هل تتعارض العدالة والتنمية حقاً مع الأصالة والمعاصرة؟
عبد الفتاح نعوم ـ المغرب
مذ دخل مؤسس «الأصالة والمعاصرة» غمار الصراع الحزبي والانتخابي، دخل في صراع هو وحزبه مع «حزب العدالة والتنمية»، ومنذ سنة 2007 لم يكفّ قادة «العدالة والتنمية» عن التصريح بأن المشروع السياسي لصديق الملك يستهدفهم أساساً. لكن بين الحين والآخر يظهر إلى العلن من المواقف ما ينسف هذه الفكرة، فتثور الشكوك حول العلاقة الملغزة بين ثالوث «العدالة والتنمية»، و«الأصالة والمعاصرة»، وكل ما يدخل تحت خانة الفساد والاستبداد.
نشر الكاتب الإقليمي لحزب «العدالة والتنمية» بالرحامنة حديثاً، مقالاً يبيّن فيه أن السياسة، وفق تصوّر حزبه، لا تعني اجترار الكلام المتداول بشأن الموقع المميّز لدى السلطات الذي يحظى به حزب «الأصالة والمعاصرة» في معقله، موضحاً أن غريم «العدالة والتنمية» هو الفساد والاستبداد فحسب، من دون أن يربط هاتين الصفتين بالبام جرياً على عادة قيادات «العدالة والتنمية». هذا الموقف خيّب آمال الكثيرين ممن كانوا يعلقون الآمال على «العدالة والتنمية»، لعلّه يصطف إلى جوارهم في صراعهم ضدّ ما يعتبرونه تغوّلاً للبام في منطقة الرحامنة، وفي مدينة ابن جرير تحديداً، وكشف لهم أنه لا يعوّل عليه في حرب انتدب نفسه لها، بحسب ما عبّر عنه ناشطون سياسيون من المنطقة نفسها.
في ما يتعلق بالأداء الجماعي والسياسي لحزب «الأصالة والمعاصرة» في معقله، ينقسم الرأي العام فريقين، ولكل بواعثه المختلفة. الأول ينسب كل «إنجاز» من أي نوع للحزب، وللهزّة التي أحدثها، وللجدال الذي أثاره مذ أن وفد على الحقل الحزبي المغربي، أما الفريق الثاني فيرى أن هناك كبوات وتعثرات في التجربة تقوّضها وتنعش الفساد على اختلاف مستوياته وأشكاله، ولعلّ مظاهر الثراء غير المشروع التي تسجّل لدى بعض المنتسبين إلى الجسم الجماعي والسياسي للحزب المذكور تزكي تلك الأطروحات، في حين تدعم التحوّلات في المظهر العام للمدينة موقف الفريق الأول بشكل أو بآخر. وبصرف النظر عن مصدر تلك التحولات، فهذا الفريق يعتبر أن السياق كله يحسب لحزبهم، وهذه القراءة مقبولة سياسياً، لكنها تطرح من حيث تقويم التدبير الجماعي أكثر من علامة استفهام.
رغم أن هذين الفريقين يتموضعان على نحو غير منظم، بحيث يمكن إيجاد تمثيل لهما ضمن كل مؤسسة حزبية وضمن باقي مؤسسات المجتمع المدني، ويختلف المنتسبون إليهما في مستوى الدفاع عن تصوّراتهما. إلاّ أن حزب «العدالة والتنمية» يصرف النظر عن ذلك كله، يبقى صامتاً عن الانحياز إلى الخطاب الذي يتبناه وطنياً، ما بات معه جلياً أن المسألة هي مسألة شعارات وعموميات، يكذّبها الواقع الملموس، بحيث أن «العدالة والتنمية» يصارع «الأصالة والمعاصرة» على المستوى الوطني، ويغازله في أكثر الأماكن إثارة للمناقشة حول علاقة الحزب بالفساد!
