المشرق وصراع «الأوراسيّتين» ٣/١

التحوّلات الجيو ـ استراتيجية والاقتصادية العالمية وانعكاسها على المشرق، عنوان دراسة وضعها الباحث رياض عيد، تناول عبرها موقع الهلال السوري الخصيب في الاستراتيجيات الدولية، وانعكاس صراع هذه الاستراتيجيات على الهلال الخصيب.

لقد تطرّق الباحث في دراسته إلى نظرية «أوراسيا» التي تشكل التحدي الأساس للاستراتيجية الأميركية الهادفة إلى منع قيام «الاتحاد الأوراسي» تسهيلاً للعدوان على مناطق ضفاف أوراسيا سواء في الهلال الخصيب أو في أفريقيا أو في شواطئ آسيا على المحيط الهادئ، وبالنتيجة يصل الباحث إلى 5 خلاصات توزّعت مواضيعها بحسب التالي:

اتجاه العالم إلى التكتلات ما فوق القومية وسط صراع دولي على فرض التعددية القطبية في مواجهة الأحادية القطبية التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية.

التكتلات ما فوق القومية فرضت مفاهيم جديدة للسيادة والأمن وبالتالي أصبحت المحاور المتصارعة ملزمة أن تكون منسّقةً مع أحد المحاور التي تؤمن مصالحها.

سقوط النظام الرأسمالي وضعف القبضة الأميركية على العالم شكّل فرصة لدول الهلال السوري الخصيب لتنفض عنها عبء سايكس بيكو.

إن معركة القرن الواحد والعشرين تُحسم لمصلحة أي فريق دولي يملك السيطرة على الهلال الخصيب نظراً إلى الجغرافيا السياسية العائدة له إضافة إلى موارده الطاقوية.

أفرزت حرب الطاقة التي تُخاض في الهلال الخصيب سقوط النظام العربي وسقوط الإسلام السياسي بشقيه الإخواني والتكفيري، كذلك سقوط العروبة الوهمية وسقوط النظام القومي العربي الذي فشل في تحقيق نظام الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

وبالتالي فإن الهلال الخصيب بات وسط 3 مشاريع، أولاً، المشروع اليهودي «الإسرائيلي» المتلاقي مع مشاريع خليجية وهابية إخوانية. ثانياً، المشروع الإخواني العثماني التركي المتحالف مع الرباعي الخليجي السعودية ـ قطر ـ الإمارات ـ الكويت . ثالثاً، المشروع الإيراني وهو المقاوم للمشروعين الأولين بتحالفاته الممتدة من لبنان المقاومة إلى سورية إلى العراق إلى اليمن وحتى إلى محور شنغهاي للتعاون، ويخوض هذا المحور معركته ضد أميركا في الهلال الخصيب وفق تحالف سياسي ـ اقتصادي مع روسيا والصين.

لقد أشار الباحث إلى أن هذا المحور قام بتجربة القوى الشعبية الداعمة للجيوش حيث أثبتت هذه التجربة فعاليتها، إضافةً إلى إشارته بأن أحد أهداف الصهيو ـ أميركية هو ضرب الدولة المدنية العلمانية في الهلال الخصيب وهذا ما يجري اليوم ضد الدولة السورية. لأجل هذه الاستراتيجية الغربية ولدت «دولة إسرائيل» لتكون الرقم الأساس في تحقيق المشاريع الغربية الآيلة إلى تفتيت المنطقة وإزالة انتمائها القومي.

في هذا العدد يتطرق الباحث إلى موقع الهلال الخصيب في خريطة صراع الاستراتيجيات الدولية، بين الأرواسية الروسية والأوراسية الأميركية.

ولقد أشار الباحث إلى موقع الهلال الخصيب على حافة اليابسة الأوراسية بالنسبة إلى الولايات المتّحدة الأميركية. كما عرض إلى النظريات التي تطرّقت إلى الأوراسية كعقيدة استراتيجية، من هالفورد ماكندير إلى نيكولاي سبيكمان إلى زبيغينيو برجنسكي الذي أشار في كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى» إلى أهمية منطقة أوراسيا للولايات المتحدة الأميركية.

