تفجيرات جديدة في السويداء… من المستفيد؟
جمال العفلق
هزّت السويداء ثلاثة تفجيرات، الأول كان على طريق ضهر الجبل والثاني والثالث على مدخل المستشفى الوطني في السويداء، بعد وصول جرحى الانفجار الأول وتجمهر الناس بالقرب من المستشفى الوطني، وهذا الأسلوب المعتمد بالتفجير ليس بالجديد، وقبل أن يتلاشى غبار التفجيرات سارعت القنوات المعادية لسورية إلى نشر الأخبار وتوجيه الاتهام للنظام، حيث أن المستهدف بالتفجير الأول كان الشيخ وحيد البلعوس وهو رجل كان بينه وبين النظام والأجهزة الأمنية خلافات علنية، والرجل لم يخف رأيه وكان له بعض الأنصار وصلهم تمويل مالي وتم تسليحهم ولا مجال الآن لتحليل مصادر الأموال وأهدافها.
وبالتأكيد فإنّ لأيّ عملية أمنية أهدافاً معلنة وأخرى غير معلنة، ولكن إسراع الإعلام المعادي لسورية وتصريحات المعادين قد تكون سبباً في كشف حقيقة التفجير ومن خلفه.
النائب وليد جنبلاط اتهم النظام فوراً، وأكد اتهامه كما اتهم سورية في اغتيال الحريري وقبل أن يبدأ التحقيق! أما ما يسمى بائتلاف الدوحة فقد نشر الخبر وأكد أنّ النظام يقف خلف اغتيال الرجل، ومن ثم نشر بياناً آخر طويلاً لا مجال لسرده، ولكن نقاطه الرئيسية أنّ السويداء تمّ تحريرها وأن لا وجود للدولة فيها، والغريب كان بيان ما يسمى الائتلاف بأنّ سهير الأتاسي هي التي صرحت بالمعلومات، وهذه حكمة يعرفها فقط من كتب ذلك البيان العسكري الطويل حتى أنّ القارئ للبيان يشعر أن الأتاسي تكتبه وهي تتجول في شوارع السويداء.
ولم تتوقف صفحات التواصل الاجتماعي عن نشر بيانات وتحليلات تحمّل الدولة المسؤولية، ولكنها وفي الوقت نفسه تتحدث عن السويداء الدرزية وعن حكم ذاتي، ومنها ما تطرّف أكثر في الطرح ليتحدث عن انفصال المحافظة عن القطر! وفي عرض الاستغلال للجريمة لم تتوقف المحطات المعادية لسورية عن الحديث عن دروز السويداء وكأنهم قومية مستقلة، وهنا يكمن جوهر الاستغلال للحادثة. فمن المستفيد؟
كما قلت سابقاً الخلاف بين الشيخ البلعوس والأجهزة الأمنية في المحافظة ليس بالسرّ، وهو علني وواضح، وحدث صدام أكثر من مرة، ولكن لم يكن الشيخ يمثل كلّ أهل الجبل بالكامل، وهو كان على خلاف مع آخرين ومنهم مشايخ العقل الأجلاء، وقد يكون في وقت ما سبّب إزعاجاً لخصومه، ولكن لم يكن هذا إلا في إطار الخلافات التي تدخّل العقلاء لحلها أكثر من مرة، ولو كانت القوى الأمنية ترغب باغتياله أو تصفيته كما يزعم البعض، فلا أعتقد أن الوقت كان مناسباً، خصوصاً أن هناك قبل هذه الحادثة احتقاناً شعبياً بسبب نقص المواد الأساسية من الأسواق وعمليات تهريب من مخصصات المدينة إلى خارجها، كما أنّ الجميع يعلم خطورة التعامل مع رجال الدين بالسوء لما لهم عند الناس من احترام، والأسلوب الذي اتبع في تصفية الرجل أو محاولة قتله لا يقتصر على استهدافه فقط، بل طاول مدنيين آخرين وأصاب مركزاً مهماً هو المستشفى الوطني، فالهدف من العملية إذن هو شحن الجمهور بزيادة عدد الشهداء وفي الوقت نفسه إرباك الجميع في فوضى يستطيع المستفيد منها السيطرة على الأرض التي هي عملياً مسيطر عليها من قبل الدولة أو النظام بحسب تعبير المعارضة، فكيف ستقوم الدولة بمثل هذا العمل الذي سيكون أبسط نتائجه خسارة قاعدتها الشعبية وإثارة الناس عليها؟
