ماذا اقترح سلمان… ولماذا صادق أوباما؟
د. محمد بكر
إذا كانت السعودية كما أعلن وزير خارجيتها عادل الجبير راضية عن التطمينات الأميركية التي أدلى بها أوباما لنظيره السعودي في اللقاء الأخير حول الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية، وترى فيه عاملاً للأمان والاستقرار في المنطقة، وإذا كان أوباما قد قال لضيفه إنّ التحديات السعودية الداخلية إنما تشكل في أبعادها خطراً على السعودية أكبر من الخطر الإيراني، وإذا كان الملك «الشاحب حيناً والمرتجف أحياناً» قد أعلن أنّ لقاءه وعلاقته بالولايات المتحدة إنما بهدف إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة، وأنها مهمة ليست للطرفين فقط إنما تفيد العالم أجمع، وإذا كان البيت الأبيض قد أعلن قبيل زيارة الملك أنه سيبلغ الحليف السعودي الكفّ عن تدمير البنى التحتية في اليمن وأن لا حلّ فيه إلا الحلّ السياسي، فلماذا إذاً يتشاطر الطرفان القلق حيال سورية واليمن، ولماذا يتفقان على رحيل الأسد، ولماذا يُسرّب إعلامياً عن نية الولايات المتحدة تزويد مجلس التعاون الخليجي أنظمة دفاعية لمواجهة الخطر الإيراني، وعن صفقة أسلحة أميركية ـ للسعودية بمليارات الدولارات؟
هل تشكل تلك الطروحات عوامل أمان ومقوّمات استقرار للمنطقة؟ أم بواعث على الاشتعال، وسبلاً لتأجيج الحريق، ونسفاً لأي صيغ سياسية توافقية، أم جلّ التناقض الحاصل في التصريحات إنما يقع في إطار الازدواجية المعهودة في السياسة الأميركية؟ وهل يوجد تصعيد سعودي واستثمار في الأوقات بدل الضائعة تمّ عرضها على الجانب الأميركي؟
تدرك السعودية المراحل المتقدّمة من الفشل الذي وصلت إليه في الملفين السوري واليمني، كما تدرك أيضاً أنّ الولايات المتحدة الأميركية ماضية في المصادقة على ما اتفقت عليه مع إيران، كما تتلمّس يقيناً أنها باتت في نظر معلمها بمنزلة «الطالب الكسول» المثقل بالفشل والبلادة والغباء على عكس منافسها الإيراني الذي استطاع أن يختم سياسته «مسكاً» باللين المنتج الذي أهّله لحجز مقعده بين الكبار، بعد أن تصدى بنجاح لجملة من المراحل شديدة الخطورة ولأكثر السيناريوات «رعباً» في المنطقة، ولا سيما في جغرافيا الحلفاء، فأبدى ثباتاً منقطع النظير في سياسة الدعم للحكومتين السورية والعراقية، اللتين أفشلتا كلّ ما خطط لهما بالأداة الإرهابية، وكذلك كان اليمن الذي اعتقدت السعودية غباءً وسوء تقدير بأنه «اللقمة الأسهل» التي من الممكن أن تعيد الهيبة وشيئاً من الاجتهاد والتفوق للطالب السعودي الكسول، وإذا بجيشه ولجانه الشعبية ليس فقط يبدعون في الصمود والتصدي، بل ويعلمون الغزاة دروساً لن تمحى من ذاكرة المعتدين بسهولة، إذ يمضي اليمن في مراكمة الفشل السعودي أكداساً ستلقي بالمملكة العتيدة خارج أسوار قلعة الكبار، أمام كلّ تلك المشاهد الثقيلة في وطأتها على النفس السعودية، وبدلاً من الاستدارة المنتجة والتعامل المرن والعقلاني مع تلك الوقائع التي أفرزها المشهد الدولي، تستمرّ السياسة السعودية في الهروب من شبح فشلها في المنطقة باتجاه الأمام، لجهة المزيد من الانغماس في بحور الدم، وبناء الجدران السياسية وتدعيمها أمام تدفق نجاحات الخصوم بالشكل الذي تظن فيه السعودية أنّ تلك الجدران ستكون عصية على الاختراق، لكن ذلك في اعتقادنا سيكون الجدار السعودي الأخير الذي ينال المصادقة الأميركية، إذ يدرك فيه الأميركي أنّ موافقته لم تكن في إطار التعويل على ورقة قد تحمل في طياتها ربحاً أو مخرجات ضاغطة على الخصوم، إنما في سياق ما سيصيغه الفشل السعودي الجديد المتوقع أميركياً من صور إضافية للإذلال وتالياً الخنوع والهدوء والانصياع وعدم الهيجان والانفلات في المراحل المقبلة التي عنوانها التسويات آخر من يتكلم ويتحدث ويفرد معروضه وأوراقه فيها الفاشلون، إذ كشفت مصادر واسعة الاطلاع لصحيفة «المنار» المقدسية 4/9/2015 عن مخطط تركي سعودي للدفع بوحدات عسكرية للزحف إلى العاصمة دمشق في وقت تجرى عمليات إنزال لأسلحة ومظليين في نقاط محددة حول العاصمة بالتزامن مع تحريك للمجموعات المسلحة الموجودة في المنطقة وبمشاركة استخبارية بريطانية ما يؤمّن ثقلاً نوعياً إضافياً للهجوم، وتضيف المصادر أنّ «إسرائيل» على علم تامّ بالتحركات الجديدة على الجبهة الجنوبية، ومن هنا نفهم تلازم الخطاب والسلوك والطروحات الروسية الإيرانية في استشراف التصعيد الحاصل، إذ أعلن بوتين أنّ دولاً معينة تسعى إلى الهيمنة على دول في المنطقة، وكذلك تصريح مرشد الثورة حول طبيعة وجوهر السياسة الأميركية التي ترمي إلى القضاء على قوى المقاومة والسيطرة على سورية والعراق، وأنّ إيران لن تكون مطلقاً في إطار هذه السياسات، هذا التلازم الذي سرعان ما سرّبت في سياقه وسائل إعلام «إسرائيلية» عن إرسال قوات عسكرية روسية للمشاركة في الحرب السورية.
سواء أحصل التصعيد أم لم يحصل، فإنه في اعتقادنا أنّ أيّ توجه سعودي جديد في محاولة إعادة إحياء «عاصفة حزم» جديدة جنوب سورية، لن تثير الغبار المأمول سعودياً، والذي لن يرقى على الإطلاق إلى مستوى «تلبيد» المشهد التوافقي بين الكبار بالرمال السعودية، إذ تدرك الولايات المتحدة المفاعيل الكارثية لإطلاق النار على ما شيّدته يداها، وما صاغته من تلاق وتعامل بناء في اتفاقها مع إيران التي لن تثنيها بحسب كيري لا العقوبات ولا الحرب عن امتلاك قنابل نووية، وعلى رغم ما أعلنته مصادر دبلوماسية عربية لصحيفة «المنار» أيضاً عن أن أوباما قد طالب الرياض بعدم التدخل في ساحات المنطقة، والكف عن أسطوانة الخوف من إيران وعدم الانجرار خلف «إسرائيل» في هذه المسألة، إلا أنّ قبوله ومصادقته على اقتراح الفرصة الأخيرة حول عاصفة حزم جديدة في الجنوب السوري التي لن تثير لا عاصفةً ولا حزماً إنما يأتي إن حصل لتمتين «الرسن» الذي يجعل السعودي أكثر انقياداً وتبعيةً وولاءً وارتماءً في الأحضان الأميركية.
كاتب فلسطيني مقيم في سورية
mbkr83 hotmail.com