومة عجزت عن حل مشكلة النفايات المتفاقمة، لكن ذلك كان نتيجة الخلاف السياسي بين مكونات الحكومة ولا يمكن تحميل المسؤولية إلى المشنوق وحده، فالحكومة أنجزت العديد من الملفات في المرحلة السابقة، لكن الخلاف على ملفات سياسية عدة أدى إلى تكدس النفايات في الشوارع». وأكد درباس أن «الحكومة الآن تقوم بمهمة الإبقاء على الهيكل ولن تتفرج وتترك البلاد لمن يريد الفوضى وحتى لو استمر الضغط في الشارع فجميع الوزراء متضامنون مع المشنوق مع كل وزير يتعرض للتهجم». وحذر درباس من خطورة ملف النازحين السوريين على لبنان، لافتاً إلى ضرورة العمل لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم وإلا فالتوطين سيكون أمراً واقعاً، وقال: «الحكومة قادرة على معالجة الأزمة، شرط أن تؤيد القوى السياسية مجتمعة أي خطة».
جلسة طارئة لمجلس الأمن حول لبنان
وعقد مجلس الأمن جلسة طارئة في شأن لبنان من خارج جدول أعمال المجلس لشهر أيلول الجاري، هدفها الاستماع إلى إحاطة من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ عن التطورات الأخيرة التي يشهدها ، خصوصاً لجهة الاحتجاجات الشعبية على فساد الطبقة السياسية.
إلى ذلك، وقبيل توجهه إلى سورية، التقى معاون وزير خارجية إيران لشؤون الشرق الأوسط ودول أفريقيا حسين أمير عبد اللهيان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في حضور السفير الإيراني محمد فتحعلي، حيث تم البحث في التطورات السياسية في لبنان وسورية والمنطقة.