يتمتع حزب «الأصالة والمعاصرة» بمكانة متميزة ضمن مجاله الحيوي ومعقله، وتأتي تلك المكانة من العلاقة التي يدعيها أقطابه بمؤسسه فؤاد عالي الهمة، وإصدارهم جميع قراراتهم ومواقفهم باسمه، ما يعطي الحزب إقليمياً قدرة التقاط كبيرة وجذب لهرم السلطة عل مستوى الإقليم صوب محور الحزب، إلى حدّ يدفع بعض النشطاء إلى اعتبار عامل الإقليم عضواً في الحزب، وليس على مسافة واحدة من جميع الأحزاب والمكوّنات.
حزب «العدالة والتنمية» غائب تماماً عن المشهد، وأول مرة يعلن فيها موقفاً يكون أقرب إلى مواقف بعض الدائرين في فلك «الأصالة والمعاصرة». ولو صعدنا من الميكرو إلى الماكرو، لاكتشفنا مجدداً أن لا صراع بين الحزبين حول قضية الفساد أو غيره، فلا يكاد يميز المرء بين مواقف الحزبين من القصر، فحزب «العدالة والتنمية» الذي أسسه الدكتور الخطيب الرجل المقرب من القصر لا فرق بينه وبين حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي أسسه فؤاد عالي الهمة رجل القصر، فلا يتعدى كونه صراع أجنحة داخل المشروع ذاته!.
لو نظرنا إلى هذا الصراع باستحضار الطبيعة البراغماتية لذهنية «الإخوان المسلمين»، والتي يجسدها دفاع بنكيران عن الملك الذي يفوق من حيث اللهجة أسلوب نخب المخزن أنفسهم، لاكتشفنا أنه صراع ربما حول احتكار مشروع القصر، لكن الفرق الوحيد أن حزب «الأصالة والمعاصرة» كغيره من الأحزاب، هو تجمع لذوي المصالح وليس لذوي العقائد، أما «العدالة والتنمية» ذو المرجعية «الإخوانية» فهو ينتهز الفرص أثناء القرب من القصر، ويخبئ مشروعاً أممياً حالماً، بمجرد ما تتوافر الشروط لتنزيله يتخلى عن دفاعه المستميت عن الملكية وتقديمها كأفضل ما في المغرب! ويعود إلى عباءة «الإخوان المسلمين».
ليس غريباً ولا جديداً على «الإخوان المسلمين» تغيير مواقفهم بحسب الضرورة. ذات يوم قالوا إن الله مع الملك حينما كان المصريون مع النحاس، فروح المشروع «الإخواني» ليست الحرب على الفساد، ولا إنتاج السياسات والأفكار. هم يتعاملون ببراغماتية وبمنطق التقية، ويتصرّفون أينما وجدوا بحسب الشروط المحيطة بهم، لذلك قد يستغرب من لا يعلم طبيعة التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين»، أن أشخاصاً مثل أردوغان وخيرت الشاطر وراشد الغنوشي وعبد الإله بنكيران ينتمون إلى الخط الفكري والسياسي عينه، فروح مشروعهم هي الوصول إلى السلطة ثم إعادة ضبط هوية المجتمع، وإعادة النظر في رغبات الأفراد. مشروع كلّ همه الصدام مع المجتمع الإسلامي/الجاهلي! فهل ينجحون في تحقيق حلم حسن البنا وسيد قطب؟ لا سيما أن المسلمين حينما يُعييهم الفساد يهرعون إلى رجل «التقوى» ظناً منهم أنه «يخاف الله» ولن يسرق قوتهم أو يكذّبهم القول. في حين يجزم هذا الأخير بأنهم يريدونه لإحقاق شيء آخر يحلم هو به، لذلك لا يتأخر هذا المشروع كثيراً قبل أن ينكشف أمام الناس بأنه كاذب في حربه على الفساد وكاذب في ادّعائه «الانتصار للإسلام».