الطاولة المستديرة تعسّ لكنّها مستمرة
هتاف دهام
تعسّ الطاولة المستديرة في ساحة النجمة لكنها مستمرّة في المدى المنظور وستعقد جولة جديدة لها برئاسة الرئيس نبيه بري الثلاثاء المقبل. ولا أحد يتجرأ على أخذ الخطوة الأولى بتحمّل مسؤولية نسف الحوار. المعنيان الأساسيان بالحوار الوطني حزب الله وتيار المستقبل لن يبادرا الى نسفه، فهما يتحاوران في حوار ثانٍ، لكن، من سينسفه سيكون غيرهما. عبّر أمس رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بغيابه الذي سيستكمل في الجلسات المقبلة عن تململ من استمرار الدوران في العنوان الأول، فهو ليس مرتاحاً على الإطلاق تجاه ما يجري في الحوار، وفي الوقت نفسه نجح العماد في ترسيخ حضور الوزير جبران باسيل، حيث قدمه كرئيس للتيار الوطني الحر على طاولة وطنية الشكل، ولو «مرّقه» تسللاً.
وعليه فإنّ بُعد اللحظة السياسية لانتخاب الرئيس يتحمّل وجود هذه الطاولة التي تبحث عن دور لها، ولكنها ستبقى على قيد الحياة في إطار البحث عن دور، فالمناخ الإيجابي والممتاز الذي أشاعه رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الذي غادر الجلسة قبل ان تنتهي ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري بعد الجلسة، لا يتعدّى الكلام، فالجلسة لم تبحث في الجوهر ولن تطرح هذا الأمر في المدى المنظور، لكن يبقى التأكيد أنّ تكرار الجلسات على رغم إدراك الجميع أنها لن تتعدّى تقطيع الوقت، فهي ضرورية في ضوء الزيارات المتسارعة لمسؤولين أوروبيّين الى لبنان وقريباً لمسؤولين من الإدارة الأميركية، وحاجة ماسة في ظلّ استمرارالحراك خصوصاً أنّ الرئيس بري المعنيّ الأول والقائد المحوري لهذه الطاولة المستديرة بدا أمس أنه المستهدف الأول من الحراك.
لقد استكملت الجلسة الثانية النقاش في البند الأول من جدول الأعمال المتعلق بانتخاب الرئيس. اذ لا يمكن من هذه الجلسة الانتقال في البحث من العنوان الاول الى العناوين الأخرى المتعلقة بقانون الانتخاب وعمل الحكومة، وانْ كان المتحاورون، لا سيما رئيس الحكومة تمام سلام والنائب جنبلاط، لامسوا الملفات الحياتية وأزمة النفايات في شكل خاص.
عرضت الكتل النيابية آراءها في الاستحقاق الرئاسي. أجمع المتحاورون في الشكل على ضرورة الإسراع في انتخاب الرئيس، وقدّم كلّ رئيس كتلة مقاربة حزبه لمعايير هذا الانتخاب، التي استغرق النقاش حولها معظم الوقت، نظراً الى التباين في وجهات النظر في الهوية الوطنية والاستراتيجية التي يجب أن يتمتع بها شخص الرئيس، حيث رفض تيار المستقبل انتخاب رئيس للجمهورية من فريق 8 آذار الذي اعتبر من جهته انّ هذا الكلام ليس متوازناً، لأنّ الرئيس الذي يُتفق عليه سواء كان من 8 أو 14 يصبح عندها رئيساً قوياً محصّناً بإرادة لبنانية جامعة.
ظهّرت الجلسة بصورة تفصيلية مواقف الأطراف، لكنها لم تسجل أيّ تقدّم فعلي في المواقف المتباعدة. شدّد رئيس مجلس النواب في البداية على ضرورة الالتزام بجدول الأعمال، قائلاً: «كلّ فريق في الجلسة الأولى تمسك بموقفه وهذا أمر طبيعي». ولفت إلى «أنه لا يتوقع أن نصل إلى نتائج في جلسة أو اثنين، ودعا كلّ الأطراف إلى أن تطرح ما لديها من حلول».
وركز رئيس الحكومة في مداخلته على دعم خطة النفايات التي إذا لم تعالج سيسقط البلد ويسقطنا جميعاً. ودعا الى تحييد ملف النفايات من الصراع السياسي. وتساءل رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي عن الفائدة من انتخاب رئيس اذا كان الناس قد فقدوا الثقة بمؤسسات الدولة.
ودعا رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال أرسلان الى تطبيق خطة شهيّب للنفايات.
ورفض رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة أن تناقش خطة النفايات على طاولة الحوار، واعتبر «أنّ الحكومة معنية بذلك». ولفت إلى «أنّ تيار المستقبل يحاور للحؤول دون انزلاق البلد إلى الصراعات الكبرى، وهناك اتجاهان في البلد: الاتجاه الأول يدعو الى معالجة الأزمة من خارج الدستور والنظام، ويسعى الى الإطاحة بالطائف، والثاني هو الذي يتمسك بالدستور ويرى انّ الطائف هو الحلّ». وحذر من الحرب الباردة الساخنة التي تلوح في الأفق، واستنكر مجدّداً الكلام الذي قاله رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الأسبوع الفائت عن التفاوت في الانتماء الوطني مما استدعى رداً من النائب رعد متسائلاً: «عن سبب الحساسية الكبيرة الذي يثيره هذا الموضوع عند السنيورة»؟ فتدخل الرئيس بري محاولاً تصويب الأمور الى جدول الأعمال. وانتقد بري «السنيورة الذي ينكز بالمقاومة ساعة وبالجنرال ساعة أخرى».
ورفض الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان «أن تعالج طاولة الحوار ملف النفايات»، مشيراً الى «أنّ هذا الأمر من اختصاص الحكومة».
ودعا مكاري الى رئيس وفاقي بمعزل عن شخصه. ودعا وزير الاتصالات بطرس حرب الى دعم خطة النفايات والى الالتزام بالدستور. وقال لم يعد أحد يؤمن بصلاحية القانون الانتخابي الحالي. ودعا وزير السياحة ميشال فرعون مجدّداً الى تحييد لبنان.
وشدّد النائب جنبلاط على ضرورة فتح مكبات برج حمود والمصنع والشوف وعاليه.
ودعا رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية الحكومة والقوى الأمنية الى تطبيق الخطة الخاصة بالنفايات. واعتبر أنّ التأكيد على الالتزام بالدستور يفرض عدم الموافقة على ترشيح موظف للرئاسة.
واعتبر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أنّ هناك أزمة موجودة لا يمكن نكرانها، وأنّ ما قاله السنيورة يمثل موافقة على مقاربة الوزير فرنجية. ودعا حردان الى المناقشة في مواصفات الرئيس، والى تجنّب الردود والردود المضادّة. وقال: «من يملك أكثر عليه أن يقدّم أكثر»، داعياً كتلة المستقبل الى تقديم مبادرة وتنازلات في سبيل الحلّ.
وأشار رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل الى ضرورة الاتفاق على اسم الرئيس أو النزول الى المجلس لانتخاب ايّ كان والشاطر بشطارته». وذكّر بتجربة الرئيس الراحل سليمان فرنجية الذي أصبح رئيساً قوياً بدعم كلّ من الرئيس كميل شمعون وريمون إده وبيار الجميل له. وتحفظ أرسلان على طرح السنيورة ان هناك فريقاً مع الطائف وآخر ضدّ الطائف، وقال: «إنّ الحق الدستوري يعطي للنائب حق الحضور وعدم الحضور».
وأعاد النائب رعد التذكير بأنّ بنود جدول الأعمال مترابطة، وأنّ الخلاف ليس على الدستور بل على قراءته. ولفت الى «أنّ الرئيس هو رمز الدولة ونحن نؤيد انتخاب رئيس مسيحي قوي يطمئن المسيحيين في لبنان والشرق، ونحن دعونا تيار المستقبل منذ أكثر من سنة إلى التفاهم مع التيار الوطني الحر. وردّ رعد على السنيورة في ما خصّ اتفاق الطائف بالقول: «لم يطرح أحد تعديل الطائف إنما الالتزام به».
وقال وزير الخارجية جبران باسيل: «صحيح انّ لدينا تحفظات على خطة النفايات، لكننا لم نسعَ الى عرقلتها». ولفت الى «أنّ الطائف كرّس المناصفة والشراكة لكن لم نجد لا المناصفة ولا الشراكة في المجلس النيابي أو في الوزارة أو في الوظائف». وتابع: «نحن ندعو الى طمأنة المسيحيين، فالمسيحيون في المنطقة ينظرون الى ما سيحصل مع المسيحيين في لبنان». وشدّد على «أنّ الديمقراطية هي الناس، فلماذا تعتبرون العودة الى الشعب هرطقة»، وشدّد على ضرورة العودة الى الشعب في الانتخابات الرئاسية، واعتبر «انّ نصاب الثلثين هو ضمانة التوافق».
رفض ممثلو 14 آذار المشاركون الطرح العوني واعتبروه انتهاكاً للدستور، عندها ردّ باسيل «يبدو أنّ معيار الفريق الآخر هو تحييد الرئيس الذي يمثل الشعب، ويبدو أيضاً انّ وجودنا يحرجهم، اذ ربما من الأفضل ألا نكون موجودين». وأكد الرئيس بري من جهته «رفض فكرة الاستفتاء من دون تعديل دستوري لأنها تشكل تعدّياً على صلاحية المجلس النيابي».