كما أشار الباحث إلى التحوّلات الجيو ـ استراتيجية العالمية الكبرى وأثرها في الهلال الخصيب، من سقوط جدار برلين إلى تفكك الاتحاد السوفياتي، إلى بروز أميركا كنظام أحادي الاستقطاب إلى تغيير الإدارة الأميركية لاستراتيجيتها المتمثلة بنقل مركز الثقل الاستراتيجي لديها من الشرق الأوسط إلى محيط الباسيفيك، وجعل الأخوان المسلمين والمنظمات التكفيرية وكلاء عنها في المنطقة، أيضاً إلى وصول الرئيس بوتين إلى السلطة في روسيا عام 2000 وبروز العقيدة الأوراسية كعقيدة أساسية في استراتيجية الدولة الروسية الجديدة.

رياض عيد

عصفت بالعالم نهاية القرن الماضي وبداية هذا القرن تحوّلات جيو ـ استراتيجية كونية كبرى وأحداث مفصلية تركت آثاراً وتداعيات سياسية كارثية على العالم بشكلٍ عام والمشرق والهلال السوري الخصيب بشكلٍ خاص المشرق أو الهلال الخصيب أو بلاد ما بين النهرين أو سوراقيا كلها أسماء لمسمى واحد ، ولما كانت الجغرافية السياسية هي العامل الأكثر تأثيراً في رسم سياسات الدول الاستراتيجية والاقتصادية، وتحديد موقع هذه الدول في الاستراتيجيات الإقليمية والعالمية، ونظراً لموقع الهلال الخصيب الجيو ـ استراتيجي كنقطة التقاء ثلاث قارات وعقدة طرق برية وبحرية وجوية تربط العالم، وكواحدة من أهم مناطق التداخل بين هذه القوى البرية والبحرية والقوى الجوية، والتي تشكل جزءاً حساساً للغاية من منطقة مصير العالم وفق طرح عالم الجيوبوليتيك المارشال الكسندر دو سيفرسكي عن القوى الجوية عندما قال: «هذه المنطقة العربية هي المعبر الذي يربط قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهي مفتاح الدفاع الجوي عن قارتي أفريقيا وأوروبا». وهي منطقة مفصلية في الاستراتيجيتين الأوراسية الروسية و الأوراسية الأميركية اللتين كانتا ولا تزالان محور حركة الصراع الكوني للسيطرة على العالم، ولما كنا نحيا عصر العولمة وثورة الاتصالات والمعلوماتية التي اختصرت الزمن والمسافات وجعلت العالم قرية كونية صغيرة مشرعة الأبواب والنوافذ أمام التدخل الخارجي. ولما كان هذا الزمن هو زمن التكتلات ما فوق القومية والمحاور الإقليمية والدولية المتصارعة لرسم نظام عالمي جديد، ما فرض مفاهيم جديدة للسيادة والأمن السيادة التساندية والأمن التعاوني المرتكز إلى قاعدة توازن المصالح بين الأحلاف بدل الأمن الاستراتيجي القائم على توازن القوي . ولما كان الاقتصاد الذي بات معولماً أيضاً في عصر العولمة هو السبب الأساسي للحروب التي عصفت بالعالم منذ القدم حتى الآن، ولما كان الهلال السوري الخصيب يتجاذبه صراع عالمي على الطاقة منذ بداية القرن الماضي لما يختزنه من خامات إضافة إلى الموقع الجيوسياسي الذي يحسم من يسيطر عليه السيطرة على العالم. لذا لا بد لنا ونحن ندرس التحولات الاقتصادية الكونية وأثرها على دول المشرق من أن ندرس أولاً:

أ- ماذا يمثل الهلال الخصيب بالنسبة إلى أميركا وروسيا كي تختاره أميركا مسرحاً جديداً للصراع.

ب- ما هي التحولات الجيواستراتيجية العالمية الكبرى وأثرها في الهلال الخصيب.

