هيئة التنسيق الغرفة الصفراء
كمال جميل طهبوب
مبروك لسورية، أسطورة الصمود وإعجاز التحدي وجغرافية الشرف الذي لا تلوّث بياضه الناصع حبيبات صغيرة من الخيانة والتخاذل مهما تركّز تلوّثها.
مبروك لسورية نصرها الجديد في منعطف الحسم الانتخابي، فهذا النصر المزدوج أطلق بشائر الأمل في الصراع الحقيقي بين إرادات الشعوب في العالم ولمصلحتها من جهة، وإرادة التحالف الاستعماري/الصهيوني وعلى حساب مرتكزاته من جهة أخرى، وقد حشد كل هذا الكم الهائل من أدوات إجرامه دفعة واحدة ضد سورية الأبيّة.
في الثالث من حزيران استفتى الشعب السوري بغالبيته الساحقة أولاً لمصلحة سيادة سورية وسيادة دولتها ولمصلحة وحدتها الوطنية و دورها الصامد المقاوم. وفي الثالث من حزيران انتخب الشعب السوري بغالبيته الساحقة رمز الشرف الإنساني القائد الفذّ، الزعيم الحكيم وسيد العرب رئيساً لوطنه.
استطاع الرئيس بشار الأسد في الأعوام الثلاثة الماضية أن يحقق في جملة إنجازاته أثناء قيادته صمود سورية في مواجهة العدوان الهمجي عليها، أن يفرز المجتمع الدولي إلى محاور سيادة وتحرّر تقارع محاور الاستعمار والعدوان على نحو واضح. كما فضح الأنظمة العربية الخليجية وأنظمة التبعية التخاذلية التسووية وجميع الأحزاب والنخب المتماهية معها، إلى درجة خلعت فيها ليس أثوابها الوطنية والعربية المستعارة فحسب، بل اندفعت إلى مرحلة التعري من جميع المبادئ الأخلاقية، حتى في أدنى مستوياتها، لتنزلق إلى مستنقع العار على نحو كامل. وأخيراً، وهذا الأهم، طهر التربة السورية من الملوّثات واللوثات التي أصابت بعض حبيباتها حملة التآمر الفكريّ/الثقافيّ/السياسيّ المعادية التي استطاعت أن تتسلل إليها ويا للأسف- وتبث جراثيم أوبئتها فيها.
عانت سورية في أحد أوجه أزمتها الداخلية ونتيجة عدم نضوج التجربة من جهة، وطبيعة الظروف القاهرة من جهة أخرى، ومنذ بداية العدوان إلى قبل عام تقريباً، إشكاليتين تظهّرتا في عدم اكتمال تقبّل الآخر موضوعيّاً لدى الكثير من الموالين إذا صحّت التسمية وعدم اكتمال التجربة علميّاً، لتطفو الكيدية السياسية لدى معظم منظومات المعارضة الوطنية من جهة أخرى. إلاّ أن سياسة الرئيس بشار الأسد الحكيمة والواعية، من خلال جملة مواقف وإجراءات على مستوى فرز الإرهاب ومحاربته وتعزيز المصالحة الوطنية انتصاراً للسوريين وحقناًً لدمائهم وتعاملاً جدياً وأريحيّاً مع الطروحات الداخلية والعالمية كافة، من لقاء جميع فئات الوطن برحابة صدر وثبات المواقف وحضور اجتماعات جنيف وتعميق للعمل الديمقراطي على أسس وطنية، إلخ… متمكناً ردم الهوة لدى الطرفين، فكانت مرحلة التتويج ليس على إجراء انتخابات رئاسية تقدم إليها العشرات كمرشحين فحسب، بل بالخطاب الذي أعلنه المرشحان الخاسران للانتخابات إنما الرابحان احترام الوطن والمواطنين عندما أعلنا وبصوت واحد انتصار الوطن، وأكدا على نزاهة العملية الانتخابية، ووعدا بمواصلة جهودهما في المعارضة تحت سقف وحدة الوطن وسيادته وكرامته وأمنه وأمانه.
حققت الانتخابات الرئاسية السورية وحدة وطنية لافتة أكدت على تلاحم الجميع، مؤيدين ومعارضين، أياً تكن نسبتهم وستكون قاعدة انطلاق مهمة لتعزيز صمود سورية ومكافحة الإرهاب وتطهير الوطن من رجس العدوان، وستكون أيضاً اللبنة الأولى بعد النصر لإرساء الميثاق الوطني وتعميم الحياة الديمقراطية ولإعادة إعمار سورية من جهة أخرى، ما يمنحها دوراً ريادياً ليس إقليمياً ولا عربياً فحسب بل وعالمياً بالتأكيد.
صحيح أن المعركة لم تنته، إلا أنها في مراحلها الأخيرة، خصوصاً -أن ما يسمى بـ«المعارضة الخارجية» «الائتلاف» وما شابه فقدت مشروعيتها وشرعيتها كاملة ليس وطنياً وهم خونة بحق بل فقدت جدواها أيضاً لدى أسيادها في الأهداف المباشرة للعدوان. أما الإرهابيون وهم كل سوري أو غير سوري حمل السلاح في وجه الوطن والدولة ويرفض جهود المصالحة أو الاستسلام والانكفاء فهم أيضاً فقدوا قدرتهم على تحقيق أهداف أسيادهم العدوانية وعلى تحقيق أهدافهم الذاتية التكفيرية، كما أصبحوا خطراً ليس على سورية بل على الأمن العالمي وعلى أسيادهم خاصة. صحيح أن الحرب معهم تحتاج إلى جهد وطني سياسي وعسكري جبار إلاّ أن الشعب السوري وجيشه الباسل وقيادته الصامدة هو لها، وسيكون الانتصار السوري مدويّاً وفي زمن ليس ببعيد.
