استراتيجية الدبابيس
نظام مارديني
شكلت العملية العسكرية التي نفذها حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي في بلدة «داجليكا» جنوب شرق ، وقتل خلالها أكثر من 30 جندياً تركياً، مفاجأة، إن في الأسلوب الذي جمع بين الدهشة في الظهور والدهشة بما نتج من هذا الظهور الميداني، وهذه المرة استعمل حزب العمال الكردستاني لغة النار، بدلاً من لغة الحوار، في قتال تركيا، حتى ان هذه «الصاعقة النارية» ستأخذ منحى أكثر تراجيدية مع استمرار سقوط الخوذ العسكرية التركية.
ولكن كيف ينعكس الحدث الكردي التركي، المستجد في جنوب شرقي تركيا، وكيف ستتعامل المنظومة الدولية وبعضها حليف لأنقرة، مع النتائج التي جرّدت أردوغان من قسط كبير من التأييد الشعبي؟
ينظر الأترك الآن بعين القلق المشوب بالحذر من القوة الهادئة التي يقودها الـ «Bkk» في هذه المرحلة، للاستفادة من المحاور الاقليمية في المنطقة، ولتقويم مواقع الحزب في هذه المرحلة، وقد أدرك بدوره، أن انقره تتعمّد استغلال الظروف الدولية الجديدة لإحراق ما تعانيه من ضغط فشل سياستها في خندق التناقضات الاقليمية.
بعض أوجه المشكلة في المؤسسات التركية، المدنية والعسكرية، ان حزب العمال الكردستاني، الذي يمثل أكبر الأحزاب الكردية في المنطقة، كان يصرّ على الكفاح السلمي طريقاً وحيداً لتحقيق حقوق مواطنيه قبل العودة إلى العمليات العسكرية، حتى ان هناك من قال ذلك للدلالة على «مأزق الطورانية» في تركيا من ان الكثيرين سيسقطون كالسلاحف الهرمة منذ الآن وبعدما قررت أنقرة وبغباء سياسي إطلاق «الدبابير» من أوكارها، التي إذا ما قررت التوسع والانتشار، فسوف تحطم حلم «العثمانية الجديدة».
صحيح ان «الكردستاني» لم يصدر حتى الآن قرار الحرب على رغم الإشارة التي أطلقها المسؤول العسكري جميل باييك من أن حزبه سيطلق عملياته إذا لم توقف أنقرة هجماتها على قواعده، بمعنى أنه ما زال في موقف دفاعي ضد هذه الهجمات التي تستهدفه وفي شكل متواصل منذ أسابيع، لكن إذا استمر الوضع على هذا المنوال حينها سيكون له قرار جديد آخر، ملمحاً إلى أن كل العمليات التي ينفذها مقاتلو الحزب ضد الجيش التركي هي في إطار الدفاع عن النفس.
إذا كانت للتاريخ أية دلالة وأهمية، فهو يعلّمنا انه بعدما تصمت لغة الدبلوماسية فسيعود الدور للقوات العسكرية، ومن هنا حتى «اللعب» العسكري لا يمكن الا ان يكون ساخناً، خصوصاً ان لا حاجة للـ «Bkk» للبحث عن ثقب صغير لكي ينتقل منه، وعبر قنوات غير مرئية، الى العمق التركي. ولو كان ذلك يتمثل باستراتيجية الدبابيس لا باستراتيجية الصواريخ.