عندما يشبّه رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي أردوغان بنيرون
هدى رزق
بعد يوم واحد من تمديد البرلمان التركي للمذكرة التي تسمح للجيش بالقيام بعمليات عسكرية في الأراضي السورية والعراقية… حمَّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الغرب مسؤولية موت اللاجئين في البحر المتوسط أثناء توجّههم إلى البلدان الأوروبية، على رغم السياسات التي اتبعها تجاه سورية وتدريبه وتجهيزه للمسلحين الذين ساهموا بتهجير عدد كبير من السوريين الى تركيا ومنها الى الغرب.
يعتقد أردوغان بأنه يستطيع اليوم، بعد سماحه للولايات المتحدة باستعمال قاعدة «إنجرليك» وقيام الطائرات التركية بالمشاركة في الغارات الجوية في سورية، الى جانب التحالف الدولي، أن يلوم الغرب على سياساته ويلقي عليه المسؤوليات كافة، بعدما اتهمه الأخير بدعم المتطرفين الإسلاميين. هي لعبة تقاذف المسؤوليات بعد فشل المشروع الأساسي الذي كان يعتبر تركيا نموذجاً للإسلام المعتدل، وعليه فهي كانت المرشحة لقيادة «الربيع العربي» الذي أتى بـ«الفوضى الخلاقة» الى المنطقة، والتي لن تنجو تركيا منها بعد الاستقطاب السياسي، الذي بلغ حدّ الانفجار وأدّى الى سقوط مشروع النظام الرئاسي عبر الانتخابات البرلمانية الديمقراطية في 7 حزيران الماضي، وحتم على العدالة والتنمية الائتلاف مع المعارضة، الأمر الذي رفضه أردوغان ووجه انتقادات الى حزب الشعوب الديمقراطي من أجل إضعافه وفتح الحرب ضدّ حزب العمال الكردستاني عبر تجميد عملية السلام لعلّ هذه الإجراءات تمكّنه من استعادة أصوات القوميين والقوميين المتطرفين.
وفيما يساوي بين محاربة إرهاب «داعش» و«االعمال الكردستاني» يحاول حزب العدالة والتنمية اليوم الحصول على أصوات الأكراد المتدينين إذ يرفع الصوت ضدّ اليساريين ويعتبرهم جزءاً من الإرهاب. ويقوم بشيطنة حزب الشعوب الديمقراطي بزعمه أنّ هذا الأخير يدعم العمال الكردستاني من أجل إضعافه والاستيلاء على أصواته في حال خسر رهان تخطي الـ10 في المئة.
دشن أردوغان الحملة الانتخابية بشكل غير رسمي، إذ صرح أنّ القوى الأمنية ستأخذ الاحتياطات اللازمة كافة من أجل تأمين سلامة الانتخابات كي لا يتكرّر ما حصل في 7 حزيران، أيّ تاريخ الانتخابات الماضية، وحدّد دور الحكومة والقوات المسلحة ووزارة الداخلية التي ستتخذ الإجراءات من أجل تأمين سلامة الانتخابات لكنه ألمح في الوقت عينه إلى أنّ الناخبين في الجنوب الشرقي وفي شرق الأناضول لن يكونوا أحراراً في خياراتهم الانتخابية بسبب ما أسماه «الأعمال الإرهابية» التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني، ولقد سرّبت معلومات تفيد بأنّ الحكومة سوف تنقل الناخبين إلى مراكز اقتراع أخرى من أجل منع حزب العمال من الضغط عليهم، لكن الأمر ليس بهذه السهولة ويتطلب تعديلاً دستورياً.
وكان صلاح ديمرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي قد أكد أنّ الوضع الأمني سيعيق العملية الانتخابية في شرق وجنوب شرقي الأناضول، وشدّد على ضرورة وقف إطلاق النار من الجانبين… يريد أردوغان من حزب العمال إلقاء سلاحه وترك البلاد بسبب تهديده لأمن الأتراك، على حدّ زعمه، ويهدّد يتدفيع الأكراد الثمن، ويعتبر أنّ حزب الشعوب الديمقراطي الذي نال 80 مقعداً أتى لخدمة حزب العمال الكردستاني.
مناورات يقودها الرجل من أجل خلط الأوراق على الساحة الانتخابية بعدما سمح لبعض النواب بالترشح لأكثر من ثلاث دورات، إذ أعلن 20 نائباً من أصل 70 نيتهم الترشح نظراً إلى تمتعهم بشعبية إنْ تمكنوا من النجاح في انتخابات الحزب في 12 أيلول.
ويبدو أنّ مناقشة التدابير التي تسمح للمواطنين بالإدلاء بأصواتهم في ظلّ الوضع الأمني في شرق وجنوب شرقي الأناضول قد نالت حيّزاً كبيراً في المجلس الأعلى للأمن وسط تزايد المخاوف بشأن الأوضاع الأمنية. وجاء تأكيد مكافحة الدولة الموازية في إشارة إلى الداعية محمد فتح الله غولن والمؤسسات الإعلامية التي يملكها ليضيء على عملية الاقتحام شركة «إيباك» التي قامت بها الشرطة وهي تضمّ جريدتي «مللييت» و«غورش» وقناتين إعلاميتين مرئيتين، فيما اعتبر الأمر خطوة لإسكات الإعلام تحضيراً للانتخابات والعمل على ضبط تأثيره في المواطن التركي.
ضمن هذا الإطار أتى اعتقال صحافيين بريطانيين ومترجمهما العراقي بتهمة مساعدة إرهاب «داعش» من جهة، ونقل معلومات لـ«الكردستاني» من جهة أخرى، وليطرح أسئلة حول توتر الاستخبارات التركية التي تخشى ضربات «داعش» بعدما انخرطت تركيا في العمليات القتالية العسكرية مع التحالف.
يزداد قمع الصحافة المعارضة وعمليات اعتقال مواطنين بتهمة بالتطاول على الرئيس وإهانته، الأمر الذي دفع رئيس حزب الشعب للإشارة إلى أنّ إعادة الانتخابات تتمّ بسبب جشع شخص واحد، وأنه لا يمكن التضحية بتركيا من أجل طموحات أردوغان، وشبّهه بنيرون الذي أحرق روما.
تقف المعارضة ضدّ الإرهاب وترفع الصوت من أجل حكم القانون والديمقراطية والحرية، إذ لا تستطيع الصحافة أن تتحدّث عن الديمقراطية إنْ لم يكن هناك حرية، من أجل كلّ ذلك شرح رئيس حزب الشعب رؤيته من أجل وقف العنف بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، وأكد أنه لا سلام اجتماعياً في ظل حيازة السلاح، ولا يمكن نقاش هذا الموضوع إلا في البرلمان. ولتحقيق السلام الاجتماعي يجب أن نكون صادقين، فهل أردوغان صادق وليس لديه أجندة خاصة.
وفي إشارة إلى الاتفاقات التي عقدتها الحكومة مع حزب العمال الكردستاني بواسطة منسّقين أكراد وأتراك في قصر دولمابهشي، وتنكر أردوغان لهذه الاتفاقات ونفيه وجود مسألة كردية، شدّد كليتشيدار أوغلو على أنه لا يمكن الاعتماد على عقد اتفاقات في القصر بل يجب أن تكون جميع الاتفاقات قانونية وتجب مصارحة الشعب بمحتوياتها.