سورية ترحّب بالتحرك الإيراني وتترك أجوبتها لطرح المبادرة في التداول عون إلى الحوار على حصان برتقالي بعدما أطلقه بري من ساحة خضراء
كتب المحرر السياسي
بدأ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز زيارة لواشنطن، ستتيح نقاشاً مفصّلاً مع الرئيس الأميركي باراك أوباما لملفات المنطقة التي يتصدّرها مستقبل وكيفية استرداد التوازن السعودي الإيراني بعد الفشل السعودي في حربي اليمن وسورية، وعدم امتلاك واشنطن غير المجاراة في المواقف السلبية لحكام السعودية، وليس بين أيدي مسؤوليها لا وصفة عسكرية ولا أخرى سياسية تردّ للسعودية مكانتها التي تفتقدها بعدما وضعت ما كان لديها رصيداً للمقامرة من أجل الإمساك بسورية واليمن.
المصادر المتابعة للقاءات السعودية الأميركية تستبعد صدور ما يغيّر المشهد عن هذه اللقاءات، طالما لم تنضج السعودية لتلقي دعوات المساعدة للنزول عن شجرة التصعيد، خصوصاً بعد تراجعها عن الخطوة الأولى التي رتبتها روسيا بين دمشق والرياض، خصوصاً أنها لا تزال تستبعد الاشتراك في حوار مباشر مع طهران من جهة وتتملّص من جهة أخرى من الدعوات لتسريع الحلّ السياسي في اليمن حيث استهلكت اندفاعتها العسكرية وبدأ تراكم خسائر حرب الاستنزاف المفتوحة.
تقول المصادر سنسمع كلاماً أميركياً يجاري التعنّت السعودي نحو سورية ورئيسها مع تأكيد على أهمية الحلّ السياسي كلامياً، ما يعني أنّ لحظة الضغط الأميركي لوقف العلاقة السعودية بالمنظمات الإرهابية والامتناع عن تقديم السلاح والمال لها لم تحن بعد، وأنّ الرهان سيبقى على تلاقي عاملين في تقريب هذه اللحظة، التطورات الميدانية وما تحمله من مزيد من الخيبات السعودية، والمساعي الروسية لتشكيل لجنة الاتصال الدولية الإقليمية لمواكبة تحضيرات جنيف 3 والتي تضمّ السعودية ومصر وتركيا وإيران.
تتمّ الزيارة بينما الغرب يرتعد خوفاً من تفاقم دراماتيكي لقضيتي المهاجرين وتسرّب الإرهاب، واللتين تدقان أبواب عواصم أوروبا، خصوصاً بعد الفاجعة التي تلقاها العالم بوفاة أطفال سوريين انتشرت صورهم وأبكت الناس العاديين في أنحاء العالم على مأساتهم، وشغلت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من جهة، وارتفعت الصرخات المنادية بالبحث عن حلول جذرية لقضية المهاجرين لا تتحقق إلا بتسريع حلول سياسية تحقق الاستقرار في البلاد التي تشكل مصادر جديدة للوافدين، خصوصاً سورية وليبيا من جهة مقابلة، فيما المخاطر بتسرّب الإرهاب العائد من سورية والعراق لا تقلّ خطورة على الأمن الأوروبي، وتشكل في نظر مراقبين أوروبيين الثمرة التي تحصدها أوروبا من حربيها في ليبيا وسورية، اللتين على رغم عدم مواءمة الحكم فيهما للتطلعات السياسية للحكومات الغربية، كان الاستقرار فيهما صمام أمان لأمن الدول الغربية، وفيما نجح الغرب بإسقاط الحكم الليبي وفشل في إسقاط الرئيس السوري تحوّل التدخل الغربي في البلدين إلى عامل تصعيد لدرجة المخاطر.