أما على المقلب الآخر وهنا يأتي دور ما يسمى بالمعارضة السورية التي لم يكن البلعوس على اتصال بها، ولم يعترف بها أصلاً، على الأقل بصورة علنية، والرجل لم يكن يعمل في السياسية على رغم المحاولات الدائمة من قبل المعارضة لتبني مواقفه، أو الإيحاء بأنه يمثلها على الأرض، هنا جاء استغلال الرجل من قبل المعادين لسورية، حيث تحدثت تقارير أنّ الأردن وغرفة موك تسعى لدعمه عسكرياً أو بأقل تقدير بالسلاح، وهذا أمر تحدث به أنصاره، كما أنّ هناك تصريحات كثيرة على خط جنبلاط ـ الأردن بعد حادثة اغتيال أبناء الطائفة في جبل السماق على يد جبهة النصرة، وطالما كانت هناك رسائل تطمين بين «جبهة النصرة» والبلعوس وجنبلاط تؤكد عدم التصادم، وفي معركة مطار الثعلة لم يشترك البلعوس بصدّ الهجوم وفسّر هذا في حينها بأنّ الاتفاق تمّ بعدم مساعدة الجيش، وهنا تطرح أسئلة كثيرة، هل كان من يدعم الرجل يريد منه شيئاً آخر وهو رفض تنفيذه أم أنه قام بتلميع الرجل إعلامياً وتحويله إلى قوة لتتمّ تصفيته وتتهم السلطة به؟ وبهذا سيتم فصل الجبل عن الدولة وإضعاف أهله لتتمكن غرفة موك في عمان من تحقيق الهدف الأكبر وهو ضمان المنطقة الجنوبية لتسهيل وصول المرتزقة إلى دمشق، الجميع يعلم أنّ بقاء المنطقة الجنوبية وخصوصاً منطقة الجبل في يد الجيش سيمنع تنفيذ أي خطة عسكرية للوصول إلى دمشق، حيث لا يمكن إنكار وجود جيوب مسلحة في الجنوب وخصوصاً في مدينة درعا ولكنها ستبقى عاجزة إذا ما بقي جبل العرب تحت سيطرة الجيش السوري عسكرياً. وهذا الأمر يمكن للخبراء العسكريين توضيحه بشكل أوسع.
إنّ الجريمة التي طاولت أهل الجبل والاستغلال الإعلامي غير المسبوق وهذا الاهتمام بالحادثة، تؤكد أنّ مثل هذه العمليات لا يتمّ التخطيط لها داخل سورية، وأنّ هناك أجهزة تعرف تماماً ماذا تريد وتعرف التوقيت الذي تختاره. وحتى اللحظة وعلى رغم تصريحات أهل الجبل الممثلين بمشايخ عقل الطائفة والوجهاء إلا أنّ الإعلام المعادي لسورية يريد وصف السويداء بأنها إقليم انفصالي وهذا مخالف لحقيقة أهل الجبل، فهم وطنيون وقوميون وعروبيون، وهم من رفعوا العلم العربي في دمشق إبان الثورة العربية وهم من تبنوا شعار الدين لله والوطن للجميع، ولا يمكن أن يكونوا انفصاليين أو حتى ساعين إلى الانفصال.
فكم هو واهم من يعتقد أن تقسيم سورية هو بالأمر السهل، لأن السوريين اليوم يعتبرون أنّ معاهدة سايكس ـ بيكو الشهيرة هي أسوأ ما شهده القرن الماضي، والأسوأ هو أنّ بعضنا ارتضاها وقبل بها ولم تتم مقاومتها كما يجب حتى لا يتمكن المخططون من تنفيذها وتقسيم بلادنا.