الرياض أمام التقارب الإيرانيّ… أو التطبيع الصهيونيّ؟!
فهد المهدي
تقويم عملية التقارب الإيراني ـ الخليجي راهناً ليس أمراً سهلاً في ظل المتغيّرات المتتابعة التي تكتنف الساحة السياسية في المنطقة والمؤثرات الدولية المتزايدة، فالتيار المتشدّد في البيت الخليجي الذي يتخذ مواقف متصلّبة ضدّ إيران ويرفض التقارب معها كي لا يعتبر التقارب اعترافاً بدورإيران في سورية، ما زال قائماً في ظلّ حرب باردة تسخّنها أطراف هنا وهناك.
مؤشّر واحد فحسب، ربما بادرت إليه القيادة السعودية تحت مقولة «مكرهٌ أخاك لا بطل»، بخاصة بعد إقالة بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية السابق والذي يعتبر في تصنيف أمراء الرياض أكثرهم تزعماً لفريق الحرب ضد إيران. هذا الأمر فتح للبدء في محادثات سرية مع الإيرانيين، إذ نشرت بعض المصادر تسريباً لمعلومات من سلطنة عمان تفيد بأن «بعد إضعاف التيار المتشدد في السعودية اتصل العاهل السعودي بالسلطان قابوس وطلب منه التوسط لإدارة حوار مع إيران، فأرسل السلطان مبعوثاً إلى الرياض وتم الاتفاق على ترتيب اجتماع في مسقط لخبراء أمن وسياسيين من إيران والمملكة، تم خلاله وضع خريطة طريق لمجرى العلاقات بين البلدين، وانضمت لاحقاً الكويت إلى هذه الجهود التي تحظى بدعم روسي واضح.»
في المقابل، عوامل الاختلاف الكبيرة والعميقة قائمة بين البلدين، فالأمور لا تحل بـ«عفا الله عما سلف» كما كانت تشتهي السعودية، خصوصاً في ما يتعلق بالملف السوري، رغم أن الرياض والذين كانت تعتمد عليهم أقروا بأنهم فشلوا أمام سورية، وتوّج هذا الفشل بعد الانتخابات السورية التي تكللت بفوز الرئيس بشار الأسد لولاية ثالثة مدتها سبعة أعوام شارك فيها أكثر من عشرة ملايين ناخب، على عكس إيران التي باركت هذه الانتخابات واعتبرتها نصراً جديداً للدولة السورية، مؤكدة أن السوريين وحدهم يقررون مصيرهم السياسي.
الرياض تدرك اليوم أكثر من ذي قبل أنه لا بد من إيجاد تسوية سياسية وإزالة المشاكل التي تواجهها مع طهران، خصوصاً بعد إقصاء بعض رموز التيار المتشدد الذين كانوا ضد هذه التسوية، إذ أعلنت السعودية على لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل أنها قدمت دعوة رسمية إلى وزير الخارجية الإيراني ظريف لزيارة المملكة في أي وقت يراه مناسباً». إلا أنها تدرك في الوقت ذاته أن الطريق ما زال طويلاً، وأن عجلة تحسين العلاقات لم تدر بكامل طاقتها.
أحست الرياض بأنها أضحت لاعباً غير أساسي في الخليج والمنطقة وتقلص نفوذها شيئاً فشيئاً حتى بات من كان معها بالأمس متنصّلاً منها، أو ضدّها اليوم، بسبب عدم إدراكها عواقب التبعية للسياسات الخارجية البراغماتية التي لا تقيم وزناً للقيم والأخلاق في تعاملها مع أعدائها، ومع حلفائها وأدواتها، فوحدها «المصلحة» تحدد بوصلتها وتوجهاتها الآنية والمستقبلية.
خسرت الرياض فرصة كبيرة للتقارب مع طهران عند تولي حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي أعرب عن رغبته أكثر من مرة وعبر قنوات رسمية وإعلامية سعودية آخرها في تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية في أن تكون الرياض أول عاصمة عربية يزورها، لكن السلطات السعودية لم تستجب البتة لهذه الرغبة.
بعد النجاح الكبير الذي تحقق في سورية في المجالين العسكري والسياسي، لم تعد طهران تعتبر نفسها معنيّة بقبول شروط المهزومين، سواء في المفاوضات المتعلقة بالنووي مع الغرب، أو تلك التي تسعى السعودية إلى تحويلها من مفاوضات إلى إملاءات على إيران .
قد تجد السعودية خياراً خطيراً إذا فشل التقارب مع طهران في المدى القريب في اتخاذها خطوات تخالف سياساتها التقليدية، والانتقال من الساحة السرية للحوار مع الكيان الصهيوني إلى الساحة المفتوحة بإعلان التطبيع معه فثمة توافق في وجهات النظر بينهما على أن الخطر الحقيقي لا يتمثل في «إسرائيل» أو «اليهود» أو الصهيونية، بل في سورية وإيران وحزب الله إذ نقلت صحيفة «يديعوت» عن ليبرمان قوله: «إن اتفاقات سلام عربية «إسرائيلية» جديدة ستوقع عام 2019».
ورد كذلك في تقرير نشره موقع «يسرائيل بولس» أن «الاتصالات السرية ومظاهر التعاون الأمني والشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج «تجاوزت في الآونة الأخيرة جميع الأرقام القياسية».
هذا البديل، وإن يكن ينفيه الساسة الخليجيون ويستبعدونه ويعتبرون التصريحات «الإسرائيلية» حملة نفسية ضد الشعوب العربية، إلى أن نظرة إلى الواقع وإلى استمرار السعودية في سياساتها النرجسية في المنطقة، خاصة في ما يخص الأزمة السورية، تؤكد سعي المملكة إليه، ويدعم الكيان الصهيوني هذه الرؤية، وتقرّها الولايات المتحدة وخبراؤها الاستراتيجيون وكثيراً ما تردد أن وجود «اسرائيل» يخدم السعودية، باعتبار أن «اسرائيل» تعمل ضد القوى الراديكالية.
نقول ختاماً وبثقة أن الرياض تدفع اليوم ثمن الخراب الذي أحدثته في المنطقة، والعزلة التي أحاطت نفسها بداخلها ستكبدها خسائر في المستقبل المنظور، ومن ناحية ثانية لا يمكن إيران أن تدخل في صفقات مع الرياض تدعوها إلى حل الأزمات في المنطقة بالمفرق والتقسيط.