سورية تبقى هي الحلقة الأهمّ في رسم المشهد الإقليمي، حيث تتلاقى أحداث الميدان مع المساعي السياسية، فالجيش السوري والمقاومة بعد حسم الزبداني يضعان معادلة سرغايا ومضايا مقابل كفريا والفوعة، بينما تتوازى مساعي روسيا التحضيرية لبلورة لجنة الاتصال الخاصة بجنيف 3، رهاناً على فتح قنوات التواصل بين القوى الإقليمية الفاعلة، خصوصاً السعودية وإيران، مع المساعي الإيرانية لتسويق مبادرة للحلّ السياسي تهدف إلى تسهيل تبنّيها من الدول المتورّطة في الحرب السورية تمهيداً لوقف دعم هذه الدول للمجموعات الإرهابية وانخراطها في ضفة الحلول تعويضاً لها عن خسائرها من الرهانات المتواصلة على الحرب. وفي هذا السياق شهدت دمشق المزيد من اللقاءات التي عقدها نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع المسؤولين السوريين وفي مقدّمهم الرئيس السوري بشار الأسد، حيث لقيت المبادرة كلّ الترحيب، من دون أن يعني ذلك كما قالت مصادر متابعة للمبادرة، موافقة سورية مسبقة على البنود ما يفقد المبادرة دورها ووظيفتها كمشروع لتسوية لا يطابق بالضرورة في التفاصيل والرؤى موقف سورية، لأنّ حاصل الحوار حول المبادرة بين سورية والواقفين على ضفة الخصومة معها محلياً وخارجياً سيكون من ملاحظات سورية وملاحظات مقابلة، ما يستدعي ألا تكون المبادرة مطابقة للنظرة السورية إلا في القواعد المتصلة باحترام السيادة السورية والتمسك بوحدة سورية، واعتبار المعايير القانونية والدستورية أساسية في آليات تشكيل السلطة استناداً إلى صناديق الاقتراع وما تقوله الإرادة الشعبية.
لبنان في الوقت الطويل للانتظار، يتلقى التردّدات، ويلاقي تطورات حراك الساحات بقلق من جهة، وبتوقعات بسقوف منخفضة من الحوار الذي ينعقد الأربعاء المقبل من جهة أخرى، حيث يدخل العماد ميشال عون إلى الحوار على حصان برتقالي يريده اليوم عرض قوة، بعدما أطلق رئيس مجلس النواب دعوته للحوار من ساحة الاحتفال بذكرى تغييب الإمام موسى الصدر التي شكل الحشد الشعبي فيها منصة خضراء منحت الدعوة زخماً وقوة، فيما الرهان على تفعيل الأداء المجلسي والحكومي يشكل باب الأمل بتخفيض سقف التوتر.
التظاهرات تستنسخ بعض الحالات العربية
يبدو أن لا خطوط حمراء عند منظمي الحراك الشعبي الذين بدأوا بإعداد الخطط المباغتة التي تملك عنصر المفاجأة والتنقل بين الوزارات، وعلى رغم أحقية المطالب التي ينادون بها، غير أن الجميع بات يتخوف مما ستؤول إليه الأمور لا سيما أن هناك قوى خارجية تقف وراء بعض منظمات ما يسمى المجتمع المدني، وأن الوضع بات مفتوحاً على كل الاحتمالات.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن الوضع بدأ يتعقد أكثر فأكثر، والتظاهرات والاعتصامات تسير وفقاً لخطة موضوعة في شكل مبرمج وتستنسخ بعض الحالات العربية، فالتدخل المستهجن لمجلس الأمن أبلغ العلامات والدلالات على أن المسألة خارجية وترتدي قناعاً داخلياً»، مستغربة كيف أن مجلس الأمن الدولي الذي تجاهل العدوان الإسرائيلي على غزة والجرائم التي ارتكبت في ليبيا واليمن، سارع للانعقاد للبحث في تظاهرة قام بها عشرات الأشخاص في لبنان.
وتلفت مصادر أخرى إلى «أن هذا البيان ليس سوى لفتة دولية للإيحاء من قبل المجتمع الدولي بأننا مهتمون بالشأن اللبناني، وهو بيان وليس قراراً ملزماً كالقرار 1559 الذي وضع ناظراً دولياً دائماً في لبنان لمتابعة تنفيذه، بل هو مجرد بيان لا يملك قوة فرض شيء وليس قوة ملزمة».
هل ينتج الوضع الخطير في لبنان رئيساً للجمهورية؟
في المقابل، أشارت أوساط سياسية لـ«البناء» إلى «أن لبنان لن يشهد أي ربيع عربي أو orange عربي، لافتاً إلى «أن كل ما سيحصل هو أن الوضع الخطير في لبنان سينتج رئيساً للجمهورية». ولفتت المصادر إلى وجود غطاء إقليمي ودولي للحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري والسير فيه لانتخاب الرئيس، فجلسة الحوار ستكون أول جلسة فعلية لانتخاب الرئيس، بمعنى إعطاء لبنان فرصة لإخراج لبناني لقرار إقليمي بانتخاب الرئيس».
