«أنا» و«كلوني» في طلب رئيس الوزراء
بشير العدل
ليس من باب الامتهان أو الإحساس بالغربة في الوطن أو الشعور بالدونية والهزيمة حينما أقول إنّ امرأة أجنبية هزمتني وفي عقر داري في بلادي مصر، واستطاعت أن تتفوّق على شخصي المتواضع، بل وعلى كثير من زملائي الصحافيين الوطنيين، في الفوز بلقاء رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب، لعرض وحلّ أزمة تواجه صحافيين وعاملين في المهنة.
ورغم تباين الآليات والقدرات التنافسية، بيني وبينها، غير أني كنت أظن أنّ مصريّتي ومواطنتي هي أفضل قوة أتسلح بها في تلك المنافسة، وكنت على يقين بأنها جديرة بفوزي وتحقيق هدفي في طلب مقابلة رئيس الوزراء، غير أني أدركت أنه ليس كلّ ما يتمناه المرء يدركه، وعرّفتني المنافسة أنّ الجنس والجنسية الأجنبية لهما المقام الأول، وبعد أن أدركت الفوارق بيني وبينها كوني ذكراً وهي أنثى، وكوني مصرياً وكونها بريطانية، تيقّنت أنّ الفوز ليس من نصيبي أو نصيب أمثالي.
أقول ذلك بمناسبة الحكم الصادر مؤخراً في قضية «خلية الماريوت»، والتي حضرت جلسة النطق بها المحامية البريطانية ذات الأصل العربي أمل كلوني، والتي حضرت جلسة النطق بالحكم، والحكم فقط، ليس للدفاع عن متهمين بريطانيين ولكن لتنفيذ أجندة كانت معدّة مسبقاً، وكشف ذلك سلوكها بعد النطق بالحكم، فقد مارست «كلوني» تحريضاً ضدّ مصر وقضائها بعد النطق بالحكم، وشككت في نزاهة القضاء المصري، وأرسلت برسائل دولية مفادها أنّ مصر تقمع حرية الرأي وأنّ الحكم في نظر ها «صادم»، وغنت على حرية الصحافة بالتناوب مع السفير البريطاني في القاهرة، الذي مارس هو الآخر تحريضاً من زاوية أخري لتكتمل المؤامرة على مصر والتحريض عليها وعلى قضائها وإرادة شعبها.
ورغم كلّ ذلك تهاتفتت علينا الأنباء بلقاء كلوني لرئيس الوزراء ابراهيم محلب في اليوم التالي لصدور الحكم، وتردّد أنها طالبته بالتدخل للإفراج عن المتهمين، وذلك رغم عدم صلة رئيس الوزراء بالقضية نظراً لارتباطها بالقضاء.
لم تتوقف المؤامرة عند فوز كلوني بزيارة رئيس الوزراء وانما امتدّ الأمر الى حدّ مطالبتها مقابلة المستشار رئيس المحكمة التي أصدرت الحكم، وحسناً فعل عندما رفض طلبها.
أحسن رئيس الوزراء استقبالها وهذه هي عادة مصر ان تكرم ضيوفها ولكن ما أحزنني وغيري كثيرون، أني سبق أن طلبت نفس الطلب من المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء وهو زميل فاضل، وأكثرت من طلبي وطال انتظاري دون جدوى، حتى أعرض على رئيس الوزراء أمر أكثر من 600 صحافي مصري جميعهم وطنيون، ناضلوا بقلمهم ضدّ الفساد والاستبداد حتى تغيّر وجه مصر السياسي، ومع ذلك كانت مكافأتهم هي البطالة وتشريد أسرهم وهم الصحافيون الذين كان يعمل أغلبهم في صحف حزبية مارست المعارضة الوطنية ضدّ الانظمة السياسية السابقة، وساهمت في إسقاطها.
أردت أن أصل بالأزمة الى رئيس الوزراء طلباً للحلّ، والمصريون أوْلى برعاية الحكومة لمصالحهم، واستمرّ طلبي شهوراً وأعواماً دون استجابة، حتى جاءت كلوني لمجرد أول طرقة على باب رئيس الوزراء لتنال شرف مقابلته، لتعرض عليه قضية ثلاثة أشخاص صدرت ضدّهم أحكام قضائية فعلية، وكانت استجابة رئيس الوزراء لها أسبق وأوْلى من استجابته لطلبي الذي يمثل أزمة 600 مصري، ويكفي القول مصري، فهم ليسوا في حاجة للتعريف بهم كصحافيين شرفاء ناضلوا بكلّ أمانة في سبيل وطنهم.
نحن لا نقلل من حق المتهمين الذين يعملون في قناة «الجزيرة» الانجليزية في حقهم في الدفاع عن أنفسهم واتخاذ كافة الطرق القانونية التي تبرّئ ساحتهم، ولكن نقلل من الازدواجية في التعامل من جانب مجلس الوزراء وتعامله مع المصريين على أنهم من الأجانب في المرتبة الثانية.
أقولها صريحة إنّ ما فعله مجلس الوزراء يعدّ سقطة، ورسالة جديدة بأنّ المصري آخر شيء تفكر فيه الحكومة.
كفى الحكومة شعارات، وعليها أن تقوم بواجبها تجاه المصريين أولاً، فهم الأوْلى بالعفو وتقنين الأمور، وكون هناك ما يربو على 600 صحافي بلا عمل وبلا دخل وجميعهم من أرباب الأسر فهذا في حدّ ذاته جريمة يجب ان تحاسب عليها الحكومة والجهات ذات الصلة.
لم يعد مقبولاً بحال من الأحوال التسليم بتردّي أوضاع الصحافيين، ولم يعد مقبولاً أن يستمرّ تجاهل الحكومة لهم ولمطالبهم، وهذه رسالة جديدة للحكومة وللقيادة السياسية في البلاد ألخصها في أنّ هناك أزمة حقيقية تواجه الصحافيين المتعطلين عن العمل والذين اغلقت ملفاتهم التأمينية ليخسروا بذلك أعمالهم وحتى معاشاتهم رغم هزالة قيمتها المادية، وهو ما يتوجب على الحكومة وأجهزتها سرعة العمل على حلها خاصة أنها دخلت عامها الخامس من دون تحريك أي ساكن… فهل تغيّر الحكومة من أقوالها وأفعالها وتؤمن قولاً وعملاً أنّ المصري هو الأهمّ والأوْلى بالرعاية، وأنّ المواطن المصري أعظم من الكراسي؟
كاتب وصحافي مصري
مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة