لبنان يعاني أزمة وجود وتبويس اللحى لم يعد مجدياً
علي البقاعي
هل أيقن زعماء السياسة في لبنان أخيراً أن وطنهم الذي يحبونه حتى الموت يمرّ في مرحلة هي الأدق والأخطر منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1943. هذه الأزمة تشمل فهم وتعريف الهوية الوطنية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والدينية والتربوية والثقافية لـ«الوطن الأبدي» الذي اختاروه جميعاً بكامل إرادتهم.
أزمة لبنان ليست وليدة الأمس، بل هي وليدة سنوات من الترقيع السياسي الذي كان زعماء لبنان يمارسونه على مدى أكثر من سبعة عقود، وساعدتهم في ذلك التوازنات الإقليمية والعربية والدولية التي كانت قائمة آنذاك، والتي سمحت باستمرارية دولة لم تحمل يوماً مقوّمات الدولة المتكاملة بل كانت على شفير الانهيار عند كل محنة أو أزمة مرت بها وأظهرت هشاشة تركيبة النظام اللبناني التي أستحدث دستوره عام 1943 وتمّ تجاوزه وتعديله وتغييبه وإعادة تفعيله منذ عام 1943 حتى اليوم، مروراً بالطائف والدوحة.
العرب ملتهّون عن لبنان هذه الأيام، وفي السنوات المقبلة، لأن لديهم ما هو أهم. بالعامية اللبنانية «ما حدا فاضيلنا». قسم يصارع للبقاء في وجه «ربيع عربي» كاذب، وقسم منشغل بزرع الخراب والدمار والشقاء تنفيذاً لوعد توراتي ألزموا بتنفيذه حفاظاً على عروشهم وممالكهم، وقسم ثالث آمن بقدرات شعبه فرفض الاستسلام وحمل السلاح لقتال تنين الإحتلال في لبنان وفلسطين ومقاتلة الجهل والهمجية في سورية والعراق المتمثل بـ«داعش» وإخوته الذين يريدون إعادتنا إلى عصور ما قبل التاريخ.
يعاني لبنان أزمات، كلٌّ منها تهدد وجوده. يعاني أزمة في موقع رئاسة الجمهورية، وأزمة أكبر في صلاحياته وطريقة انتخابه وهويته الوطنية مستقل أو حزبي ضعيف أو قوي مدني أو عسكري توافقي أو إنحيازي، «شباطي» أو آذاري يلكن بالإنكليزية أو بالروسية ؟
يعاني لبنان أزمة في قانون إنتخاب طائفي «محدلي» غير عادل، رغم جميع التعديلات التي تُجرى عليه عند الضرورة كل أربع سنوات. ويعاني من طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء ومن طريقة تعيين أو اختيار الوزراء، وفي صلاحيات الوزراء التي تتجاوز أحياناً صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي تعريف الوزارات السيادية والخدمتية والنوعية والنفعية. لبنان يعاني أزمة في تعيين قائد للجيش وفي التشكيلات الأمنية وفي تعيين المديرين العامين وعمداء الجامعات ومديري المدارس، وأزمة كلّما حان موعد تعيين حاكم مصرف لبنان أو نوابه.
يعاني لبنان أزمة في تفسير مواد الدستور والتشريع، وتعيين القضاة وكتاب العدل والمحافظين، والتشكيلات العسكرية والأمنية، وتعيين مأموري النفوس ونواطير الأحراج، وأزمة في البناء وشراء الأراضي أو تملكها بحسب طائفة المناطق أو طائفيتها.
يعاني لبنان انفصاماً في مفهوم المقاومة التي أذلّت العدو «الإسرائيلي» وحطمت أسطورته وفي تعريف العمالة وتوصيف الخيانة.
يعاني لبنان أزمة تعريف كلمة الحقيقة وطريقة سردها أو نقلها ومن وجود عشرات القنوات والمواقع والوسائل الإعلامية التي تفسر الحقيقة، كلٌّ على هواها، وبحسب ميول من يمولها.
يمر لبنان في أزمة مصيرية تهدد وحدته ومستقبله وحتى بقاءه. أزمة أخطر عليه من هجمة تنظيم «داعش» وإخوته. تبويس اللحى أضحى من الماضي، والترقيع لم يعد مجدياً لأن الدولة اهترأت وهي في حاجة إلى تجديد.
فليكن مؤتمر وطني عام يسميه المؤتمرون ما يشاؤون: مؤتمر تأسيسي، لقاء، اجتماع، حوار، مجالسة»… أو أي مسمى يعثرون عليه في معجم اللغة العربية، لعلهم يتفقون على هوية الدولة ومستقبلها وتركيبتها، وتُنجز تعديلات دستورية مع تفسيرات واضحة منعاً لأي إلتباس وتحديد آلية للإنتقال بلبنان «الوطن الأبدي» من وطن الطوائف إلى وطن لسائر المواطنين.
يا زعماء لبنان، كيانكم اللبناني يمر في أخطر مرحلة في وجوده، وإذا لم تتداركوا هذا الخطر الوجودي فقد لا تجدون في المستقبل القريب وطناً تطبقون فيه أي قانون، وعندئذ لن ينفع الندم.
لبنان الذي يريده كل مواطن حر شريف يحتاج إلى قرار تاريخي منكم، فهل من مُستجيب؟