وشددت مصادر عليمة لـ«البناء» على أن حزب الله ينظر إلى الاستحقاق الرئاسي على أن لا بدائل للعماد ميشال عون للرئاسة حتى الآن»، لافتة إلى «أن الملف اللبناني لن يوضع على سكة الحل في القريب العاجل، وهو ليس أولوية على أجندة الدول الكبرى والمجتمع الدولي، لاعتبارات إقليمية تنتظر التفاهم السعودي – الإيراني وما سينتج منه».
وشدد السفير الأميركي ديفيد هِلْ على أن الولايات المتحدة ترحّب بأي جهود لإعادة تفعيل عمل مجلس الوزراء والحكومة، مؤكداً بعد لقائه الرئيس تمام سلام أن الولايات المتحدة سوف تستمر في دعم الجيش والأجهزة الأمنية كمؤسسات وفي دعم مبدأ حق المجتمع المدني في التعبير عن وجهات نظره وخيباته من دون انحياز لأي جهة.
وكان اللافت أمس مسارعة رئيس الحكومة إلى إرسال رسالة إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، محاولاً تصحيح الخلل الذي نتج من توجيه وزير الداخلية نهاد المشنوق أصابع الاتهام للدوحة بأنها تمول المتظاهرين. وأكّد سلام في الرسالة الشفوية التي بعثها إلى الشيخ تميم عبر السفير القطري في لبنان علي المري تمسك لبنان بالعلاقات المتينة التي تجمع لبنان بقطر وتقديره وقوفها الدائم إلى جانبه والجهود التي تبذلها لمساعدته.
شبيب يتراجع عن قراره تحت ضغط الشارع
إلى ذلك، فاحت رائحة الخلافات بين حملة «طلعت ريحتكم» والمجموعات الأخرى حول سقف الحراك ومطالبه، وأمس اختار تحرك «29 آب» وزارة العمل للاعتصام أمامها لرمزيتها ولأنها من أهم الوزارات، كما قالوا، وجدد التحرك الدعوة إلى استقالة وزير البيئة ومحاسبة من أعطى الأوامر لإطلاق النار على المتظاهرين وإعادة الأموال إلى البلديات وفتح باب التوظيف خارج الحصص الطائفية. ودعا التحرك المواطنين للمشاركة في التحرك في 9 أيلول احتجاجاً على الحوار، «حوار المحاصصة والمماطلة»، مؤكداً أن الحراك الشعبي مستمر حتى تحقيق الهدف المنشود. وأكد وزير العمل سجعان قزي لـ«البناء» أن التظاهر أمام وزارة العمل هو تظاهر أمام وزارة مهمة، لكن يفترض أن يدرك المتظاهرون ماذا يريدون من تحركهم، ويحددوا مطالبهم: اقتصادية، عمالية أو سياسية». وقال قزي: «أرحب بأي تظاهرة لديها مطالب محقة، ولم أنزعج أمس على الإطلاق من الذي حصل، فالدور الذي قامت به القوى الأمنية والبيئة الحاضنة لهذه الوزارة كانا مميزين». ولفت إلى «أن نزوله إلى الوزارة كان تصرفاً ضرورياً وأنه من الطبيعي أن يذهب إلى وزارته عندما تكون مهددة»، داعياً الدولة إلى التجاوب مع المتظاهرين من خلال النزول إلى مجلس النواب وانتخاب رئيس للجمهورية».
وفيما نصب عدد من الناشطين الخيم أمام وزارة البيئة وأعلنوا الإضراب عن الطعام حتى استقالة الوزير محمد المشنوق، أنهت حملة «بدنا نحاسب» مساء أمس اعتصامها أمام وزارة الداخلية، بعدما تم الإفراج عن الشابين الموقوفين اللذين عملا على تخريب عدادات بدل توقيف السيارات عند كورنيش عين المريسة، وتسليم 3 شبان آخرين لهوياتهم والانتهاء من الإجراءات القانونية. إلى ذلك، أوقف محافظ بيروت زياد شبيب تحت ضغط عدد من الشبان تنفيذ قرار تركيب العدادات على طول الكورنيش البحري.
اقترعوا بأقدامكم اليوم
ويحشد مناصرو التيار الوطني الحر عصر اليوم بكثافة إلى ساحة الشهداء حاملين شعارات حقنا في الوجود، وحدا الانتخابات بتنضف، نازلين لنرجع حق اللبنانيين كلن يعني كلن. وأكدت مصادر التيار الوطني الحر أن النزول إلى الشارع للتعبير عن مطالب اللبنانيين بإعادة تشكيل السلطة عبر قانون انتخابي نسبي»، مشيرة إلى «أن الأعداد التي ستنزل اليوم ستفوق التوقعات».
ودعا رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون اللبنانيين للمشاركة في تظاهرة الغد اليوم قائلاً: «اقترعوا بأقدامكم حتى تصلوا إلى الاقتراع السليم في صناديق الاقتراع».
وأعلن «أن كل اللبنانيين أدركوا أنهم مخدوعون والجميع يتألم»، وقال: «عدنا إلى الوطن وكنا مغشوشين بأن الحل سيكون واحداً لمصلحة الجميع». وأكد في مؤتمر صحافي «أن غداً اليوم لحظة تاريخية وعلى كل اللبنانيين أن يكونوا صوتاً واحداً ومضموناً واحداً، نريد قانوناً للانتخاب ونريد رئيساً من خلال الانتخاب فلا تزوير ولا تلاعب بالقانون».
وجددت كتلة الوفاء للمقاومة «دعوتها للمتمسكين بنهج التفرد والاستئثار للإقلاع عنه، والقبول بمنطق الشراكة الحقيقية التي تفرضها وثيقة الوفاق الوطني، بكلِّ ما تتطلبه هذه الشراكة من إعطاء الحقوق لأصحابها، وفي مقدمهم التيار الوطني الحر والخروج من نهج العزل الذي لن يكتب له النجاح». ورأت في الحوار «فرصة ينبغي الاستفادة منها لإيجاد معالجات جادة للقضايا المطروحة على جدول أعماله». وأعلنت أنها ستشارك في هذا الحوار «بكلِّ حرصٍ واستعداد لتوفير المناخات المناسبة لإنجاحه انطلاقاً من إيمانها بضرورته الوطنية، وبحاجة اللبنانيين إليه». ولفتت إلى إنَّ «صرخة المواطنين في وجه الفساد والعتمة والبطالة هو حقٌّ مشروع، نحن نقف إلى جانب المطالب الشعبية، ونؤكد على حرية التظاهر والتعبير السلمي، وعلى ضرورة حماية الاستقرار ورفض الفوضى والتعرض للأملاك العامة والخاصة».
بري يتفهم مقاطعة جعجع
وبانتظار أن يعلن رئيس حزب القوات سمير جعجع موقفه من هيئة الحوار الوطني، رجحت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن يعلن جعجع الذي تسلم الدعوة أمس من النائب ميشال موسى، السبت مقاطعة كتلة القوات الحوار، لأسباب تعود إلى فشل حواري 2006 و2012». ونقل زوار الرئيس نبيه بري عنه أنه يرحب بمشاركة رئيس كتلة القوات في هذا الحوار، لكنه يتفهم مقاطعتها على اعتبار أن جعجع غير مشارك في الحكومة.
في سياق آخر، انتهت عملياً المعركة في الزبداني، ولم يبق غير تمشيط وتنظيف الأرض من الألغام، واستهدف حزب الله براجمات الصواريخ وقذائف الهاون مقرات أحرار الشام في وسط الزبداني ومحيط مضايا بالتزامن مع اشتباكات عنيفة. وأكدت مصادر عسكرية «أن المعركة باتت باتجاه مضايا وسرغايا حيث يتواجد المسلحون، لكن خطورة مضايا أنها تؤوي عدداً كبيراً من المدنيين الذين يحسبون على عائلات المسلحين التي نزحت من الزبداني. وتشير المعلومات إلى «أن العمل يجري على معادلة سرغايا مضايا مقابل الفوعا وكفريا». ولفتت المصادر إلى «أن الجيش السوري بات باتجاه مضايا وسرغايا في الداخل السوري، وحزب الله من جهة الغرب على الحدود اللبنانية السورية».