ج- ما هي المشاريع الدولية والإقليمية الكبرى التي تتصارع في الهلال الخصيب وعليه، وما هي طرق التعامل معها أو مواجهتها .

أ- تأثير الجيوبوليتيك في صناع القرار عند الدول الكبرى روسيا وأميركا وأهمية موقع الهلال الخصيب الجيوسياسي في نظر الجيوبوليتيكيين، وفي استراتيجية روسيا وأميركا كي تختاره أميركا مسرحاً جديداً للصراع.

لا نستطيع أن نفهم أهمية الهلال السوري الخصيب الذي يقع في وسط وجنوب حافة اليابسة الأوراسية بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، من دون إلقاء الضوء على المنطلقات الأساسية لعلماء الجيوبوليتيك الأميركيين، المؤثرين بشدة في صنع الاستراتيجيات للرؤساء. هنا نذكر ثلاثة من أهم المفكرين الاستراتيجيين مثالاً على هذا التأثير: الأول هو العالم الجغرافي البريطاني الشهير هالفورد ماكندر في عام 1904 الذي ألف كتابه الشهير «المحيط الجغرافي للتاريخ»، وهو أحد أشهر كتب الجيوبوليتيك في العالم. وفي هذا الكتاب ظهرت نظرية ماكندر الشهيرة «قلب الأرض» إلى الوجود، وماكندر أول من نبه إلى أهمية أوراسيا وحافة اليابسة واعتبرها نقطة الارتكاز الجغرافي ومن يسيطر عليها يسيطر على جزيرة العالم ومن يسيطر على جزيرة العالم يسيطر على العالم ويقصد ماكندر بجزيرة العالم القديم آسيا وأوروبا وأفريقيا. ولقد فهم نابليون أهمية قلب اليابسة قبل ماكندر عندما توجه إلى روسيا وكذلك تأثر قيصر ألمانيا وليم الثاني وهتلر وموسوليني بأهمية قلب اليابسة للسيطرة على أوروبا والعالم. تصادمت نظرية ماكندر مع المقولات الانطلاقية الإنكليزية القاضية بالسيطرة على الطرق البحرية لضمان السيطرة على العالم، ولذلك تأسس التصادم الفكري بين النظريتين على قاعدة أن «القوى التي تسيطر على أوراسيا يمكنها مهاجمة مستعمرات القوة البحرية» كما اعتقد ماكندر بشدة. وأوراسيا هي المنطقة الواقعة بين شرق أوروبا في الغرب وآسيا الوسطى والقوقاز في الشرق، والكلمة مشتقة من أوروبا وآسيا للدلالة على منطقة التماس بين القارتين. عانى ماكندر من مركزية أوروبية مفرطة في تحليلاته، ودخلت تقديراته المتواضعة عن أهمية الجغرافيا العربية ساحات الانتقاد لنظريته من أوسع أبوابها. كـما أنه، وبسبب الاحتياطات الهائلة من النفط والغاز في الشرق الأوسط المكتشفة بعد ماكندر لم يعد ممكناً لأي قوة عظمى أن تدعي أنها كذلك، من دون أن تضع الشرق الأوسط في إطار بيئتها الأمنية والاستراتيجية.

والثاني نيقولاي سبيكمان الذي بنى نظريته أيضاً على حافة اليابسة بالنسبة إلى أوراسيا Rime Land أو الهلال الداخلي، حيث اعتبر من يسيطر على حافة اليابسة يسيطر على أوراسيا ومن يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم.

والثالث هو زبغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق جيمي كارتر و أستاذ السياسة الخارجية بجامعة جون هوبكنز واشنطن والمستشار غير المعلن والأكثر تأثيراً في باراك أوباما. حيث سلط الضوء في كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى» الذي ألفه عام 1997 على أهمية منطقة أوراسيا للولايات المتحدة الأميركية، التي تسبق الشرق الأوسط في أهميتها من المنظور الأميركي. تأثر بريجينسكي بما كتبه ماكندر حيث قال: «انتقل علم الجيوبوليتيك من البعد الإقليمي إلى البعد الكوني. مع وجود أهمية استثنائية لمنطقة أوراسيا في المصالح الكونية الأميركية. وأميركا باعتبارها قوة لا تنتمي إلى أوراسيا تمدد سيطرتها إلى الحواف الثلاث لمنطقة أوراسيا، والعدو المحتمل لأميركا في أي سياق تنافسي دولي مقبل لا بد له من أن يسيطر على منطقة الأوراسيا. وهكذا يتوجب على أميركا أن تمنع أياً من القوى الكبرى، روسيا أو الصين أو القوى الإقليمية الصاعدة مثل إيران وتركيا، من السيطرة على منطقة الأوراسيا». سيطرت أميركا منذ الحرب الباردة على ما أسماه بريجينسكي «رؤوس الجسور القارية»، لاحتواء الاتحاد السوفياتي ومنع تمدده. في هذا السياق، كان الهلال السوري الخصيب وما زال رأس الجسر الكبير إلى الجنوب من أوراسيا، وتدخلات أميركا كلها في الشرق الأوسط خلال الحرب الباردة كانت بهدف احتواء وعزل الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك الانقلاب الذي وقع على الزعيم الإيراني محمد مصدق وحكومته المنتخبة ديمقراطياً عام 1953 والانقلاب على الوحدة المصرية – السورية عام 1961 ثم حرب عام 1967 وما تلاها لاحقاً من تدخلات بهدف احتواء وريثته روسيا.

ولا يزال حتى الآن التدخل الأميركي في الهلال السوري الخصيب يجرى تحت هذه العناوين وآخر مثال على هذا هو جواب الجنرال ذي النجوم الأربع مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة على سؤال السناتور بوب كوركر في جلسات الاستماع الأخيرة في الكونغرس الأميركي، حول الأهداف التي يسعى إليها في حملته السورية، بصراحة عسكرية مباشرة: «لا يمكنني أن أجيب على هذا السؤال، بخصوص الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها».

«السلام والأمن» عبر الحرب

أعتقد أن بمقدورنا تحديد ثلاثة أهداف رئيسة مترابطة من بين أهداف واشنطن التراتبية في «المشروع السوري»:

1ـ تمهيد طريق العدوان وصولاً إلى حدود روسيا.

2ـ خلق الشروط الكفيلة بإشعال «الحرب العالمية الثالثة».

3ـ الحفاظ على نظام عملة البترودولار.

إذاً كما كانت منطقة الهلال السوري الخصيب وما زالت تمثل رأس الجسر الكبير إلى الجنوب من أوراسيا، بالنسبة إلى استراتيجية أميركا، هي كذلك بالنسبة لروسيا أكبر دول العالم مساحة بحدود 18 مليون كم2 بعد ضم القرم ، حيث تعتبر أن دول الهامش أو الحافة أو التخوم، هي خطوط الدفاع الأول عنها، ولن تسمح لأحد بالسيطرة عليها. وبالتالي بات الشرق الأوسط برمته أولوية أمنية واستراتيجية ومنطقة مفتاحية بالنسبة إلى الأوراسية الروسية. والدفاع عنها ومنع السيطرة الأميركية عليها هي كالدفاع عن موسكو .

وبحسب تعبير الكسندر دوغين زعيم الأوراسيين الجدد في روسيا ومؤلف كتاب أسس الجيوبوليتيك أن المشروع الأوراسي التكامل بين المحاور البرية بزعامة روسيا يعتبر العالم العربي أحد أحزمته الثلاثة الأورو أفريقي إلى جانب الحزام الأوراسي ومثيله الباسيفيكي والذي عليه يبنى أمل الحد من هيمنة القطب الأميركي، لأن الشرق الاوسط نقطة صدام جيوبوليتيكي مع أميركا وانتصار روسيا فيها يجب أن يكون حتمياً. ويعتبر دوغين أن المشروع الأوراسي في الهلال الخصيب يقف أمامه عائقين:

الأول: يخص المضمون الإيديولوجي للمشروع العروبي، وهذا أمر متروك- بالنسبة إلى ألكسندر دوغين- للعرب. وهو يدخل في باب المقدور عليه. أما الأمر الثاني والذي يستحيل معه تحقيق المشروع فهو المنطلق الأصولي الإسلاموي في إقامة دولة الخلافة.