إلاّ أن الخطر الحقيقي في رأينا سيبقى ماثلاً وإن كان باهتاً في وجود بعض المعارضة الصفراء، بروّادها أصحاب الوجوه الكالحة والتي تنقسم جماعات داخلية، وبعضها خارجي قيادي، وتقدم نفسها بكل وقاحة ساقطة، من خلال طروحاتها الثلاثة:
أولاً- ما زالت تعتبر إلى الآن أن استدعاء الإرهاب إلى سورية كان سببه عدم تلبية المطالب السلمية، وفي هذا كذب وافتراء، فالعسكرة كانت جاهزة وحاضرة من الحدود الأردنية ثم التركية منذ الأيام الأولى في آذار 2011.
ثانياً- ما زالت تصرّ على توصيف العدوان الإرهابي على سورية بأنه مجرد دورة عنف يتحمل تبعتها طرفا النزاع، الإرهابيون والجيش السوري، وهذا توصيف غير محمود ومسيء إلى الجيش السوري مدرسة الشرف العربي ومعروف من هم أعداء هذا الجيش الباسل في الحقيقة.
ثالثاً- وإن كانوا يرفضون ظاهرياً التدخل العسكري الخارجي إلاّ أنهم تحت ذريعة «انعدام الثقة» يطالبون بالتدخل السياسي الخارجي لمعالجة الأزمة، وفي ذلك انتهاك واضح وفاضح للمحرمات الوطنية كلها التي تربينا عليها ونعتزّ بها ونقدم التضحيات الجليلة لأجلها.
لذلك كانت مقاطعتهم الانتخابات الرئاسية وجميع المبادرات الوطنية الديمقراطية السابقة تأكيداً على حقدهم المرتكز على فشلهم الشعبي والسياسي في الفكر والأداء هذا إن كان لديهم محصلة فكرية أساساً .
المحصلة تؤكد أن رموز هذه المعارضة إن كانوا يستحقون هذه الدرجة من التصنيف ، بخاصة زعيميها الخارجي والداخلي، هم خبثاء إلى درجة مشينة على الطريقة الصهيونية، وهذا للتوصيف لا للشتم وحاقدون إلى درجة عقيمة على الطريقة الصهيونية أيضاً، ونكرر هذا للتوصيف وليس للاتهام، بخاصة أنه يا للأسف بات اليوم ما هو صهيوني ليس بالضرورة يهودياً. فأنظمة الخليج ونخب التخاذل والتسوية ومثقّفوها في أقطارنا العربية ومديرو السياسة الاستعمارية الغربية الأورو/أميركية وغيرهم هم أكبر دليل على ذلك.
في النتيجة الطبيعية لهذا الأداء المراوغ، هذه المعارضة الصفراء:
غير مقبولة من قبل دولتها الوطنية بإرادتها هي أي المعارضة .
غير معتمدة ظاهرياً على الأقل من التحالف المعادي بإرادتها هي.
غير متورطة في الإرهاب ظاهرياً على الأقل بإرادتها هي.
لكنها، أي هذه المعارضة الصفراء:
ليس من مصلحتها هزيمة الدولة الوطنية، بل ليس من مصلحتها أيضاً انتصارها كي تتسنّى لها ظروف التسلل إليها بشروطها هي.
لا تريد انتصار الإرهاب، إنما لا تريد هزيمته قبل أن تستثمر نتائج تخريبه لمصلحتها هي. وهذه قمة الانتهازية الرخيصة.
لا تريد العدوان الخارجي العسكري، بل تريد بديله تدخلاً سياسياً بعد إعياء الآخرين لمصلحة تثبيت قواعدها هي، خصوصاً أن لا شعبية لها على الإطلاق إلاّ من بعض المهووسين ثقافياً وسياسياً بشعارات لا يؤمنون بها بقدر ما يستنزفونها لمصالحهم الضيقة.
لذلك، نرى أن ُجل ما تنادي به هذه المعارضة ينحصر في عدم إمكان الحسم العسكري ليس لأجل المصالحة الوطنية. وهي بذلك تخلط بين الإرهاب ومكافحته والمصالحة ونتائجها الوطنية البحتة، فالحسم العسكري يدمر جميع أحلامها، مثلما تفعل المصالحة الوطنية إن تمت من دون تدخل خارجي.
في رأينا، وإن كان الفشل من نصيب هذه المعارضة/ إلا أن طبيعة تكوينها وأدائها لن تثنيها بأشخاصها أو بدلائهم عن تقديم نفسها، بعد انتصار الوطن واندحار الإرهابيين وانكفاء الخونة الخارجيين، عملياً كنفق مظلم وحيد لا بد سيحتاجه أعداؤنا لمحاولة التسلل من جديد سياسياً أو ثقافياً أو أمنياً إلى ساحة الوطن. وهنا يكمن خطر أمثال هؤلاء ويستحق أن نأخذه في الحسبان مهما بدا ظاهرياً أنه غير مؤثر. فمسعى هؤلاء الأصفر سيبقى ساعياً إلى إلغاء راية الوطن بألوانه الزاهية من الأبيض إلى الأخضر، ومن الأسود إلى الأحمر.
عربي سوري من فلسطين