ما يحاك من ورائكم
سحر أحمد علي الحارة
بعد سنة من نكسة حزيران عام 1967، عُقد «مؤتمر بغداد للشعر العربي»، فكانت المواجهة المباشرة الأولى بين شعراء القصيدة العربية في سائر أشكالها آنذاك، ومنها أشكال كانت تقف وراؤها الاستخبارات الغربية حتى باعترافات بدر شاكر السيّاب في أواخر أيامه وذلك تلبية لمؤتمر لندن مطلع القرن العشرين. ومن أخطر بنود مؤتمر لندن، تدمير مقوّمات الهوية العربية، وأوّلها تدمير اللغة العربية الشاعرة، ثم الشعر عبر فرطه إلى أشكال مشبوهة بِاسم «التقدّم الشعري»، ليصير نهايةً إلى لاشيء!
كانت هذه المواجهة آنذاك باشراف الوزير العراقي الشاعر شفيق الكمالي، وربما سمّاها بعضهم مواجهة بين برجوازيين وثوريين في الأدب والشعر، لكأنما تنبأوا ما يحري اليوم بين ما يسمّى «ثورة الربيع العربي» التي نفثتها الصهيونية العالمية، وبين وطنيين أصحاب هوية وقضية!
ثم إنه نزار قباني ـ شاعر الياسمين الدمشقي ـ يردّ على المؤتمرين جميعاً، كأنما يقول لهم: «أين أنتم ممّا يحاك من ورائكم؟»، وذلك عبر قصيدته الهمزية الشهيرة آنذاك، التي يُظهِر فيها تلاشي الشعر إلى أجزاء، تماماً كما الجغرافية العربية.
فيقول:
وحدويون… والبلاد شظايا
كلّ جزء من جسمها أجزاء
لا يمين يهمّنا… لا يسار
تحت حدّ السكّين نحن سواء
رعى الله أيام زمان، ورحم الله شاعر الياسمين نزار قباني. وحرس الله شاعرنا الذي قال في مؤتمر وسطى المدائن ـ حمص ـ عام 1978:
استنسرت وهي بغاث الحمى
حتى استبغث النسر
إن يزعم تقدّما فكما
في عصرنا تقدّم الشعر