فلسطين… الخطر لا يأتي دوماً من الهجوم!

عندما ظهر منتخب فلسطين للمرة الأولى في نهائيات كأس آسيا 2015 لم يكن أحد ليطالبه بأي شيء، فهو كتب التاريخ بمجرد أن وصل لهذه المرحلة من المنافسة. صحيح أن خروجه من الدور الأول لم يشكّل أي مفاجأة خصوصاً عندما واجه مجموعة قوية ضمّت اليابان والعراق والأردن، لكن لعلّ ما أحزن الفلسطينيين عدم القدرة على هزّ الشباك سوى مرة واحدة فقط، على عكس الحال التي بدا عليها في بطولة كأس التحدي الآسيوي 2014.

خلال الفترة الماضية شعر الجمهور الفلسطيني بحالة من القلق خوفاً من تواصل حالة «العقم الهجومي» قبل الدخول في أتون تصفيات آسيا المؤهلة إلى كأس العالم روسيا 2018 FIFA، ولكن ما أن بدأت المباريات حتى بدّد اللاعبون كل المخاوف بتحقيقهم 8 أهداف كاملة. وعلى رغم الخسارة الأولى أمام السعودية إلا أن الفريق استعاد توازنه بسرعة وحقق انتصاراً كبيراً على ماليزيا بنصف دستة من الأهداف كان نصيب الثنائي سامح مراعبة وتامر صيام «نصيب الأسد» منها بتسجيلهما 4 أهداف مناصفة بينهما.

هدافان من خط الوسط

عندما تسجّل حصيلة ثمانية أهداف مباراتين، لعلك تتساءل عن نصيب قلبي الهجوم في هذا «المهرجان». لكن المنتخب الفلسطيني أظهر أن الأهداف لا تأتي فقط من خط الهجوم، بل على العكس فكل الخطر رهن «الآتين من الخلف» ونعني هنا خط الوسط الذي تألّق لاعبوه بمختلف مراكزهم بتسجيل 7 أهداف من أصل ثمانية. ولعل ما فعله الثنائي مراعبة – صيام وكلاهما في الثالثة والعشرين من العمر خير دليل على ذلك فأمام ماليزيا تمكنا من التموقع واستغلال المساحات وتكرار زيارة المرمى.

تعوّد مراعبة، الذي يقوم بأدوار متعددة في منطقة عمليات خط الوسط، على القيام بالاندفاع الهجومي وتسجيل الأهداف، إذ سجّل 10 أهداف في 14 مباراة لعبها في صفوف المنتخب الأول والأولمبي، وقد قال عن هدفيه أمام ماليزيا: «كنت بانتظار هذه التصفيات لتمثيل المنتخب الوطني بعد أن حالت الظروف القاهرة على مغادرتي للمشاركة في بطولتي كأس التحدي وكأس آسيا. وبعد خوض 9 دقائق أمام السعودية، كنت شغوفاً بتقديم أقصى ما لدي بعد اختياري للتشكيل الأساسي في المباراة».

وأضاف: «ألعب في خط الوسط لكن تطلعاتي للهجوم دائمة ولدي تعليمات بالمساندة الدائمة، تحيّنت فرصة الكرة المرتدة فانطلقت لأخذ المكان المناسب وأنهيت عملاً جماعياً ممتازاً يشكر عليه زملائي. أما الهدف الثاني فله طعم خاص إذ لم يتوقع أحد أن أسدد الكرة الرأسية من تلك المسافة والزاوية، لكني اتخذت القرار سريعاً حين عُكست الكرة العرضية، شاهدت تردد الحارس بالخروج أو البقاء في مكانه، فسارعت للعب الكرة مقوّسة من فوقه».

في المقابل، كان تامر صيام أحد العناصر الهامة في اللقاء أمام ماليزيا فعلاوة على تسجيل هدفين كان من بدأ قصة الهدف الأول وهو من عكس الكرة العرضية إلى مراعبة في الهدف الخامس. وما يثير الاهتمام أنه يتمركز على الطرف الأيسر من الملعب ولكنه اعتاد على صناعة الأهداف واقتناصها أيضاً بعد أن سبق وسجل مع فريق ثقافي طولكرم 18 هدفاً في دوري الدرجة الأولى.

وبعد أن دشّن أهدافه مع المنتخب الوطني في التصفيات عبّر بالقول: «أعتقد أن الجميع خشي علينا بعد الطريقة التي خسرنا بها أمام السعودية الوقت الضائع لكن أثناء رحلتنا نحو ماليزيا كان التركيز منصباً على تناسي ما جرى في المباراة وتقديم كل الأداء المنتظر. عندما عرفت بمشاركتي أساسياً شعرت بالتحدي مع النفس لكي أثبت أنني على قدر المسؤولية التي منحني إياها المدرب، وقد كان ما سعيت له من خلال مساعدة زملائي في صناعة الأهداف وتسجيل هدفين. لقد كان انتصاراً رائعاً بكل المقاييس».

سجل صيام الهدف الثالث بطريقة أذهلت الجميع، انطلق بالكرة وشقّ طريقه نحو منطقة الجزاء متجاوزاً ثلاثة مدافعين بمرونة فائقة قبل أن يهز الشباك، وقد سألناه عما فعله هناك وأجاب: «تسجيل الأهداف جزء من مسؤولياتي كوني أدعم خط الهجوم، في تلك اللحظة شاهدت المساحة بين المدافعين الثلاث وقررت الاندفاع بينهم ونجحت في مسعاي وعند مواجهة الحارس سددت في الزاوية المغلقة تقريباً، لم يكن بيده حيلة. عندما تهز الشباك خارج ملعبك لا تتوقع أبداً سماع التصفيق لكن كم كنت مسروراً من تحية الجمهور الماليزي».

وماذا عن الهدف السادس الذي ختم به مهرجان الأهداف هناك؟ أضاف: «كانت الأمور منتهية لكن هذا لم يمنعنا من مواصلة الهجوم تقدمت داخل منطقة الجزاء وكنت باستقبال كرة عرضية لأسجل، كان شعوراً مختلفاً للحقيقة، شعرت بأني حققت إنجازاً كبيراً كما فعلنا بالعودة بلقب كأس التحدي. لكن تراءت صورة والدي المتوفى والذي كان سيفرح لما قدمته كما فعل بخروجه لاستقبالنا العام الماضي. سأواصل اللعب على ذات النسق تكريماً لروح والدي».

روح التحدي

لم يكن أحد ليؤمن بقدرة منتخب فلسطين على المواجهة في مجموعة تضم منتخبي السعودية والإمارات، ولكن ما حدث في الجولة الأولى أمام السعودية والعودة بالنتيجة مرتين والحفاظ على نقطة التعادل حتى الرمق الأخير يمكن أن يلهم الفلسطينيين ويشحذ الهمم قبل مباراة الجولة الثالثة أمام الإمارات.

وقد تحدث مراعبة عن هذا الأمر: «على رغم الهزيمة في الدمام، إلا أننا كسرنا حاجز الرهبة وأصبحنا على يقين من قدرتنا على مناددة المنافسين. لقاء خصم كبير مثل الإمارات محفز لجميع اللاعبين، أما معاودة التسجيل في المباراة فهو هدف الجميع ولا فرق بأن أسجل بنفسي أو يحقق ذلك أحد الزملاء، ما نريده هو الفوز الذي سيعني الكثير بالنسبة لنا».

من جهة أخرى، سيخوض صيام المباراة في ملعب مدينته القدس، حيث تعلّم كرة القدم وبدأ أولى خطواته هناك مع فريق «أبناء القدس» حيث أمضى 7 سنوات كاملة. ولذلك يمكن اعتبار اللقاء خاصاً أكثر بالنسبة له حيث قال: «مجرد ارتداء قميص المنتخب الوطني وخوض مباراة في القدس يعتبر أمراً سعيداً، فكيف إذا كانت المباراة في هذا الدور المتقدم من تصفيات كأس العالم. سيكون ذلك اليوم احتفالاً للجميع وأنا واثق من كثافة الحضور الجماهيري وأدرك أن هذا العامل سيكون في مصلحتنا، سيمنحنا كل الثقة لخوض مواجهة قوية، نتمنى أن يحالفنا التوفيق في النهاية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى