هكذا ولذلك كان ردّ السوريين شاملاً…

نصار ابراهيم

لم تكن مجرد انتخابات عادية، بل مواجهة تختصر جميع المواجهات الدائرة منذ ثلاثة أعوام. لذلك حشدت لها جبهة العدوان همجية الهاون والضغوط والمناورات العسكرية والتهديد بفتح جبهات جديدة، مع حرب نفسية شرسة، وحرب إعلامية شاملة، وتشديد للحصار الاقتصادي، وقصف المدن والأحياء والمستشفيات والجامعات وقطع الماء والكهرباء والتهديد بمجازر لا تبقي ولا تذر و…

إلآ أن الجبهة المقابلة استعدّت وتهيّأت بدورها للمنازلة على نحو يليق بها والصمود والمقاومة والقتال الأسطوري المستمر منذ لحظة العدوان الأولى، فاستعدّت الجموع، وحانت لحظة الفعل في الميدان بقوة الحسم العظيمة الشعب.

هي لحظة الفصل القاطعة، إذ تقرر فيها إرادة السوريين وقلوبهم وعيونهم وقبضاتهم وبالأرقام الحاسمة شرعية كل من يتحدث باسمها، فإن زحفوا بملايينهم للمشاركة في انتخابات الاستحقاق الرئاسي، فهذا معناه أنهم منحوا الشرعية للدولة الوطنية ولجيشها وقائدها بصورة نهائية وقاطعة، وهذا معناه أن القتل والحصار والتشويه والفتنة والتدمير والشعارات البراقة كلّها لم تنل من ثقة السوريين وإرادتهم، وهذا معناه أيضا أن ما يسمى بـ»المعارضة أو الثورة السورية» مجرد وهم ومشروع عدواني لا أكثر. أما إذا عزفوا وترددوا فللأمر معنى نقيض.

كانت اللحظة الفاصلة ليوجه الشعب السوري رسالته النهائية.

وهذا ما كان… هبّ ملايين السوريين بكامل وعيهم وإرادتهم وذاكرتهم ورؤيتهم وأحلامهم. نزلوا بكامل عدتهم وعديدهم. هبّوا حاملين أطفالهم على أعناقهم كأنهم يرتجزون:

قد شمّرت الحرب عن ساقها فشدوا

كانوا يدركون أن نتيجة نزولهم وحضورهم وإرادتهم في هذا اليوم لا تتعلق بانتخاب رئيس، وإن تكثفت دلالات المواجهة الطاحنة ورمزيّاتها في شخص ذلك الرئيس أو القائد. تعدت الأهداف تقنية الانتخابات لتتحول إلى عملية كسر إرادات مرة واحدة وإلى الأبد، فأصبحت الانتخابات هي اللحظة الفاصلة التي تقرّر مصير الحرب برمّتها، ولذلك لم تكن العملية تحتمل التراخي أو المزاح أو التهاون أو الخوف أو التردّد، فالمسألة هي أن تكون سورية أو لا تكون، أن تحفظ شلالات دماء أبنائها وجيشها أو أن تضيع، أن تكون ذاتها أو أن تصبح رهينة لقرارات أعدائها وإراداتهم، أن يكون الاستقلال أو لا يكون…

هكذا خاض السوريون المواجهة بالطريقة الشاملة التي شاهدناها. جاؤوا من كل فج عميق، فكان يوم الملحمة ، إذ رأى العالم من أقصاه إلى أقصاه إرادة الشعب العربي السوري، وأدرك وفهم الحقيقة والسبب وراء أسطورة الجيش السوري الذي يقاتل لأنه يعرف أن معه وإلى جانبه وأمامه شعب يدرك معنى الدماء التي يقدمها وقيمتها، كما يدرك معاني صموده وقتاله الأسطوري على كامل المساحة السورية…

كانت كلمة السوريين لجميع القتلة واللصوص والمعتدين والدول المارقة يوم 3 حزيران 2014 حاسمة ونهائية، أن أخرجوا من دمنا، من أرضنا، من هوائنا، من بحرنا، من سمائنا، من مائنا، من صحرائنا، من سهولنا، من جبالنا، من قمحنا، من ملحنا، من زيتوننا، وانصرفوا! خذوا موتاكم وانصرفوا…! خذوا جهلكم وانصرفوا!… ولكن قبل أن تنصرفوا انفضوا غبار أرضنا عن ثيابكم… وإلاّ لن تخرجوا…!

ها هي دمشق تقف اليوم عصية شامخة على مألوفها، فهي قالت كلمتها الفصل والأصل، فيما قاسيون يطلّ بهيبته على ساحة الأمويين وسيفها الدمشقي المشرّع على الجهات الأربع، وعالياً في صدر السماء يخفق بجمال «علم لمّ شمل البلاد لأن فيه من كل عين سواد ومن دم كل شهيد مداد…».

صفحة الكاتب:

https://www.facebook.com/pages/Nassar-Ibrahim/267544203407374

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى