نهر البارد… اليرموك… والآن عين الحلوة
راسم عبيدات
دائماً كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق عودتهم الى ديارهم وفق القرار الأممي 194 في دائرة الاستهداف «الإسرائيلي» والقوى الاستعمارية من أميركان وغرب استعماري، فهي شاهد على أطول نكبة في التاريخ البشري الحديث شعب كامل يُطرد ويُهجّر من أرضه بفعل القوة الصهيونية والتواطؤ الاستعماري الغربي معها، ويمنع بالقوة من العودة الى أرضه، وعدم عودته وبقائه في مخيمات اللجوء في ظروف تفتقر إلى كلّ شروط ومقومات الحياة الإنسانية، هي في الدرجة الأولى ماساة إنسانية، تتحمّل مسؤوليتها هيئة الأمم المتحدة وكلّ وكالاتها الدولية، وفي المقدمة منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين أونروا ، وبقاء واستمرار هذه المأساة وإصرار أهلها على العودة إلى أراضيهم، يبقى شاهد على عجز العالم والمؤسسات الدولية عن تطبيق قرارات الشرعية الدولية، في انتقائية وازدواجية غير مسبوقتين في تطبيق وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية عندما يتصل ويتعلق الأمر بـ«إسرائيل»، واستمرار وجود قضية اللاجئين حية في ذاكرة الشعب الفلسطيني يعني بأنّ ذلك يشكل خطرا مستقبليا ووجوديا على دولة الاحتلال التي احتلت أرضهم بقوة السلاح وطردتهم منها، وبقاؤهم بمثابة الكابوس لهذه الدولة، ولذلك وجدنا بأنّ اسرائيل ومعها اميركا ودول الاستعمار الغربي، كانت جاهدة من أجل إيجاد حلول تضمن عدم عودة اللاجئين الى ديارهم، بل خيضت صراعات وحروب وطرحت الكثير من المبادرات، والتي تحمل في جوهرها التصفية والتوطين للاجئين الفلسطينيين، إما في الدول الموجودين فيها، او الترحيل القسري الى العديد من الدول الأوروبية، وعلى وجه التحديد كندا واستراليا والدول الإسكندنافية، ولكن تلك الحلول والمبادرات فشلت، بفضل صمود الفلسطينيين ورفضهم المغادرة الى أي بلد كان، سوى العودة الى ديارهم وبلدهم وأرضهم التي طردوا منها.
مع انهيار وتفكك النظام الرسمي العربي، والتغيّر في دوره ووظيفته وبنيته في المنطقة، وحدوث تحوّل في نظرته وعلاقاته مع دولة الاحتلال، بحيث باتت اطراف من هذا النظام، لا ترى في «اسرائيل» العدو المركزي للأمة، بل بعض اطراف النظام العربي الرسمي مشيخات الخليج ، أصبحت تنسق مع العدو أمنياً، ناهيك عن العلاقات السياسية والاقتصادية، وهذه الأطراف لم تعد ترى في فلسطين قضية العرب الأولى، وتجد بأنها عبئاً عليها يجب التخلص منها، وبالتالي هي لا تعترض على أية مشاريع متعلقة بقضية اللاجئين، حتى لو كان الثمن التوطين او حتى التصفية.
وكانت «البروفا» الأولى لتصفية حق العودة وتدمير المخيمات الفلسطينية، ومنع إعمارها وعودة سكانها إليها قد بدأتها عصابات «فتح الإسلام» عام 2007 بالهجوم على الجيش اللبناني وقتل وجرح العشرات من جنوده، ومن ثم الهروب والتحصن في مخيم نهر البارد، حيث قام الجيش اللبناني بمحاصرته وتدميره بغرض القضاء على تلك الجماعة الإرهابية، وتسبّب ذلك في نزوح سكان المخيم عنه، بعد تدميره، وحتى اللحظة لم يتم السماح للكثير منهم بالعودة إليه، ناهيك عن تباطؤ عمليات إعماره المقصودة، كحلقة في تصفية قضية اللاجئين.
حرب التصفية للقضية الفلسطينية وبالذات مرتكزها الأساسي قضية اللاجئين… تشارك فيها أطراف عربية وإقليمية ودولية، حيث الصورة تتضح أكثر فأكثر بعد ما يُسمّى بـ«الثورات العربية» ودخول كامل المنطقة العربية في حروب التدمير الذاتي، المستهدفة للجغرافيا العربية تفكيكاً وتركيباً، وكذلك المستهدفة لثرواتها وخيراتها وجيوشها ومؤسساتها نهباً وتدميراً وتفكيكاً.
تدمير مخيمي اليرموك وعين الحلوة، قتل وتشريد سكانهما من قبل ما يُسمى بعصابات «جند الشام» أو «أحرار الشام» يحمل أكثر من رسالة خطيرة وذات بعد استراتيجي، في أولها وأخطرها تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإلغاء الدور التاريخي والوطني والرمزي للمخيمين، فهما الأكبر جغرافياً، وهما عاصمتا اللجوء الفلسطيني في سورية ولبنان، ورمز كفاح شعبنا الفلسطيني ونضاله، وتمسك أهلهما بحق العودة، سيبقى شاهداً على مأساة شعبنا وجرائم الإحتلال الصهيوني بحقه.
مخيما اليرموك وعين الحلوة يشكلان ثقل القرار الفلسطيني… والمسألة أبعد من الصراع على النفوذ والقيادة، بل القوى التي أوكل لها تحالف قطر- تركيا تدمير مخيم اليرموك، هي التي تلعب نفس الدور في عين الحلوة، والاستهداف في عين الحلوة يطال منظمة التحرير، وعلى وجه التحديد حركة فتح والتي جرى اغتيال اكثر من قائد ومسؤول لها هناك، وتفجير الأوضاع في المخيم أتى بعد القاء القبض على المجرم أحمد الأسير، والذي كان يقود ويشرف على عمليات القتل والتفجيرات هنا وفي الشام وبالتحديد في اليرموك واكثر من منطقة لبنانية ضمن المخطط المرسوم…
لا مجال للتعايش مع تلك العصابات المجرمة ممن يسمّون أنفسهم جند الشام، فالمطلوب من فتح وقوى منظمة التحرير وكل القوى الشريفة سحق تلك العصابات لأنّ لها أهدافاً واجندات مشبوهة وحجم الخسارة المترتبة على سحقها الآن سيكون أقلّ بكثير عن المستقبل.
مخيم اليرموك لحق بعين البارد، وعدد كبير من سكانه هجروا منه، وجزء كبير خرج الى المنافي في رحلة تيه ونكبة جديدة، ناهيك عن أنّ المخيم لا يسمح بإعماره، ومن تبقى من سكانه يفرض عليهم حصار مشدّد ويجري اختطافهم من قبل تلك العصابات التكفيرية المجرمة، والآن جاء دور مخيم عين الحلوة، فتفجير وتدمير مخيم عين الحلوة كأكبر مخيم فلسطيني في لبنان، يجعل من السهل تصفية الوجود الفلسطيني في المخيمات الأخرى، هنا الثقل البشري والسياسي والعسكري والقيادي أيضاً.
الحرب على الوجود الفلسطيني وعلى حق العودة يدار من قبل الكثير من الأطراف المتورطة به على المستوى التخطيطي «إسرائيل» وأميركا وقوى الغرب الإستعماري، وقوى عربية وإقليمية، تسلح وتموّل وتدرّب، وعصابات متسترة بالدين تقوم بعملية التنفيذ، ولذلك الصوت الفلسطيني في كلّ أماكن تواجد شعبنا في الداخل والخارج والشتات، يجب أن يرتفع عالياً وبشكل موحد، من أجل إنقاذ مخيمات شعبنا مما تتعرّض له من عمليات حصار وتجويع وترويع وتشريد وقتل، ويجب على الدول العربية التي شكلت ما يُسمّى القوة العربية المشتركة» للدفاع عن الأمن القومي العربي، والتي مارست اولى «بطولاتها» على فقراء اليمن، ان تعمل على توفير الأمن والحماية لمخيمات شعبنا في سورية ولبنان، وكذلك على الدول العربية، وبالذات التي ترتبط بعلاقات قوية وتشغيلية وتمويلية للعصابات التي تحاصر مخيم اليرموك وتمنع عودة سكانه، وتحاول تفجير الأوضاع في مخيم عين الحلوة في لبنان، ان تطلب منها إخلاء مخيم اليرموك وتركه وشأنه، وان تلجمها عن إجرامها ومحاولاتها لتفجير الأوضاع في مخيم عين الحلوة. وكذلك على المؤسسات الدولية، وفي المقدّمة منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين أونروا أن تتحمّل مسؤولياتها تجاه شعبنا هناك، فهي المسؤولة عن رعاية اللاجئين، والمأساة التي حصلت لهم بفعل النكبة.
Quds.45 gmail.com