تحذير سياسي وشعبي من محاولة نقل جثة لحد إلى لبنان… واحتجاجات

كتب المحرر السياسي

المواقف الصادرة عن القيادات الروسية والألمانية كانت محور توقف المراقبين، بعدما بدا أنّ التحرك حول التسويات يشكل الاتجاه الذي لا يحق لأيّ دولة عظمى الوقوف في طريقه بعد التوقيع على التفاهم النووي مع إيران، فالقبول الأميركي بالتفاهم قدّم نموذجاً للعقلانية السياسية التي لا يحق لواشنطن منع الآخرين عنها في الملفات التي تهمّهم بذات الدرجة التي كانت اهتمامات واشنطن بالملف النووي الإيراني.

يصف مصدر ديبلوماسي على اتصال وثيق بالموقف الألماني، أنّ برلين التي تضامنت مع المواقف الأميركية بصدد الملف النووي الإيراني والأزمتين السورية والأوكرانية تدرك أنّ الاهتمام الأميركي بسورية وأوكرانيا لا ينطلق من ذات المعايير ولا يخضع لذات الحسابات التي قاربت عبرها واشنطن الملف النووي الإيراني، لأنّ واشنطن ليست على تماس مع تداعيات هاتين الأزمتين بمثل ما كان الملف النووي الإيراني يعنيها، بينما ألمانيا التي تتصدّر لائحة الدول المضيفة للاجئين السوريين، والمعنيّ الأول بتداعيات الأزمة الأوكرانية ومستقبل أوروبا ووحدة كياناتها ومخاطر التصدّع الديني بين الكاثوليك والأرثوذكس، وجدت نفسها شريكاً موضوعياً لروسيا في الملفين السوري والأوكراني، وقد عبّرت عن ذلك مؤشرات صدرت أمس بتشديد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على استحالة بلوغ حلّ للأزمة السورية لا يكون لروسيا دور حاسم فيه، بينما كانت تستمع إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يقول إنّ الرهان على ضرب «داعش» من دون الجيش السوري هو تفكير سخيف، وهي كانت تتلقى للتو من وزير خارجيتها تقرير نتائج أعمال وزراء خارجية النورماندي تمهيداً لقمة ستحضرها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطلع الشهر المقبل، لوضع اللمسات الأخيرة على الحلّ الأوكراني بعدما أجمع الوزراء على الإشادة باستقرار تطبيق التفاهمات التي أقرّها القادة في قمة مينسك السابقة لدول النورماندي التي تضمّ روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا وتستضيفها روسيا البيضاء كشريك.

هذا التقارب الروسي الألماني تقاطع مع التحوّلات الأوروبية التي جمعت إسبانيا والنمسا وبريطانيا، ويتوقع أن تضمّ المزيد لجهة التأكيد على التلاقي مع الموقف الروسي القائم على اعتبار الرئيس السوري بشار الأسد الشريك الأساسي في أيّ محاولة لحلّ سياسي في سورية، بينما لا يزال اللقاء المرتقب لبدء المفاوضات حول اليمن في مسقط موضع شراكة وزير خارجية عُمان سعيد بن علوي والمبعوث الأممي إسماعيل ولد شيخ أحمد لتذليل العقبات التي تعترض موعد الأربعاء المقرّر لعقد اللقاء الأول.

لبنان الذي عاد إلى المربّع الأول في ملف النفايات تعبيراً عن مأزق الحكومة، وضعفها وعدم جدية مكوّناتها في ترجمة مقرّراتها، فسقطت خطة الوزير أكرم شهيّب مجدداً في التجاذب السياسي، عاش على إيقاع الأنباء التي رافقت وفاة العميل أنطوان لحد ضغطاً سياسياً وشعبياً استباقياً لمنع مساعي دفن جثة لحد في لبنان الذي طالبت الكثير من القوى السياسية سابقاً بإسقاط الجنسية اللبنانية عنه، وبقيت المماطلة حتى طوى النسيان القضية، وبدا من مؤشرات هذه الضغوط نية العديد من التجمّعات الشعبية والسياسية النزول إلى الشارع لمنع أيّ سماح بنقل الجثة عن طريق مطار بيروت، وصدرت دعوات متعدّدة إلى احتجاجات تحذيرية قد تتزايد إذا ظهرت مؤشرات عملية على السير بخيار نقل الجثة إلى لبنان لدفنها.

سياسياً يتجه الوضع عشية الحوار المرتقب أن تعقد جلسته المقبلة يوم الأربعاء المقبل إلى المزيد من التصعيد، بعدما تردّدت معلومات عن رفض تيار المستقبل اقتراح ترفيع اثني عشر من العمداء في الجيش إلى رتبة لواء من ضمنهم العميد شامل روكز مرشح العماد ميشال عون لقيادة الجيش، بما يفتح باب بقائه في الخدمة إلى حين نهاية الولاية الممدّدة لقائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي، وبالتالي منح روكز فرص التعيين كقائد للجيش في مناخ مختلف، ووفقاً لمصادر متابعة فإنّ هذا الرفض يفسّر التصعيد الذي أظهرته مواقف حزب الله بربط التفاؤل بالحوار بقدرته على تأمين انتخاب رئيس يمثل الأكثرية المسيحية، أو الذهاب إلى إقرار قانون انتخابات نيابية ومنه إلى انتخاب مجلس جديد وفقاً لقانون النسبية يتولى انتخاب الرئيس، كما رأت المصادر في موقف «المستقبل» الذي رفض تمرير تفاهم يضمن بقاء العميد روكز في قلب المؤسسة العسكرية سبباً لما تسرّب عن نية العماد عون التلويح بالانسحاب من الحوار تحت شعار «إذا كنتم لا تريدون شراكتنا فلماذا نمنحكم بحضورنا شهادتنا بأنكم شركاء»؟

الحكومة رمت طابة خطة شهيب من دون أن تتوقع النتائج

ويبدو أن ملف النفايات سيكون أحد أكثر عناوين المواجهة استمراراً في هذه المرحلة، وأن أقصى ما يمكن أن تقدمه الحكومة في ملف النفايات بظل الواقع الحالي والتوازنات، قدمته بكثير من الثغرات من التمديد لمطمر الناعمة سبعة أيام والغطاء السياسي للمطامر العشوائية في عكار والمصنع وبرج حمود وصيدا من دون أن تأخذ في الاعتبار جغرافية المناطق. قد تكون المبررات موضوعية، غير أن الهدف البعيد هو إعادة إحياء سوكلين، فالحكومة رمت الطابة من دون أن تتوقع النتائج.

وأكد وزير الاعلام رمزي جريج لـ»البناء» «أن خطة وزير الزراعة أكرم شهيب للنفايات لم تقر من قبل الحكومة إلا بعد موافقة القوى السياسية عليها ومشاورات سياسية سبقت الجلسة»، لافتاً الى أنه من المعيب عدم تنفيذها، إلا إذا كانت الغاية من ذلك عرقلة عمل الحكومة، وعندها لا جدوى من بقاء مجلس الوزراء». وسأل جريج: «لماذا لا يتم الاعتراض من «الحراك الشعبي» والأهالي على المكبات العشوائية، إنما على المطامر الصحية».

وقال: «لا يشكل المطمر في منطقة المصنع أي ضرر على المياه الجوفية وأن مطمر سرار أقر في الحكومة بعد موافقة القوى السياسية في عكار وأصحاب العقارات هناك».

وإذ أشار جريج إلى «أن وضع النفايات المهترئ يمنع ترحيلها»، لفت إلى أنه لا يمكن فرزها بعد عشرين يوماً، لكن في المرحلة المقبلة سيتم فرزها عند الكنس قبل نقلها إلى المطامر».

درباس: الحراك الشعبي من مظاهر تحلل الدولة

وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ»البناء»: هل يعلم المعتصمون أن مطمر المصنع هو مكب تحرق فيه النفايات من قبل أهالي المنطقة، وهل يعلم هؤلاء أيضاً أن مطمر سرار هو مكب يلوث عكار كما هو حالياً»، لافتاً الى «أن خطة شهيب ستجعل من مطمر سرار مطمراً بمواصفات بيئية وصحية، وأنه لن يبدأ العمل بهذه المطامر إلا بالتنسيق مع البلديات والجمعيات وأن النفايات الجديدة ستفرز في مركزي الكرنتينا والعمروسية قبل نقلها».