ويعتبر دوغين أن الرئيس بوتين هو مرسل لتحقيق حلم الأوراسية الروسية وإعادة مجد روسيا العظمى. بالإضافة إلى أن العديد من المحللين الجيوبوليتيكيين والجيواستراتيجيين يؤكدون أن «الوحدة الأوراسية»، إن تحققت تشكل حالة مرعبة للأميركيين، لأنها منطقة ارتطام القوى الدولية الكبرى منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية للسيطرة على العالم سياسياً واقتصادياً حتى يومنا هذا.

ب- ما هي التحولات الجيواستراتيجية العالمية الكبرى وأثرها في الهلال السوري الخصيب.

1ـ سقوط جدار برلين ثم سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه في أواخر القرن الماضي، ما أدى إلى اختلال التوازن الثنائي الدولي، وفقدان أمتنا وحركات التحرر نصيراً كبيراً في صراعهما الوجودي مع عدونا الغاصب وقوى الاستعمار ما أدى إلى سقوط نظام الثنائية القطبية الذي حكم العالم بعد الحرب الكونية الثانية وإبان الحرب الباردة، وأخلى الساحة الدولية لأميركا كقوة أحادية تتحكم بالكون بنظام أحادي جائر.

2ـ بروز أميركا كنظام استعماري أحادي الاستقطاب إثر سقوط الاتحاد السوفياتي وتسلم المحافظين الجدد الحكم فيها بحلمهم الإمبراطوري لحكم العالم، وتوسيع الحلف الأطلسي ليشمل قسماً من دول أوروبا الشرقية سابقاً، ما أدى إلى تطويق روسيا وعزلها بغية تفكيكها واعتمادهم الليبرالية كنظام اقتصادي حاكم للكون بعد سقوط الشيوعية، واعتبارهم مفتاح بقاء أميركا كامبراطورية تحكم العالم هو السيطرة على مصادر النفط والطاقة، والتحكم بمساراتها وإبقاء تسعيرها بالدولار فقط، واعتمادهم الحروب الاستباقية كعقيدة جديدة لهذا الفكر الإمبراطوري… ولما كان الهلال السوري الخصيب ودول الخليج تختزن أكثر من 60 في المئة من احتياط العالم من الطاقة، واجه الهلال الخصيب ولا يزال يواجه مع العالم العربي تداعيات هذا الحلم الإمبراطوري الأميركي حروباً واجتياحات وتدمير للدولة والمجتمع والاقتصاد.

3ـ تغيير الادارة الأميركية أولوياتها في عهدي أوباما الأول والثاني مرات عدة وذلك للتخبط الأميركي في المنطقة، حيث أصبحت:

أولاً: التصدي لصعود الاقتصاد الصيني الذي تجاوز الاقتصاد الأميركي هذا العام وفق مؤشرات صندوق النقد الدولي، حيث وصل الناتج الاقتصادي للصين هذا العام إلى 17.6 تريليون دولار، بينما تقهقرت الولايات المتحدة الأميركية إلى المركز الثاني بناتج اقتصادي لا يتجاوز 17.4 ترليون دولار، ولهذا قررت أميركا الانسحاب من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى وجنوب آسيا للتصدي للعملاق الصيني المزاحم لها اقتصادياً وسياسياً، واعتمادهم الإخوان المسلمين والتنظيمات التكفيرية كوكيل للمصالح الأميركية ـ «الإسرائيلية» في المنطقة، ثم بعد فشلهم استنفروا جيش القوى التكفيرية العالمية وكلفوا الخليج العربي بتمويل وتسليح وحشد الإرهابيين بالتنسيق مع تركيا و»إسرائيل» لتنفيذ حروبها بالوكالة وتدمير الهلال الخصيب وإقامة الشرق الأوسط الإثني الجديد وسايكس ـ بيكو 2 بعد استنفاذ أهداف سايكس ـ بيكو 1 لتقسيم المقسم إلى كيانات عرقية ومذهبية تخدم إذكاء الفتنة السنية الشيعية التي تضرب وحدة المجتمع وتتصدى للتمدد الإيراني الروسي والصيني في المنطقة. لكن أوباما اكتشف فجأة وبعد فشل القوي التكفيرية في إسقاط النظام السوري وتبدل الموقف العسكري لمصلحة النظام، إن الفراغ في الشرق الأوسط سرعان ما بدأت تملأه إيران وروسيا، فانقلبت كل حسابات أوباما وقرر أن تكون عودته هذه المرة بالقوة العسكرية لاحتلال المنطقة من بوابة محاربة الإرهاب، فأوعز لداعش كي تقوم بغزوة الموصل والأنبار وفق اعترافات الجنرال ويسلي كلارك لـCNN حيث قال: نحن من صنع داعش ، معتقداً هذه المرة أن لا سبيل لتحجيم دور روسيا وعزل إيران ومحاصرة الصين إلا من خلال السيطرة على البوابة الهلال السوري الخصيب ، التي تمثل وفق الاستراتيجيين الروس «مفتاح موسكو»، إذا سقطت الأولى ذهبت الثانية في مهب الريح، وأصبحت إيران من دون مخالب ولا أنياب وفقدت عمقها العربي الحيوي، وانتهى محور المقاومة كما سبق ووعد أوباما من فترة حيث قال: «لن نسمح لإيران بتفريخ منظمات على شاكلة حزب الله في المنطقة».

ثانياً: مواجهة العجز التجاري والدين الداخلي للخروج من أزمتها الاقتصادية التي أصابتها عام 2008 ولا تزال من دون حل. وتوصية الكارتيل الصناعي التسليحي في أميركا المدعوم من المحافظين الجدد ، بأن لا مخرج لأميركا من أزمتها الاقتصادية إلا بحلين :

الأول: الاستعجال بتصدير بترول الرمال والغاز الصخري الأميركي إلى العالم بعد الاكتفاء الذاتي الذي ستحققه أميركا نهاية عام 2016، وهذا إجراء طويل .

والثاني: فوري ونتائجه مضمونة، وهو إشعال الحروب في الشرق الأوسط وفق نظرية نشر الفوضى الهدامة. والمصلحة الأميركية منها هي:

– تدمير المنطقة وإنهاكها، إرباك إيران وإلزامها بالتنازل في المفاوضات النووية مع 5+1، واستنزافها وقطع مشروع أنابيب الغاز الإيراني إلى ساحل سورية .

– استنزاف روسيا بمنعها من استغلال غاز المتوسط بعد عقودها الطاقوية مع سورية.

– محاصرة الصين عبر قطع طريق الحرير الصيني وخط سكك الحديد السريع الذي سيصل شنغهاي بساحل سورية على المتوسط، والتي بدأت الصين بإنجازهما لكسر تطويق أميركا لها في مضيق ملقا الذي يمر منه 75 في المئة من الطاقة إلى الصين.

– تحريك مصانع الأسلحة وبالتالي تحريك العجلة الاقتصادية الأميركية، وقد انتعش الاقتصاد الأميركي وانخفضت البطالة، بعد حرب داعش في المنطقة بحسب الموشرات الاقتصادية الأميركية التي صدرت أخيراً عن شركات الأسلحة المتعاقدة مع وزارة الدفاع البنتاغون وفي الأشهر الثلاثة الأولى لغزوة داعش حيث زادت أسهم شركة لوكهيد مارتن بنسبة 9.3 في المئة، وارتفع سهما شركتي ريتون ونورث ثروب غرامان بنسبة 3.8 في المئة، وسهم جنرال دايناميك بـ4.3 في المئة وبات الشرق الأوسط أكبر سوق استهلاكية للأسلحة العام الماضي وهذا العام.

سقط سهواً أن نذكر أن مقالة وطن بين وثيقتين التي نشرت أمس هي من إعداد د. نسيب ابوضرغم

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى