العراق وسورية والأعداء المشتركون
فيصل عبد الساتر
يعيش العراق اليوم المشهد نفسه الذي عاشته سورية خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ واجه الجيش السوري في أشرس المعارك الحركات الإرهاببية المتعددة من متفرّعات تنظيم «القاعدة» مثل «جبهة النصرة» وما بات يعرف بتنظيم «داعش». ويخوض الجيش العراقي اليوم بعد إعلان الإستنفار العام في صفوفه مواجهات ضارية مع مجموعات «داعش» التي دخلت على نحو مفاجئ مناطق واسعة من العراق.
هنا تطرح أكثر من علامة استفهام حول سر هذا الهجوم المفاجئ لـ«داعش» والإنهيار المفاجئ للجيش العراقي في بعض المناطق في آن واحد؟
إن ما حدث في العراق من انهيار مفاجئ للجيش العراقي والقوات العسكرية العراقي، خاصة في محافظة نينوى وصلاح الدين، وما تبعهما في محافظات أخرى في ديالا، وصولاً إلى مدينة كركوك لم يكن بالأمر السهل أو البسيط ، والتبريرات كلّها التي تقدم من هنا وهناك والذرائع المتعددة التي ساهمت وتساهم فيها قوى محلية عراقية وقوى إقليمية وفي مقدمها دول كانت تنفخ في النار العراقية وتستعمل جميع أساليب التحريض الطائفي والمذهبي وشعاراته، لم يقنع أحداً بأن ما كان يحدث في العراق من خلل في العملية السياسية يمكن أن يؤدي إلى هذين المظهر والمشهد اللذين يعودان بنا في الذاكرة إلى التاريخ عندما هاجم التتار مدينة بغداد.
القنوات الفضائية والوسائل الإعلامية عينها التي ما فتئت تبث سمومها في ساحاتنا العربية جمعاء واعتبرت أن «القاعدة» وكل من هو من نسل وتفرعات «القاعدة» في منطقتنا بات النموذج الذي يعنون به «المقاومين» و«المجاهدين».
كل ما يحدث ما بين سورية والعراق ربما أُسّس له في العراق وبعض الدول الأخرى، لكنه لم يكن يقصد في مؤداه الحقيقي ومشروعه الحقيقي إلاّ أن يحقق أهداف، إمّا في بلاد الرافدين أو في بلاد الشام، ذاك أن الإيديولوجيا التي يحملها هؤلاء والتي تغذت من منابع الحقد والنفط لم تستطع في لحظة تاريخية ومفصلية من تاريخنا المعاصر فيما استطاعت المقاومة الحقيقية هزم الاحتلال الأميركي والاحتلال الصهيوني في منطقتنا أن تنتصر وتعيد أمجاد هذه الأمة، إذا كانت لها أمجاد بالفعل، لأن مجدها الحقيقي هو في ما حققته هذه المقاومة من انتصارات وليس ما تقوم به الحركات الإرهابية.
لكن رغم هذه الانتصارات التي حققتها المقاومة شكلت شعلة عز وانتصار في عالمنا العربي والإسلامي، إلاّ أن هناك دوماً من يسعى ويعمل على تقويض كل علامة من علامات نصرنا ليحولها إلى هزيمة نكراء.
كيف ذلك؟
على طريقة الذين كانوا يقولون: صحيح انتصرت المقاومة في لبنان لكن كلفة الانتصار كانت دمار لبنان، وصحيح أن كلفة الانتصار في العراق كانت خروج الأميركي من دون أي ضمانات لمصالحه ومن دون أي ضمان لأمنه مع بقاء قواته، إلاّ أنهم أردفوا قائلين إن ما حصل هو تقاسم طائفي ومذهبي، وحولوا هذا النصرعلى الأميركي المحتل إلى نصر لفئة على فئة أخرى، أو فئة تستقوي بفئات أخرى وهكذا دواليك، كأننا لا نجيد في هذه المنطقة إلا نبش الأحقاد التاريخية والمذهبية والعرقية والطائفية وما إلى ذلك من أمراض فتكت بنا، ونحن نسير بذلك ونذهب إلى حيث هذا المرض، نصطحبه معنا كأننا لا نعيش إلا بأمراضٍ مماثلة أو «فيروسات» من هذا النوع.
إذن، هؤلاء «الدواعش» ومن معهم ومن يدعمهم ليسوا أقوياء بأنفسهم فحسب، بل هم أقوياء بما لهم من سواعد ومنابع ترفدهم بكل ما يحتاجون إليه، لكي يرتسم المشهد العام في المنطقة إلى خريطة تتسع فيها دوائر القتل وتتشابك فيها المعارك تحت عناوين متعددة، فبعض الأكراد يسعون إلى تحقيق حلمهم بالاستيلاء على كركوك مدعين أنها حق من حقوقهم، والأتراك ربما يستعيدون ما كانوا يقولونه أنه حق لهم في الأراضي العراقية كالموصل أو بعض المناطق الأخرى، أو يتذرعون ببعض الأقلية التركمانية كي ينزعوا عنها الهوية العراقية ويقولون إن هؤلاء موالون لتركيا. والبعض الآخر تحت شعار تهميش العرب السنة يبرر لنفسه إسقاط الدولة ويفتك بالمواطنين ويغتصب النساء ويصدر البيانات التي من شأنها أن تشحن كل عراقي ضدّ الآخر بذريعة الاختلاف المذهبي فيقاتل أخاه في المواطنية وفي الوطن.
هل ينجح هذا المشروع؟
هذا المشروع مثلما أجهض في سورية ولم تكن له مدن حاضنة ولا بيئة الحاضنة بكل ما للكلمة من معنى، سوف يلقى المصير نفسه في العراق وإن كانت سرعة سيطرة «داعش» واحتلالها للمدن ترسم العديد من علامات الاستفهام. لكننا نقول بصراحة، هذا ليس النموذج الذي يمكن أن يأخذ العراقيين والسوريين إلى أي شاطئ أمان، وإن غداً لناظره قريب.