وسأل: «هل يريد هذا «الحراك المدني» أن نرمي النفايات في البحر أو أن نستعيض بها عن الزفت لنعبد الطرقات»؟ ولماذا لم يتباكَ هؤلاء يوماً على المكبات العشوائية الموجودة في المصنع وسرار وغيرهما من المكبات»؟ وشدد على «أنه لا يعول على هذا الحراك الشعبي ويعتبره مسيساً ومن مظاهر تحلل الدولة».

في المقابل، اعتبرت لجنة متابعة حراك 29 آب أن ايجابيات الخطة لم تكن إلا خدعة لتضليل الرأي العام .

وأشارت اللجنة في مؤتمر صحافي إلى أن الخطة عادت لتعتمد على المطامر من دون فرز وكأن الحكومة لم تتعلم من تجربة مطمر الناعمة القاسية، مشيرة الى أن اختيار المطامر بالخطة يستهدف المناطق الأكثر إهمالاً وفقراً مقابل رشوتها.

وردّت لجنة خبراء إدارة أزمة النفايات على بيان الحراك المدني السبت فأوضحت أنّه وفي المرحلة الانتقالية، لن يبدأ العمل في أي من المواقع المقترحة قبل الخوض في مسار تشاركي مع البلديات والجمعيات في المنطقة المعنية، متعهدة بتقديم شروحات إضافية مفصّلة حول الإجراءات الاحترازية الهندسية والبيئية لكي تكون المطامر الصحية تراعي المعايير والمواصفات المعتمدة.

عون مترقب لطريقة التعاطي مع العنوان الرئاسي

أما على صعيد طاولة الحوار التي تلتئم عند الثانية عشرة ظهر الأربعاء في ساحة النجمة، ويسبقها حوار عين التينة بين حزب الله وتيار المستقبل فلن تكون أفضل من الجلسة الأولى. وعلمت «البناء» أن رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون مترقب لطريقة التعاطي مع العنوان الرئاسي كعنوان وحيد في ظل تشبث تيار المستقبل وحزب الكتائب بتكرار المعزوفة نفسها بأن لا نقاش في أي بند قبل الانتهاء من الملف الرئاسي واعتماد التهديد بالانسحاب وسيلة لعدم البحث في أي بند آخر من جدول الأعمال الذي يراعي جميع الاطراف.

وتتجه الأنظار إلى أجندة جلسة بعد غد من الحوار وطريقة إدارة الرئيس نبيه بري لها، فالعماد عون لن يقبل أن تبقى هيئة الحوار أسيرة لعنوان واحد طريقه مسدود.

وأكدت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» أن جلسات الحوار ستأخذ وقتاً طويلاً فهي مرتبطة بالمرحلة الانتقالية التي يتحدث عنها الرئيس بري دائماً والتي يجب العمل خلالها على حماية البلد «، مشيرة إلى «أن هذا السبب الرئيسي الذي دفع الرئيس بري إلى العزف عن الاجتماعات اليومية لأنها ستكون استنزافاً للحوار». وشددت المصادر على «أنه لا يمكن من الناحية العملية حصر النقاش بالملف الرئاسي إنما بالطبع سيتم الانتقال إلى بند آخر من بنود جدول الأعمال».

حزب الله مع الجنرال بأولوية قانون الانتخاب

وفي السياق، كان لافتاً أمس تأكيد حزب الله على ضرورة إقرار قانون انتخابي جديد. ولفت رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد إلى «أن الاتفاق على رئيس للجمهورية، يبدو متعذراً في المرحلة الراهنة، إذا لم يجمع الحاضرون على المرشح الأكثري للمسيحيين»، داعياً «إذاً لنفكر في الطريق الآخر، فعادة إذا تعقدت الأمور، تذهب المجتمعات والدول إلى تغيير الوجوه السياسية، عبر استحداث قانون انتخابي يعدل من التمثيل الشعبي، وإدخال دم جديد إلى الحياة السياسية وخصوصاً البرلمانية». ورأى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش «أن المدخل السليم والصحيح والأساس للمحاسبة الحقيقية هو إقرار قانون انتخابات يمكّن المواطن من محاسبة المسؤول بعيداً عن العصبيات الطائفية والمذهبية أو المناطقية، وأما إذا بقي قانون الانتخابات يفصّل على أساس هذا الزعيم أو ذاك، فيكون عبثاً محاولة البعض تغيير هذا النظام السياسي».

