نتنياهو… وكشف المستور
راسم عبيدات
في ظل التحولات الحاصلة في بنية ودور ووظيفة النظام الرسمي العربي، والتي وصلت حد التطبيع مع «إسرائيل» وإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية واقتصادية معها من قبل جزء من أنظمة النظام الرسمي العربي، وجدنا أن تلك العلاقات وتحديداً بعد ما يسمى بـ»ثورات» الربيع العربي والتوقيع بصورة أولية على الاتفاق ما بين إيران والمجموعة الدولية 5 + 1 بشأن برنامجها النووي، شهدت تطوراً وانتقالاً على نحو أوسع وأشمل ما بين «إسرائيل» ومشيخات النفط العربي تجاه التعاون والتنسيق الأمني والعسكري، تحت يافطة وذريعة مواجهة الخطر والتمدد الإيراني في المنطقة، وهذه المشيخات النفطية سعت بالتعاون مع «إسرائيل» مستخدمة نفوذها المالي والاقتصادي للضغط على اكثر من طرف أميركا وأوروبا الغربية وحتى وصلت الأمور إلى حد تقديم رشاوى لروسيا بمليارات الدولارات ومساعدات اقتصادية ضخمه من أجل عدم التصديق على الاتفاق الإيراني – الأميركي بشأن برنامجها النووي، ولكن كل ذلك لم يفلح في منع توقيع هذا الاتفاق والمصادقة عليه.
واليوم نتنياهو أثناء زيارته لبريطانيا، التي واجهته فيها حملة شعبية كبيرة تطالب باعتقاله كمجرم حرب، لارتكابه الجرائم والمجازر بحق الشعب الفلسطيني، قال بأن ما يقال في الغرف المغلقة من قبل العديد من الزعماء العرب، لا يتطابق مع ما يجري التصريح وإعلانه، في ما يتعلق بالاعتراف بـ»إسرائيل» كدولة يهودية، فهناك جزء مهم من الزعماء العرب مع الاعتراف بيهودية الدولة، وحتماً نتنياهو لا يذيع سراً في هذا الجانب، فمن وقفوا إلى جانب «إسرائيل» في عدوانها على المقاومة وحزب الله في تموز 2006، وفي حروبها العدوانية على شعبنا في قطاع غزة، والتي وصلت إلى حد تامين الوقود لطائراتها والمساهمة في دفع تكاليف تلك الحرب، ليس بالمستبعد عليهم تأييد ودعم يهودية الدولة، فبعض الأنظمة العربية، والتي تعمل كعراب وحامي لـ»إسرائيل» في المنطقة أخطر على القضية ومصالح الشعب الفلسطيني من «إسرائيل» نفسها، وما نشهده من قيام البعض من قيادة مفاوضات بين «إسرائيل» وحماس من أجل توقيع هدنة طويلة، تفضي في النهاية إلى شرعنة وتكريس الانقسام، وتفكيك المشروع الوطني الفلسطيني يندرج في هذا السياق، وأكثر من مسؤول «إسرائيلي» امتدح العلاقة مع مشيخات النفط العربية، حتى أن يعالون ونتنياهو قالا في أكثر من مقابلة ولقاء، بأن من نتائج وفوائد الحرب العدوانية «الإسرائيلية» الأخيرة على قطاع غزة، إنها كشفت عن تشكل حلف جديد وأصدقاء جدد مع ومن الزعماء العرب، وبأنهم باتوا على قناعة بأن عدوهم الرئيسي، ليس «إسرائيل» بل إيران، وقضية فلسطين لم تعد قضيتهم المركزية.
الضغوط الأوروبية على نتنياهو من أجل العودة للمفاوضات مع الفلسطينيين يقابلها بالطلب منهم الضغط على الفلسطينيين بضرورة الاعتراف بيهودية الدولة، بدلاً من سعي أوروبا لمعاقبة إسرائيل» من خلال وضع علامات خاصة على منتوجات المستوطنات «الإسرائيلية»، ويرى بأن هذه الخطوة «غير عادلة، وتضر بعملية السلام»، وأنها تعبير عن سياسة معادية لـ»إسرائيل»، وعن انتقائية بارزة لا تُنفذ في الأراضي المتنازع عليها في العالم.
نتنياهو ما كان له أن يتبجح وأن يصل إلى مثل هذا الحد من العنجهية والاستعلاء، لو أن الحالة الفلسطينية موحدة وغير ضعيفة ومنقسمة على ذاتها، ولو أن هناك موقفاً عربياً جدياً، موقف موحد بأن قضية فلسطين، هي قضية العرب الأولى، وأنه لا تطبيع ولا علاقات مع «إسرائيل» ولا تبادل سفراء، قبل أن تعمل «إسرائيل» على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وتنسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتوقف كل جرائمها وإجراءاتها وممارساتها العنصرية بحق الفلسطينيين.
نتنياهو يستغل مثل هذه المواقف والحالة العربية المنهارة، لكي يتهرب من دفع أية استحقاقات من أجل عملية السلام، فهو يريد أن يعود للمفاوضات مع الفلسطينيين على أساس قانون المغدور رئيس وزراء الاحتلال شامير، عندما قال في مؤتمر مدريد للسلام قبل توقيع اتفاقات أوسلو الإنتقالية، ما المانع من مفاوضات الفلسطينيين والعرب عشرين سنة دون اعطائهم أي شيء، ونتنياهو وغيره من رؤوساء الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة بمختلف تلاوينهم الحزبية صاروا على هذا النهج، فنتنياهو يستغل هذه المفاوضات العبثية التي مضى عليها حوالى عشرين سنة، لكي يستمر في تنفيذ مخططاته الاستيطانية والتهويدية وتغيير الحقائق والوقائع بالقوة، ويستفيد من تلك المفاوضات كغطاء ووقت مستقطع لتنفيذ ذلك، وبما لا يترك للفلسطينيين أي أرض للتفاوض عليها أو إقامة دولة فلسطينية مستقلة عليها، شاملة كامل الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس.
كلام نتنياهو واضح، هو يريد منا أن نعترف بالصهيونية كحركة تحرر وطني وليس حركة عنصرية، وأبعد من ذلك يريد أن نتخلى عن أهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني أراضي 48 ، وأن يجرى طردهم وترحيلهم في نكبة جديدة، وليس هم أصحاب حق وأرض ولدوا وتربوا فيها، ويريد وهو الأخطر أن يسقط حق شعبنا في العودة إلى ارضهم التي طردوا وهجروا قسراً منها من قبل عصابات دولة الاحتلال.
نتنياهو وهو يكشف المستور يضعنا أمام الحقائق عارية، ولربما هي معروفة لنا ولكن هناك البعض منا يكابر، وهذا يجعلنا كفلسطينيين ندرك بأن بعض العرب، ليس فقط تخلوا عنا بل وانتقلوا للعمل ضدنا وضد مصالحنا ومشروعنا الوطني، مستغلين حالة ضعفنا وانقسامنا من أجل أن يتدخلوا في شؤوننا الداخلية لفرض رؤيتهم وأجنداتهم علينا، ولذك يجب علينا أن نغادر خانة تغليب المصالح الفئوية والخاصة على مصالح شعبنا الوطنية العليا، وأن نعمل على إنهاء الانقسام كمدخل مهم لاستعادة وحدتنا الوطنية، وبما يمكننا من المقاومة والصمود من أجل نيل حقوقنا في الحرية والعودة والاستقلال.
Quds.45 gmail.com