الدوحة تستدعي جعجع وخلاف سعودي ـ قطري في لبنان
روزانا رمال
يستحوذ رئيس حزب «القوات» سمير جعجع منذ فترة غير بعيدة على اهتمام المسؤولين الخليجيين فتتوالى أخبار دعواتهم إياه لزيارتهم مرفقة بإعلانات رنانة وأخبار عاجلة يشبه وقعها في بعض الأحيان خبر سحب السفراء بين الدول أو انهيار مفاوضات على ملف ما أو إعلان الاتفاقات، لشدة ما تبذله وسائل الإعلام اللبنانية والعربية المدعومة من الخليج لإرفاق الزيارة بزخم إعلامي.
كما لم يستقبل زعيم لبناني بعد الحريري، مسيحي بالتحديد، استقبل جعجع في السعودية منذ شهرين، وها هو اليوم يلبي استدعاءه إلى قطر فوراً.
عملياً، بات واضحاً تراجع المملكة العربية السعودية عن دعم الحراك الشبابي الذي كاد يطيح بكلّ ما بنته لترويض حزب الله وعدم إثارة حفيظته، لئلا يأخذ البلاد فوراً إلى حسم لا تريد السعودية استعجاله قبل نضوج التسويات في المنطقة، فتخسر ورقة لبنان بعدما أرسل حزب الله مواربة أكثر من رسالة تلقفتها بسرعة، أخذت المملكة نحو تقدم ملحوظ بطرح ملف الرئاسة اللبنانية على جدول أعمال الرئيس الأميركي باراك أوباما والملك سلمان في البيت الأبيض، فاستعجل الرجلان الحلّ للرئاسة اللبنانية ودعيا إلى ضرورة انتخاب رئيس، على الرغم من الإرباك الذي تعانيه السعودية من الحرب على اليمن كملف أول يتوجب حله، بعدما كان الأمر مؤجلاً حتى تنضج التسويات ويكون رئيس لبنان ينتظر «تعيينه» الذي يطبخ على نار هادئة.
حاولت السعودية الضغط على حزب الله بدعم غير مباشر لحراك شبابي أقل ما يقال فيه ثورة شعبية والتي تعتبر مرحلة متقدمة من أي حراك لكي يتوجه حزب الله سريعاً نحو حلّ الأزمة الرئاسية جراء المشهد الذي بدا فوضى عارمة ستطيح بلبنان فيتخلى عن دعمه المطلق لعون ويصبح أكثر مرونة لطرح أسماء أخرى، يبدو واضحاً أنّ قائد الجيش جان قهوجي بطليعتها فأفشل حزب الله وحلفاؤه الخطة برسائل وصلت في أولى ليالي الحراك يقول مراقبون إنها فتحت العيون على اتفاق مشابه لاتفاق «الدوحة « جاء على خلفية ظروف تعتبر السعودية أنّ من الضروري تفاديها، وبالتالي تراجعت السعودية عن استفزاز حزب الله لئلا يتخذ موقفاً يحسم الأمور، صارفاً انتصار حلفائه الإيرانيين في الملف النووي وانتصاراته في سورية سريعاً قبل التسويات.
وبوضوح، يلعب الإعلام المرافق لسياستي البلدين على خط التبدل والتغيير بعرض الحدث من منطلق سياسي رسمي، فقناة العربية السعودية تقف في صفّ السلطات اللبنانية، أما القنوات اللبنانية المدعومة من قطر كقناتي «الجديد» و أل بي سي»، فقد قدمتا موقفاً آخر عن الأخيرة جسّد الاختلاف بشكل مفاجئ.
تبقى السعودية أكثر قدرة على تلقف الأحداث واستيعابها والأكثر قدرة على التراجع للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الحماية لنفوذها وموقعها كمقرّر في مجمل الملفات من بينها لبنان، وقد كانت لها في التجربة السورية أمثلة متعددة نقلتها إلى ضفة مكافحة الإرهاب بعدما كانت في طليعة الممولين لإسقاط الدولة السورية، عدا عن مرونتها بلقاءات مع مسؤولين أمنيين سوريين، إذا تطلب الأمر كما حدث مع اللواء مملوك، إضافة إلى الحوار الذي ترعى سلامته بين حزب الله و تيار المستقبل، كضمانة تواصل مع خصومها و حلفائهم، أمّا قطر فتحاول تلقف التراجع السعودي محاولة أخيرة تحاول عبرها اقنتاص فرصة حلّ لبناني جديد على غرار « الدوحة 2008» بعدما باتت اسهمها الإقليمية برعاية التسويات تلامس الحضيض لأنها أصبحت طرفاً أساسياً في اللعبة الإقليمية كممول ومنفذ للسياسة التركية في المنطقة فتصدرت سلطنة عمان المشهد ويبدو أنّ المزيد مقبل في ملف اليمن.
وبين الخلاف وتباين وجهات النظر السعودية ـ القطرية حول لبنان، وصل جعجع إلى قطر في زيارة يبدو أنها دخول قطري واضح على خط الأحداث في لبنان تعلن فيه استكمالها مشروع التغيير الافتراضي في لبنان الذي على ما يبدو ستضغط قطر باتجاهه لأطول فترة ممكنة، لكنّ الأهم أنّ زيارة جعجع الطارئة تأتي بعد «تسونامي» التيار الوطني الحر الذي فاجأت حشوده الساحات، محولة المشهد في ساحة الشهداء إلى استفتاء رفضه قبل ذلك خصومه على الأكثرية الشعبية مسيحياً، مشكلة أرضية قلق حقيقية لجعجع كـ»زعيم» غير قادر على إثبات قدرته من دون حلفائه المسيحيين على مجاراة عون انتخابياً أو سياسياً، وبالتالي فإنّ استدعاءه تأكيد قطري على رعاية زعامة جعجع المسيحية وتعويل على دور فاعل في خطها مستقبلاً. وعليه فإنّ جعجع الذي رفض المشاركة في الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري، مذكراً بعدم مشاركته في الحكومة لقناعة حزبه بذلك والذي يعرف مسبقاً أنّ ترشيحه مستحيل، يشكل بالنسبة إلى قطر شريكاً جدياً في الأيام المقبلة.
يبدو أنّ رسالة «تسونامي» عون التي تعتبر رسالة 8 آذار مجتمعة جاءت شديدة اللهجة على الحراك ومموليه وبين معدّ ومبرمج يحاول استغلال الشباب اللبناني بشعارات تحقق خرقاً سياسياً إقليمياً لحراك يعرف منظموه محدوديته لكنهم يعرفون في الوقت نفسه قدرته على الضغط سياسياً لإحراج حزب الله في أكثر من ساحة بعد سورية، يقف الأميركي وراءها غير ممانع أي نجاح بلعبة الضغط.
أما سمير جعجع، فهو يعلن قبوله عروض القطريين كورقة استغلال أكيدة.