أميركا… شـريف بلا شـارة!
محمد ح. الحاج
من حق السوريين وحدهم إعلان القلق من وجود عشرات آلاف المرتزقة الغرباء على الأرض السورية، ومن حقهم إعلان النقمة على الدول التي تدعم هؤلاء الإرهابيين.
من حق السوريين، بل من واجبهم الترحيب بكلّ الأيدي التي تمتدّ لمساعدتهم في الدفاع عن أنفسهم وطرد الارهابيين أو القضاء عليهم.
ما ينطبق على السوريين، ينطبق على العراقيين، استطراداً، من حق الشعب في كلّ من الأردن، السعودية، وكلّ دول الخليج التعبير عن رفضه لوجود أجنبي على أراضيه، لأنّ هذا الوجود يشكل خطراً أكيداً في أية مواجهة عالمية… أيضاً، من حق كلّ شعوب الأرض اتخاذ موقف معارض لأيّ وجود أجنبي على أراضي بلدانهم يأخذ الصفة العسكرية في مواجهة أطراف أخرى.
من حق المصريين والسودانيين واليمنيين رفض الوصاية والولاية عليهم وإنْ جاءت من دول يعتبرونها من الأقارب، فأغلب هؤلاء من العقارب، أدوات طيّعة بيد الصهيو ماسونية العالمية، مجندين لخدمة مشروعها المسمّى شرق أوسط جديد وسيلة الوصول إلى تحقيقه أطلقوا عليها اسم «الفوضى الخلاقة» بالنسبة لهم، الهدامة بالنسبة لشعبنا والشعوب المجاورة.
ينتشر العسكر الأميركي المدجّج بكلّ أنواع الأسلحة في طول العالم وعرضه ويشكل وريثاً لدول الاستعمار القديم في القارة العجوز ـ اوروبا – في الهند الصينية، كوريا واليابان، تايلاند ودييغو غارسيا، في أوروبا ألمانيا وإسبانيا… وفي كلّ الدول المنضوية تحت راية حلف الناتو، في آسيا… أفغانستان وباكستان وأذربيجان، وفي الكثير من جمهوريات كانت ضمن الاتحاد السوفياتي السابق ثم انفصلت عنه لتنضم إلى الناتو… بعد انفراط عقد وارسو- سقطت معادلة القطبين لتسود مقولة وحيد القرن قبل أن يستعيد الروس بعضاً من موقع كان لهم في السابق، وفي العالم العربي تنتشر القوات الأميركية بمشاركة حلفاء الناتو في مصر والمغرب والسعودية، وقطر والكويت والبحرين والامارات، ففي قطر أكبر قاعدة جوية، وفي البحرين مركز الأسطول الخامس البحري…! أوليس من حق إيران اعلان القلق من هذا الوجود العدواني السافر الذي يرفع شعار الدفاع عن الحلفاء في مواجهة إيران.. وهي لا تهدّدهم!
أميركا الدولة الأولى في العالم التي تمارس العدوان بذرائع ومبرّرات مختلقة على الدول الأخرى، قديماً في كوريا، وفيتنام، وكمبوديا ولاوس، وحديثاً في الصومال والسودان وصربيا والعراق وليبيا وسورية، ولا تتورّع عن فتح جبهات عديدة معتمدة على حلفاء وأدوات لا يملكون الحق في مناقشة المبرّرات والذرائع، أميركا تدعم حرباً على سورية لإسقاط شرعية الحكم فيها، بينما تدعم في الوقت ذاته حرباً على اليمن بذريعة الدفاع عن شرعية ساقطة بعد أن أسقطت حكماً شرعياً في ليبيا وتركت هذا البلد يتخبّط في الفوضى وصراع الجماعات المتخلفة!
وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية يعبّر عن قلق إدارته من ازدياد «النشاط العسكري الروسي في سورية»، ويعلم أنّ هذا النشاط موجود منذ عقود طويلة، ينخفض حيناً وترتفع وتيرته أحياناً أخرى تبعاً للمعطيات والمواقف الدولية، وحجم الأخطار التي تستهدف الشعب السوري، مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح المتبادلة بين الحكومتين السورية والروسية، ولم يتجسّد هذا الوجود أو يرتقي إلى مرحلة مساوية لأدنى وجود أميركي في أصغر دولة هامشية قطر أو الكويت ، بينما شكل الوجود الأميركي عبر عقود طويلة قوة الدعم والدفاع عن الوجود الصهيوني وممارساته ضدّ أهل البلاد الأصليين من السوريين الجنوبيين أبناء فلسطين والجولان وشرق الأردن، كذلك في لبنان ولم يكن هذا الوجود في خدمة مصلحة وطنية واحدة في أيّ من البلدان المحيطة بفلسطين المحتلة، أو حتى دول الخليج العربي أو جواره.
االانتشار العسكري الأميركي في العالم يمثل عدواناً صارخاً على حريات الشعوب وحقها في رسم سياساتها الخارجية واختيار حكامها، بعيداً عن إملاءات القوة العسكرية الأميركية وعمليات تصفية المعارضين لهذه الإملاءات من قبل أجهزة الاستخبارات بأنواعها وعديد عملائها متعدّدي الجنسيات، الإدارات الأميركية المتعاقبة تفرض نفسها شرطياً عالمياً دون الحصول على شارة رسمية، بل، هي تفرضها بقوة السلاح في حين ينتقد هذا الشرطي غيره إذا مدّ يد العون لمظلوم يستهدفه بعدوانه.