وجدد النائب علي فياض تأييد حزب الله لترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، معتبراً «أن هذا الموقف طبيعي نظراً لحيثية عون الشعبية وبسبب قوته التمثيلية ومصداقيته الوطنية»، متسائلاً عن «سبب رفض الفريق الآخر للنظام الانتخابي النسبي، الذي من نتائجه على المستوى الوطني انه سيفتح الباب أمام مزيد من الاستقرار السياسي وإطلاق ديناميات الإصلاح التي ينتظرها اللبنانيون».

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أن حزب الله يسير مع الجنرال عون بأولوية قانون الانتخاب كمدخل طبيعي لحل الأزمة السياسية على حساب ما يراه آخرون أن الانتخابات الرئاسية من المجلس الحالي هي الحل. وتشدد المصادر على «أن حزب الله أكثر تمسكاً بالوصول إلى قانون انتخابي على أساس النسبية يكون معبراً إلى تفعيل عمل المؤسسات». ولفتت المصادر الى «أن تصريحات نواب حزب الله في عطلة الأسبوع تدل إلى أن آلية الانتقال من العنوان الرئاسي إلى العنوان الانتخابي هي السؤال الكبير الذي يواجه طاولة الحوار المقبلة».

وأعرب البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في اليوم الثالث من زيارته لقرى قضاء عاليه عن قلقه من عدم الاكتراث بموضوع رئاسة الجمهورية، وتمنى من دارة النائب طلال أرسلان في خلدة أن تعيش الجماعة السياسية تماماً كما يعيش الشعب اللبناني، آملاً أن تعود القيادات إلى طاولة الحوار، وتضع أمامها لبنان اولاً، فتبحث عن مخرج للأزمة العظيمة، التي يعيشها بلدنا وهي الفراغ الرئاسي».

فيتو نهائي من «المستقبل» على ترقية روكز

في سياق آخر، أكدت مصادر عليمة لـ«البناء» «أن التيار الوطني الحر يترقب بحذر شديد مسار التسوية المتعلقة بالترقيات، لا سيما بعدما سرّبت مصادر من تيار المستقبل في شكل التفافي أنّ «المستقبل» وضع فيتو نهائياً لا رجوع عنه على البحث في ملف التعيينات الأمنية والعسكرية، ما يعني أن البحث في ترقية العميد شامل روكز، الذي يحال إلى التقاعد في 15 تشرين الأول، بات أمراً مستبعداً، وهذا الاستبعاد من شأنه أن ينسف كل الأجواء التفاؤلية التي تحدثت عن تسوية مثلثة الأضلاع تشمل ملف النفايات وملف عمل الحكومة وملف التعيينات العسكرية».

إلى ذلك تجري عملية التسليم والتسلم لرئاسة التيار الوطني الحر بين العماد والوزير جبران باسيل في 20 من الشهر الجاري في مسرح البلاتيا في جونيه.

المجتمع المدني تمظهرات مختلفة تبعاً للمستوى الاجتماعي

وفي سياق آخر، أبرز حراك حملة «جايي التغيير» الذي نظم يوماً على الرصيف في «الزيتونة باي»، تحت شعار «كرمال نرجع نفتح شط البحر والأملاك العامة لكل الناس، وخاصة الفقراء» أن المجتمع المدني هو طبقات، كل طبقة لها نظرتها، فهو تمظهرات مختلفة تبعاً للمستوى الاجتماعي والطبقي. ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أن الفئة التي رفضت تحرك الشبان أمام الزيتونة باي هي ضد التعرض للرأسمالية الحريرية السياسية، فالأملاك البحرية العامة التي تحولت إلى خاصة هي متنفس لثراهم».

ولفتت المصادر إلى أن تحرك هذه الفئة لم يكن يوماً من أجل محاربة الفساد أو من أجل استرجاع الاملاك المسروقة من الشعب، إنما بهدف الضغط بإيعاز استخباراتي غربي لانتخاب رئيس فشل في شكل واضح بعد جمعة عون في 4 أيلول». وشددت المصادر على «أن تظاهرة الزيتونة باي أطلقت دينامية بالشارع مستقلة عن تحرك السفارة الأميركية الذي بدأت قوة دفعه تتراخى وهذا ما يزعج هؤلاء».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى