الهجرة السورية بين إطارين: الأمني والخدمي
عامر نعيم الياس
لا تتوقف منظمات الأمم المتّحدة عن الحديث عن أعداد اللاجئين السوريين في دول جوار سورية من الأردن إلى لبنان فتركيا، باعتبار الدول الثلاث من أكثر الدول استقبالاً للنازحين السوريين من جرّاء الحرب التي تدور في البلاد. هذه الاحصاءات ازدادت وتيرتها مع الأزمة الطارئة للمهاجرين في القارة الأوروبية وتحديداً من العراق وسورية وأفغانستان.
وفي هذا الإطار يجب التمييز بين موجات الهجرة السورية وتحديداً الموجتين الأساسيتين أي تلك التي بدأت أواخر العام 2011 والنصف الأول من عام 2012، والأخرى التي سلّط الضوء عليها إعلامياً الآن والتي لوحظت منذ بداية العام الحالي في الداخل السوري أي منذ كانون الثاني من عام 2015، واعتماداً على التاريخين السابقين المميزين للهجرتين يمكن التمييز بين عاملين الأول يتعلق بالسبب الذي أدّى إلى الهجرة، والثاني يتعلّق بنوعية الفئة المهاجرة أو النازحة، فالعامل الأمني والخوف من تداعيات «الربيع العربي» والفوضى في البلاد كان الدافع الذي دفع السكان في سورية إلى النزوح إلى دول الجوار بين عامي 2011 و2012، وفي هذا السياق يمكن التمييز بين فئتين الأولى تخوّفت من تداعيات سقوط الدولة السورية والفوضى التي يمكن أن تنشأ من الفراغ السياسي في البلاد ووصول الميليشيات الإسلامية المتطرفة إلى الحكم، استناداً إلى تجربتي لبيبيا والعراق في مرحلة ما بعد إسقاط الدولة وليس النظام الحاكم، أما القسم الآخر والذي يتمركز في غالبيته على الحدود التركية والأردنية واللبنانية فقد راهن على المساعدات المجانية وسرعة إسقاط الدولة السورية ومنح الدول المجاورة لسورية ورقة ضغط عبر افتعال أزمة اللاجئين. هنا لا بد أن نذكر أن المخيمات أقيمت على الحدود الأردنية والتركية واللبنانية قبل أن تبدأ موجة النزوح، لكن الخطة القاضية بالسيطرة على المنافذ والمناطق الحدودية كانت معتمدة ولذلك فإن تجهيز المخيّمات كان أمراً بديهياً. ووفق ما سبق كانت الكتلة البشرية الأكبر من غير ذوي الخبرات العلمية والتقنية العالية ومن الكتلة الصلبة والبيئة الحاضنة الداعمة بقوة لإسقاط الدولة السورية.
في العام 2015 تغيّرت المعادلة وانقلبت الأمور رأساً على عقب، فالهجرة التي تعيشها البلاد وعمليات الانتحار الجماعي في البحار، جاءت على خلفية عدم اليقين بالقدرة على حسم النتيجة في القريب المنظور أولاً، وثانياً وهو الأهم العامل الخدمي الاجتماعي والهم الحياتي المتعلّق بالحاضر والمستقبل على حدٍّ سواء في ضوء المأساة التي تعيشها حلب العاصمة الثانية، والتهديد الإرهابي بقذائف القتل الذي ارتفع منسوبه في العاصمة السياسية دمشق، فضلاً عن أزمة الطاقة ومصاردها والتي تتطور مع مرور الوقت في ضوء غياب أي خطة لمعالجة النقص المفهوم والمبرر في موارد الخزينة العامة للدولة.
إن ما سبق دفع الطبقة المتعلّمة والعاملة في سورية إلى الهجرة إلى خارج البلاد من دون أن يكون الموقف السياسي سبباً في الهجرة أو عاملاً من عواملها، فالبحث عن المستقبل والأمان والخدمات الإنسانية والمدخول اللائق للعيش الكريم بحدوده التي يعيها السوريون المتأقلمون مع أسوأ الظروف، كان العامل الأبرز في حسم الموقف لدى الكتلة لسابقة، والتي تؤثر هجرتها بشكل مباشر على التركيبة الديمغرافية للبلاد التي يهجرها شبابها المتعلّم المؤمن بثقافة الحياة وحيوية الدولة السورية بشكلها الحالي خصوصاً لجهة الجانب الاجتماعي المدني.
بين مرحلتين، تواجه سورية نزفاً مختلفاً من الهجرة، يمكن تسميتها بهجرة الشباب المتعلّم والطبقة الوسطى المدنية التي أرهقتها الحرب، بينما يبقى العامل الاجتماعي الخدمي الاقتصادي الأبرز في دفع السوريين إلى الهروب متفوقاً على العامل الأمني العسكري في بلدٍ اعتاد المواجهة بكرامة على الدوام.
كاتب ومترجم سوري