كيف يمارس مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً؟!

عصام نعمة إسماعيل

إنّ الهدف من نظرية الوكالة الدستورية هو استمرارية السلطات الدستورية منعاً لحدوث أيّ فراغ فيها، وهو مبدأ ذو قيمة دستورية على ما يستمد من أحكام الدستور اللبناني بالذات التي تحول دون احداث أي فراغ دستوري في أي من السلطتين المشترعة والإجرائية بنصوص دستورية مفصلة وحاسمة، ففي ما يخصّ رئاسة الجمهورية النص الواضح بأن تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء في حال خلوّ سدة الرئاسة لأية علة كانت م62 المجلس الدستوري قرار رقم 1/2005 تاريخ 6/8/2005 الصادر بمراجعة إبطال القانون 579/2005 تاريخ19/7/2005

إلاّ أن هذه المادة لا يمكن أن تقصي مواد أخرى متلازمة معها هي المواد 73 و74 و75 من الدستور التي توجب على النواب انتخاب رئيس للجمهورية، والمادة 75 حاسمةً لناحية اعتبار مجلس النواب الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، بحيث يترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة قبل القيام بأي عمل آخر م75 .

لكن لمّا كان المحظور غير المقرر في الدستور قد وقع ولم ينتخب النواب رئيساً للجمهورية، فإن إناطة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء… تقتضي أن تمارس في حدودها الدنيا لا القصوى، ولهذا الموقف مبررات مستقاةٍ من موادٍ دستورية عديدة أبرزها النصوص الآتية:

المادة 50 التي تعلّق ممارسة رئيس الجمهورية صلاحياته على حلف اليمين، ولما كان الوزراء غير ملزمين بحلف اليمين، لا يستطيع الوزراء ممارسة الصلاحيات التي تكون مرتبطة بهذا اليمين، لا سيما الصلاحيات الكبرى المنصوص عنها في المادة 49 التي تعتبر أن رئيس الجمهورية هو «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن».

المادة 56 التي تعطي رئيس الجمهورية حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتخذها المجلس، فهذه صلاحية متعذّرة التنفيذ من مجلس الوزراء عندما يمارس صلاحيات الرئيس وكالةً، إذ لا يعقل أن يصوّت مجلس الوزراء على قرار ثمّ يصوّت على ردّه.

المادة 60 التي تنصّ على أن لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته، فهذه اللامسؤولية لا يفيد منها الوزراء الذين يبقوا خاضعين للمادة 70 التي تجيز اتهامهم ومحاكمتهم، ولا يمكن لأي وزير أن يتذرّع بأنه يمارس صلاحيات الرئيس وكالةً لكي يطلب الإعفاء من المسؤولية.

المادة 64 التي جعلت من رئيس مجلس الوزراء رئيساً للحكومة يمثلها ويتكلم باسمها، لكن عندما تنوط صلاحية رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء يفقد رئيس الحكومة قدرته على رئاسة المجلس، إذا زعم كل وزير أنه جزء من هيئةٍ تمارس صلاحيات رئيس الجمهورية.

المادة 66 التي تنوط بالوزراء إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كلّ في ما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به، لكن عند تطبيق المادة 62 من الدستور نصل إلى حالة تصبح فيها لكل وزيرٍ قدرة على التدخل في أعمال الوزارات كافة، وبخاصة في ميدان المراسيم العادية التي لا تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء والتي يوقعها الوزير المختص ورئيس الحكومة إلى جانب توقيع رئيس الجمهورية، فإذا أخضع أعمال وزارةٍ ما إلى موافقة مجلس الوزاراء تتعرقل مصالح المواطنين، فكيف سنسمح لكل الوزراء بأن يوقعوا على مرسوم عادي بنقل موظف من دائرة إلى دائرة في وزارته، فهل هذا من منطق الأمور!

لهذه العيّنة البسيطة من المواد الدستورية التي لا تأتلف مع إناطة صلاحية فرد بهيئة مجتمعة، كان لا بد من إطلاق الصرخة بحظر ممارسة صلاحيات الرئيس إلاّ في حدودها الدنيا وفي فترةٍ زمنية قصيرة.

أما إعداد جدول أعمال مجلس الوزراء فهو من المواضيع التي تدخل في اختصاص رئيس مجلس الوزراء سنداً للفقرة السادسة من المادة 64 التي تنص على الآتي:» يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد ويضع جدول أعماله، ويطلع رئيس الجمهورية على المواضيع التي يتضمنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث».

وعبارة الاطلاع لا تعني الموافقة أو المناقشة، بل تعني أن رئيس الجمهورية قد اطلع على مضمون جدول الأعمال من دون أن يترتب عليه القيام بأي موجب إضافي، ولا يكون له أن يرفض أو يوافق على هذا المضمون أو يبدي رأيه حوله.

دليلنا على ذلك نستقيه من الدستور اللبناني الذي ميّز بين الإطلاع والموافقة وأعطى لكل من هاتين العبارتين معنىً مختلفاً، وإليكم بعض الأمثلة:

1 -تنص المادة 51 على أن :» يصدر رئيس الجمهورية القوانين وفق المهل المحددة في الدستور بعد أن يكون وافق عليها المجلس.

2 -تنص المادة 52 على أن :»يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها…».

3 -تنص المادة 53 على أن :» يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها».

4 -تنص المادة 57 على أن :»لرئيس الجمهورية، بعد إطلاع مجلس الوزراء، حق طلب اعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لاصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه».

هكذا نلاحظ بما لا يقبل الشك أن الدستور اللبناني ميَّز بين عبارتي الإطلاع والموافقة، ولو أراد المشترع الدستوري موافقة رئيس الجمهورية على جدول أعمال مجلس الوزراء لكي تصبح جلسته قانونية لنص على ذلك صراحة ولاستعمال العبارة التي تفيد هذا المعنى.

لذلك، فإن إعداد جدول أعمال مجلس الوزراء هو من صلاحية رئيس الحكومة، أما حق رئيس الجمهورية في الإطلاع بصفته شخصاً ثالثاً، فلا ينتقل إلى مجلس الوزراء مجتمعاً لسببين، الأول أن حقّ الإطلاع ليس صلاحية، والثاني أنه يتعذّر تطبيق هذا الشرط، بل يمكن أن يؤدي تطبيقه إلى تعذّر انعقاد مجلس الوزراء وهذا يخالف الغاية من منح مجلس الوزراء صلاحية رئيس الجمهورية وكالةً.

أخيراً، لناحية كيفية إصدار مقررات رئيس الجمهورية وكالةً، وهي إما مراسيم عادية لا تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء، أو مراسيم صادرة بعد موافقة مجلس الوزراء، فنرى أنه انسجاماً مع الغاية من إقرار هذا النص والمتمثلة في منع الفراغ وضماناً لاستمرارية المؤسسات الدستورية، فإن هذه المقررات يجب أن تصدر بعد موافقة مجلس الوزراء وفق الأصول التي حددتها المادة 65 من الدستور لإصدار قرارات هذا المجلس أي تكون الجلسة دستورية بحضور الثلثين، وإصدار القرارات بالتوافق أو بالتصويت بأكثرية الحاضرين في المواضيع العادية وثلثي أعضاء المجلس في المواضيع الأساسية ، لكن شرط أن يذكر في بناءات القرار أو المرسوم أنه صدر بناء على المادة 62 من الدستور وبعد موافقة مجلس الوزارء، أما التوقيع على المراسيم فتبقى الآلية السابقة هي المعمول بها، أي يقتصر التوقيع على رئيس الحكومة والوزير المختص حصراً، دون باقي الوزراء.

محامٍ وأستاذ جامعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى