طفولتنا ودمنا… في حضرة أعرابنا
د. محمد بكر
أيا أعراب أمتي… ملوكاً وأمراء ومشيخات، أي عهر هذا العهر، وأي ضرب بعرض الحائط لكتاب الله، تعتصمون بحبل الشيطان، وتتجرّعون الخسة والخذلان، تعشقون الانبطاح، وتغضّون الطرف عن آلامنا وعذاباتنا، عن كلّ تلك الجراح.
سيكتب طفلٌ من أطفال شعبي ابتلعته الأمواج، وآخر أكلت من لحمه نيران آل صهيون، سيكتبون على لوحٍ فلسطيني محفوظ كيف يحيك الأخ لأخيه كلّ ذلك السوء، وكيف يصيغ من لوثات ماله ونفطه العفن سكيناً تذبحه من الوريد إلى الوريد، سيكتبون عن ربيعكم الأحمر، عن زمانكم الأسخم، كيف تُدنس يومياتنا في المهجر، كيف تنامون وعيون أمهاتنا ألماً وحرقةً تسهر، كيف يُذرف دمع أبي، كيف تأكل الشدائد من ساعديه وعوده، راضياً بالبلوى أبداً ما تذمر، سيكتبون عن الإسلام الجديد، والربيع الجديد، والثورات الجديدة، والنكبات الجديدة، ملعونٌ هذا الجديد، وسيردّدون: بأي ذنب نُقتل، أتزعجكم فلسطينيتنا، تثور حميتكم بعيداً عنها، ويترامى صراخكم وعويلكم على أطرافها، في جنازتها تمشون، تعاود ألسنتكم ذكرها وتذكّرها، تباً لألسنتكم ألا تخجل.
سأرسم على السفوح والروابي صورة قبحكم، سأنشر في وديان قريتي فحيح غدركم، سأحكي للأجيال كيف نعت العروبة أزلامكم، كيف صار الباطل صنعتكم، سأحكي لهم قصص اغتيال الحق والدم.. سأنقش على كل حجرٍ من حجارة الطريق أسماءكم الحمراء لأشيد منها مكاناً للرجم.
يا أيها النقي الملائكي البريء، أيها العصفور القدسي السوري، الهامد الصامت الساكن على شواطئ العار، كأني أسمع شفتيك الزرقاويتين تهمسان: هذي الروح في حضن خلودها تفترش الزعفران.
تعاود التحليق لترشف من قلب كل مهاجر جمرة.. تتفجر بركاناً سرمدياً يشوي وجوه هذي المشيخات وذلك السلطان.
تزأر صرخة بحجم المحيط.. تنثر عبقاً يسري في أجساد إخوتها وتترافقن بعدها إلى الجنان.
هناك حيث مستقرّها، يفيض بردى فيذهب الظمأ.. وتسدل الأرواح جفونها على وقع ترانيم ربانية في حضرة الرحمن.
هناك تتدثر الأرواح بأشجار الغوطة، تستذكر كنانة نبيها خير المنازل والأوطان.
تصدح حناجرها ويدوي صهيل جرحها.. ألا لعنة الله عليكم يا حكام أمتي عرباناً وعثمان.
كاتب فلسطيني مقيم في سورية
mbkr83 hotmail.com