تركيا تنزف أمام الأكراد وأوراقها إلى خريف الانتخابات… وقطر تصعّد يمنياً سباق الحوار والحراك بين الفوضى والاستقرار يتقرّر اليوم في ساحة النجمة
كتب المحرر السياسي
قرّرت واشنطن استبدال اليونان ببلغاريا للضغط على موسكو لوقف تموضعها العسكري الجديد في سورية ومعها، عبر تعطيل الجسر الجوي بين موسكو وكل من دمشق واللاذقية، بإغلاق الأجواء البلغارية أمام الطائرات الروسية، فقرّرت روسيا الردّ الفوري باستبدال الخط الجوي فوق بلغاريا بخط بديل في الأجواء الإيرانية. وأعلنت موسكو أنّ الجسر الجوي سيستمرّ إلى سورية حتى الرابع والعشرين من الشهر الجاري، رافعة سقف التحدّي لواشنطن إلى ما يستعيد أزمة الصواريخ في شبه الجزيرة الكوبية مطلع الستينات وما عرف بأزمة خليج الخنازير، مع إصرار موسكو على التعامل مع قرارها بالتموضع الاستراتيجي في سورية كقرار لا رجعة عنه.
مسار التجاذب الروسي الأميركي سيرسم خطوط التسويات الممكنة في المنطقة حيث التنافس سيظهر ببروز حلفين متقابلين للحرب على الإرهاب، قرّرت موسكو الترجل لقيادة أحدهما فأعلنت واشنطن البحث في سبل تنشيط حلفها المتداعي، بينما الرهانات الأميركية التي تبدأ من تركيا تواجهها تآكل القوة التركية مع النزيف المتصاعد الذي يواجهه الجيش التركي بصداماته مع الأكراد والتي تتقدّم على رغبة الحكومة التركية في القتال ضدّ «داعش»، لأنّ القيمة الانتخابية لهزيمة الأكراد أعلى بكثير من أيّ شيء يفعل في الحرب على «داعش»، وعلى خلفية التوقعات التركية السلبية انتخابياً يبدو الحلف الأميركي في حال وهن وتآكل، بينما على الساحة اليمنية راحت قطر تسترضي السعودية بإرسال وحدات عسكرية لتعويض التردّد الإماراتي بعد الخسائر الفادحة التي مُني بها الإماراتيون، أملاً بالحصول على هامش تحتاجه في لبنان، بغضّ نظر سعودي لحجز مقعد عاصمة الحلول قبل أن تتقدّم مسقط لحجزها.
لبنان على موعد اليوم مع سباق الحوار الذي يبدأ أولى جلساته في مجلس النواب بدعوة من رئيسه، وبحضور قادة القوى السياسية الأساسية، لا يغيب عنه إلا رئيس حزب القوات اللبنانية بطلب قطري، ومقابل الحوار الحراك الذي يرمي أهله وقنواته الفضائية بثقلهم لتأمين حشود تستعيد حشود السبت في التاسع والعشرين من آب الماضي.
السباق يتوقف على ما يجري في الحوار وما يخرج منه من إشارات تدعو إلى التفاؤل وتزرع الأمل من جهة، وعلى ما سيحدث في ساحة النجمة مساء، حيث سيعرف اللبنانيون ما إذا كان استقرارهم مصاناً أم أنّ مشاريع جرّهم إلى الفوضى قد بدأت تحقق نجاحاً؟
هل تكون جلسة الحوار اليوم الجلسة الرئيسية شبه الوحيدة؟
ترسم تجربتا حوار 2006 و2012 صورة ضبابية عن حوار 2015 الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما سدّت كلّ أبواب الحوار داخل الحكومة التي باتت أسيرة التوافق السياسي، واستمرار الشلل في المجلس النيابي والفراغ الرئاسي.
وإذا كانت العاصفة الرملية التي ضربت لبنان أول من أمس قادمة من السعودية مخلفة حالات اختناق ووفاة في صفوف اللبنانيين جراء الغبار، فإنّ ضبابية المواقف السياسية من الاستحقاقات الداهمة لدواع خليجية بحت، من شأنها أن تعطل طاولة الحوار التي تواجه عاصفة شعبية هدفها تغيير الطبقة السياسية الطائفية ومحاربة الفساد.
ومنعاً للاحتكاك الأمني، تحوّلت ساحة النجمة أمس إلى منطقة أمنية بامتياز، حيث تمّ وضع عوائق اسمنتية وأسلاك شائكة وعوارض حديدية عند المداخل تحضيراً للحوار وتظاهرة الحراك المدني، وفرضت إجراءات أمنية مشدّدة على موظفي الشركات والمطاعم المجاورة، طاولت حتى الصحافيين المعتمدين في المجلس والعاملين في بعض الصحف المجاورة للمجلس النيابي.
وتلتئم هيئة الحوار الوطني اليوم في ساحة النجمة برعاية الرئيس نبيه بري ومشاركة رئيس الحكومة تمام سلام وحضور رؤساء الكتل النيابية التحرير والتنمية، الوفاء للمقاومة، الكتلة القومية الاجتماعية، التغيير والإصلاح، الطاشناق، لبنان الحر الموحد، كتلة المستقبل، اللقاء الديمقراطي، وحدة الجبل، البعث العربي الاشتراكي، كتلة نواب الأشرفية، كتلة النائب ميشال المر، الكتائب، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، والوزير بطرس حرب للبحث في جدول الأعمال الذي حصر في البنود السبعة: البحث في رئاسة الجمهورية، عمل مجلس النواب، عمل مجلس الوزراء، ماهية قانون الانتخابات، ماهية قانون استعادة الجنسية، مشروع اللامركزية الإدارية، ودائماً موضوع دعم الجيش اللبناني.
وأكدت مصادر عين التينة لـ«البناء» «أنّ رئاسة الجمهورية ستكون البند الأول على طاولة الحوار». ولفتت المصادر إلى «أنه من الممكن أن يرتب المتحاورون جدول الأعمال إذا اتفقوا على تعديل ترتيبها، فالبنود التي وضعها الرئيس بري هي ملك المتحاورين». ولفتت المصادر إلى أنّ «الاتفاق على البند الرئاسي من شأنه أن يحلّ كلّ البنود الأخرى، لا سيما أنّ قانون الانتخاب يحتاج إلى قرار سياسي على ماهية القانون والدوائر، وأكبر دليل أنّ اللجنة الفرعية التي كانت مكلفة دراسة قانون الانتخاب لم تتوصل إلى أيّ نتيجة لانعدام التوافق السياسي بين رؤساء الكتل السياسية».
وعشية الجلسة، حدّد فريق 8 آذار في لقاء لممثليه الخطوط العريضة لموقفه من الحوار ومن اشتراط تيار المستقبل وحزب الكتائب البحث في الملف الرئاسي أولاً. وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أنّ جلسة الحوار اليوم «ستكون الجلسة الرئيسية شبه الوحيدة التي قد تعقبها جلسات رفع عتب، أو يتوقف الحوار، وعندها يبدأ كلّ فريق بإلقاء اللوم على الآخر»، لافتة إلى أنّ «التصريحات التي صدرت مطلع هذا الأسبوع من تيار المستقبل والقوات والكتائب أفشلت الحوار قبل أن يبدأ».
حردان: نتطلع لتطبيق بنود الطائف الإصلاحية
وشدّد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان على أهمية الحوار، ولفت إلى «أننا سنطرح في الحوار الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري رؤيتنا ومعاييرنا بكلّ وضوح، نحن حريصون على وحدة لبنان واللبنانيين، ونتطلع إلى تطبيق البنود الإصلاحية في اتفاق الطائف، بدءاً من قانون الانتخاب، إلى إلغاء الطائفية، ونحن طرحنا قانون انتخاب على اعتبار لبنان دائرة واحدة، لأنه قانون يوحد بين اللبنانيين، ونحن مع دولة قوية وقادرة، ومع جيش وقوى أمنية تملك القدرة، ولا تحارَب في موازنتها أو عديدها أو عتادها».
وقال خلال ترؤسه اجتماعاً لهيئات المنفذيات في لبنان: «إنّ ما يطرح في السياسة وفي الشارع يمكن القول إنه عشوائي، فهناك شعارات متناقضة، لكننا نحرص دائماً على تبني مطالب الناس وننظر بحسن نية إلى هذه المطالب المحقة ونعتبر أنّ رفع الصوت أمر بديهي كردّ فعل على المعاناة والألم من الضائقة المعيشية والاجتماعية ومن شلل المؤسسات وعجز الحكومة عن تحمّل مسؤولياتها». وأضاف: «نحن نعتقد أنّ الفوضى لا توصل إلى تأمين المطالب، بل قد ينسى الناس المطالب ويأخذوننا إلى نتائج الفوضى، نحن مع حرية التعبير والحراك والتظاهرات، على قاعدة عدم الفوضى. ونحرص دائماً على أن لا يقع لبنان فريسة الفتنة الداخلية، لأنه بالنسبة لنا فإنّ الوحدة الداخلية وحماية المقاومة خط أحمر».
وفي حديث تلفزيوني مساء أمس لفت حردان إلى «أننا نرى أنّ جدول الأعمال المعتمد في طاولة الحوار يؤمّن مصلحة البلاد»، مشيراً إلى «أننا نذهب إلى الحوار بأمل أنه سينتج وليس لإتمام شكل».
عون إلى الحوار متسلحاً بتظاهرة يوم الجمعة
وأعلن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون انه «إذا لم تحل المشاكل العالقة في الحوار فسنواجه الفشل الذريع وعندها لن يكون أمام الحكومة إلا تغيير الشعب». ورأى أنّ «كلّ اللبنانيين يريدون قانون انتخاب يقوم على النسبية الكاملة لأنه يؤمّن التمثيل العادل»، مشدداً على «أن المزج بين الأكثري والنسبي لا يحل المشكلة». وأشار بعد اجتماع التكتل الأسبوعي إلى أن كتلته «ستتقدم بخطة كاملة لحلّ أزمة النفايات»، لافتاً إلى «أنّ نقل المشكلة إلى البلديات لا يحلها».
واعتبرت مصادر التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن العماد عون «ذاهب إلى الحوار اليوم متسلحاً بما أفرزته تظاهرة يوم الجمعة، التي فرضت نفسها على الحوار». ولفتت المصادر إلى «أنّ العماد عون سيركز على نقطة واحدة العودة إلى الشعب ولن يقبل أن يتجاوز أي حوار هذا الشعب الذي هو صاحب القرار».
هل ينهي تمسك الكتائب بموقفه الحوار من الجلسة الأولى؟
واعتبر رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، في كلمة بعد اجتماع المكتب السياسي أن فريقه سيخوض في جلسة الحوار غداً معركة الرئاسة والحفاظ على الدستور، وشدد على أنهم كانوا على وشك ترك الحكومة. ورأى الجميّل «أن الحراك الشعبي يتكامل مع جهود الكتائب لحل أزمة النفايات أولاً عبر لا مركزية النفايات، مشدداً على أن فريقه لن يقبل أن يكون شاهد زور».
ولفتت أوساط سياسية لـ«البناء» إلى «أن حزب الكتائب جمع أمس في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيسه بين رفض رئيس حزب القوات سمير جعجع للحوار وبين هجوم رئيس تكتل التغيير والإصلاح القوي فاتخذ موقفاً مركباً لجهة أنه سيواجه بالحوار اليوم ضرورة انتخاب الرئيس أولاً، وإشارته إلى أن وزراء الكتائب سينسحبون من الحكومة إذا لم تحلّ أزمة النفايات».
وسألت مصادر مطلعة لـ«البناء»: «هل تمسك حزب الكتائب بموقفه سينهي الحوار من الجلسة الأولى، علماً أنّ أحداً لا يراهن على انتهاء الحوار بجلسة واحدة إلا إذا كانت هناك ورشة عمل طوال النهار»؟
وأملت كتلة المستقبل في أن تكون جلسة الحوار غداً ممراً حقيقياً للتوجه نحو انتخاب رئيس للجمهورية الذي يؤدّي بدوره إلى تأليف حكومة فورية ما يؤدّي إلى قانون انتخابات جديد. وطالبت الكتلة بعد اجتماعها الأسبوعي بعقد جلسة حكومية مفتوحة لحلّ أزمة النفايات وتسمية المعرقلين لخطة حل الأزمة.
غريب: حلّ ملف النفايات سيكون ثمرة الحراك الشعبي
في موازاة ذلك، وعلى وقع جلسة الحوار، تستكمل اليوم في ساحتي رياض الصلح وساحة الشهداء التحركات الميدانية التي بدأتها مجموعات الحراك المدني في بيروت والمناطق، عقد اجتماع تنسيقي بين كل الحملات، حملة «طلعت ريحتكم» و«بدنا نحاسب» وحملات أخرى وتم الاتفاق على توحيد الكلمات والشعارات والحفاظ على سلمية التحرك الذي سيكون عند الساعة العاشرة صباحاً والساعة السادسة مساء.
وكانت حملة «بدنا نحاسب» نفذت اعتصاماً أمام شركة الكهرباء عصر أمس وأعلنت في بيان «أن هناك فساداً كبيراً في قطاع الكهرباء لكن لا نستطيع أن نحاسب إلا بكشف المعلومات»، موضحة أن «هناك الكثير من المعلومات وجهت إلى القضاء اللبناني عن فساد قطاع الكهرباء منذ التسعينات وحتى اليوم، والدليل أن أكبر فضيحة أن يسرق 30 مليار دولار على الكهرباء، والناس لا تزال تعيش على نور الشمعة». وكشفت الحملة أن «خطة الكهرباء التي وعد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وحجزت لها أموال تبلغ مليار و200 مليون دولار وعرفت بخطة باسيل، استهلكت إلى الآن 400 مليون دولار، من دون أن ينفذ منها البند الأساس وهو بناء معامل جديدة».
وأكد رئيس التيار النقابي المستقلّ حنا غريب لـ«البناء» أنّ الحوار «هدفه ضرب الحراك من أجل الاستئثار بالحكم». ولفت إلى «أن تحركنا عصر اليوم من أجل إقرار المطالب المتعلقة بإيجاد حل لأزمة النفايات بعيداً من المحاصصة والرواتب والكهرباء وإقرار قانون انتخابي جديد يضع جانباً هذه الطبقة السياسية التي تغتصب الشرعية في البلد وتمتص دم اللبنانيين، وتعتقل الأبرياء الذي يتظاهرون لتحقيق لقمة عيشهم وتقمع الشعب».
وإذ لفت إلى «أن هذا الحراك الشعبي ولد من رحم هيئة التنسيق النقابية التي توحد ضدها فريقا 8 و14 آذار لضرب حقوق الأساتذة والموظفين»، أشار إلى «أنه يدعم ويؤيد بقوة هذا الحراك»، معتبراً «أن هناك تلاوين مختلفة وخصوصيات مختلفة، لكن الهدف واحد في الحراك الموحد». واعتبر «أن إيجاد حل لملف النفايات اليوم سيكون ثمرة نضال هذه التظاهرات وسوف يعطينا الزخم والمزيد من القوة والضغط في حربنا ضد الفساد وحل أزمة الكهرباء وإقرار السلسلة».
في المقابل، شددت أوساط سياسية لـ«البناء» على «أن الحراك الشعبي بات في مأزق، فالأميركيون وبهدف الترويج لميشال سليمان ثان حركوا بعض المنظمات المنطوية تحت شعار المجتمع المدني، غير أن تظاهرة التيار الوطني الحر يوم الجمعة جاءت لتقطع الطريق على ذلك».
حزب الله في بكركي: عون مرشحنا
في سياق آخر، يزور وفد من حزب الله برئاسة رئيس المجلس السياسي إبراهيم أمين السيد الصرح البطريركي في بكركي للاجتماع بسيده البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في إطار التواصل المستمر بين الجانبين عبر اللجنة الثنائية للحوار. وعلمت «البناء» من مصادر مطلعة «أن حزب الله على تواصل دائم مع البطريرك الماروني عبر لجنة الحوار التي تجتمع بشكل دوري بعيداً عن الإعلام». ولفتت المصادر إلى «أن الوفد سيؤكد على موقف الحزب الثابت والداعم والمؤيد لترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية وأنه لن يتراجع عن موقفه إلا إذا قرر العماد عون تسمية مرشح آخر للرئاسة»، مشددة على «أن حزب الله فوّض العماد عون بالملف الرئاسي وهذا لا عدول عنه». كما سيبلغ الوفد البطريرك الراعي موقف الحزب من ضرورة إقرار قانون انتخابي.