أميركا شريف بلا شارة يفرض نفسه على قرية عالمية، بعد أن جعل حليفه الصهيوني نائباً للشريف، معاوناً يحاضر في الأخلاق وهو عديمها، ويحاضر في القانون وهو ينتهك كلّ القوانين، وينتقد أنشطة الغير العسكرية وهو من أقام كيانه بالعمل العسكري وبالعدوان واستمرّ به، بكلّ أنواع السلاح الذي وفره له الشريف غير الشريف، وهيئات الجريمة المنظمة والمافيات الدولية التي تقودها الغرائز والأطماع بعد أن خلعت عنها ثوب الإنسانية. الكيان الصهيوني لصّ محترف مسلح لا يريد أن يتسلّح أصحاب الحق في مواجهته نووي حتى النخاع، يعترض على برامج نووية سلمية عند الآخرين ، يثق حقاً بأنّ المستقبل ليس للباطل، وأنّ نهايته دنت.
ليس من حق الولايات المتحدة الأميركية أن تنتقد الوجود الروسي في أيّ مكان من العالم، وليس من حق حليفها الصهيوني فعل الأمر ذاته إذ يشكل ذلك منتهى الوقاحة و«البجاحة» على قول الإخوة في مصر، ما من شعب حرّ يقبل بالوجود العسكري لشعب آخر إلا أن يكون للدفاع في وجه خطر، ومؤكد أنّ الوجودين الروسي والإيراني بشكلهما الحالي خبراء ومدرّبين على الأرض السورية هدفه المساعدة على صدّ الهجمة الدولية المدعومة أميركياً وصهيونياً وغربياً وأعرابياً، الهجمة التي تستهدف الوجود السوري المصيري أرضاً وشعباً، حضارة ومؤسسات، وإذ يقول الروس إنّ الشعب السوري هو صاحب الحق في الاختيار والقرار، يقول الأميركان ذات القول وشتان ما بين هذا وذاك… النسبة والواقع! إلا إذا كان المعيار هو العمالة والمصالح الصهيو ماسونية التي تقف في وجهها الحكومات السورية منذ الأزل وإلى الأبد… ويعلم هؤلاء أنّ أنظمة تابعة وعميلة يعملون على حمايتها ورعايتها وهي الأسوأ إنسانياً وديمقراطياً لا يمكن لها أن تستمرّ أو تقوم لو كان القرار للشعب كما هو للسوري الذي أعطى العالم الحرف والعلوم ونور الحضارة.
التواجد العسكري الروسي كما يراه السوريون يقف اليوم حائلاً في وجه الأهداف التركية لاقتطاع المزيد من الأرض السورية، ويقف حاجزاً يمنع طيران التحالف من حماية عصابات المتدرّبين في تركيا المطلوب تسللهم إلى الداخل السوري لتحقيق أهداف أميركا الصهيونية تحت شعار محاربة «داعش»، وإذا كان هناك من حق فعلي لأحد، فهذا هو حق السوريين في الاستعانة بمن يريدون للدفاع عن وطنهم ووجودهم في وجه مرتزقة العالم…
النشاط العسكري الروسي، وأيضاً الإيراني موضع ترحيب السوريين طالما يخدم مصالح الشعب السوري، ولن يسمع الأميركي الداعم للصهيوني مثل هذا الترحيب من شعب سورية الحقيقي، قد يرحّب به عملاء تخلوا عن انتمائهم الوطني وأصبح ولاؤهم لجيوبهم وللدول التي تموّل إقامتهم في فنادق النجوم المتعدّدة وتقوم بغسل أدمغة أبنائهم بعد تهريبهم من خدمة الوطن ليكونوا انكشارية القرن الحادي والعشرين، وعدهم بأنّ عودتهم الوحيدة ستكون إلى المدافن إذا وافق السوريون على استقبال جثامينهم، وهو أمر مشكوك فيه… اللبنانيون وهم جزء من هذا الشعب العظيم يرفضون اليوم عودة جثمان العميل أنطوان لحد لدفنه في أرض ترفض العمالة والعملاء.
رسالة على الهامش إلى المدعو فهد الشليمي، من حمَلة صفة دكتور: الوجود والنفوذ الإيراني في الكويت والخليج أضعاف ما هو في سورية، ومنذ القديم كان عامل الاستقرار والتقدّم هناك، المفارقة أنكم تريدون محاربته في سورية ولبنان، وأيضاً في اليمن، وتصمتون أمامه صمت القبور… – الحقيقة أنّ هذا الشعار زائف ومكشوف، فأنتم بناء على تعليمات أميركية، تحاربون المقاومة وثقافة المقاومة وكلّ من يقف في وجه الصهاينة تحت هذا الشعار الكاذب… قليلاً من الخجل، فشعب الخليج يدرك الحقيقة، وخصوصاً في مملكة الاسترخاء والعراء الدائم.