تركيا بين استراتيجي الخسارة والواقع الأصفر القادم
فاديا مطر
منذ ظهور الصورة المرعبة للطفل الكردي «إيلان» غارقاً على الشواطئ التركية في أيلول الجاري، حتى الوصول الى قضية المهاجرين الذين يتدفقون على الحدود الاوروبية من تركيا وغيرها، تتموضع قصة المسؤول الأوروبي الذي قال: «إن قضية اللاجئين فضيحة أخلاقية خليجية ومسؤولية إنسانية أوروبية»: فالخطوط البيانية لتدفق اللاجئين السورين إلى أوروبا بغية ألمانيا بالتحديد هي مطردة بإزدياد لتشكل سيلاً من البشر الهاربة نحو «اللاحرب» ومع ما أعلنه رئيس مجلس الأوروبي «دونالد توسك» في 17 ايلول الجاري عن قمة طارئة للاتحاد الأوروبي حول اللاجئين ستعقد في بروكسل في 23 أيلول الجاري، تقف على زجاج النافذة تركيا التي تستوعب لاجئين سوريين بعدد ما يقارب ما هو موجود في لبنان مع فارق المساحة الجغرافية للدولتين والتي كانت الهجرة منها أكبر بـ4 أضعاف حجم الهجرة من لبنان بعد المطالبة الأوروبية بالنظر إلى خريطة القطارات الأوروبية إلى تركيا والتمعن بها، فتركيا التي تطالب بمنطقة عازلة منذ عام 2012 من طريق مجلس الأمن وقعت مرات عدة تحت الرفض الأميركي ليعود جدل الخيارات الصعبة الى الواجهة تركياً بعد الرفض الأميركي لتصريحات تركيا لبحث إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية وقول المتحدث للبيت باسم البيت الأبيض جوش أرنست إن إقامة منطقة عازلة ليست أمراً قيد التفكير، إضافة إلى إعلان الأمين العام للناتو ينس ستولتنبيرغ في 9 تشرين الأول 2014 أن المنطقة العازلة ليست مدرجة على جدول اعمال الحلف وشركائه، فالأهداف غير متناسقة بين تركيا وحلفائها الغربيين، وهو ما جعل الرئيس التركي أردوغان يُقايض قضية المنطقة العازلة والقضية الكردية بمسألة دفع بحر من اللاجئين الى أوروبا وخصوصاً
ألمانيا التي تحوي عملياً غرفة عمليات الأكراد في أوروبا التي تلقت الصدمة بدلاً عن الدول الخليجية المتحالفة مع تركيا والتي تقع تحت تساؤلات كبيرة شعبياً خصوصاً انها من الدول غير الموقعة على شرعة الامم المتحدة للاجئين، فباختلاق أزمة النازحين لأوروبا من خلال التصعيد العسكري في شمال سورية تحت شعار تركي «حرب على داعش» وقصف لأحياء حلب من قبل مسلحين تابعين لتركيا لم ينتج أكثر من ربع مليون مهجر إلى الحدود السورية التي دفعت بهم تركيا إلى أوروبا عبر اليونان ليشكلوا اول موجة بشرية، هو مشروع تركي يحمل في طياته تهديداً مبطناً إلى ألمانيا لقبول المقايضة بالمنطقة العازلة التي بدأت مترتباتها تبدأ من 7 حزيران الفائت وخسارة حزب العدالة والتنمية للورقة البرلمانية بعد ان دارت خلال شهر كامل مفاوضات تركيا ـ أميركا ـ ألمانيا انتهت بالقول الحسم الألماني للقضية ليقع أردوغان تحت قبول النتيجة وإعلان انتخابات مبكرة في ضوء قبول تركي لمحاربة «داعش» تحت راية سحق الأكراد «ذوي المرجعية الالمانية» التي رفضت المنطقة العازلة لما لها من تداعيات روسية ـ إيرانية في حال صدور قرارها، والقرار الألماني ـ الأميركي بسحب صواريخ «الباتريوت» في نهاية تشرين الاول المقبل، هو ما شكل «رسائل شفهية» بعد إعلان الجيش الأميركي في أوروبا ومقره ألمانيا نشر صواريخ «باتريوت» في تركيا تابعة للاطلسي في 4/ 1/2013 إلى قاعدة إنجرليك التركية بطلب من تركيا ليتبعها إعلان هولاندا في 22/ 1/ 2013 وإعلان المانيا في كانون الثاني 2014 إرسال بطاريات باتريوت التي هي شبكة صواريخ مضادة للصواريخ والطائرات، فتركيا طلبت مساعدة الأطلسي في حالة خطر يهددها وكانت الفكرة هي سر التمهيد نحو منطقة حظر جوي ومنطقة عازلة، فتركيا التي أتهمت كل من المانيا والنمسا واسبانيا أصحاب الإيديولوجية السياسية المشتركة في أوروبا بالسعي لحوار مع الرئيس الأسد وهو ما لم يصدر نفي رسمي بشأنه بل أقتضى في 9 أيلول الجاري دعوة من النمسا في زيارة وزير خارجيتها سيباستيان كورتس إلى طهران بأننا «نحتاج الى مشاركة الأسد في التصدي لأرهاب «داعش» وفي ما دعاه نظيره الأسباني خوسيه مانويل الى التفاوض مع الرئيس الاسد لبحث «وقف إطلاق نار»، فأعلان سحب الصواريخ الأطلسية من تركيا في 16 آب المنصرم هو جدار أساسي بالملف الكردي يحمل صفة «تصارعية» تُنبأ ببدء المواجهة مع تركيا التي تشكل هذا الإعلان بالنسبة إليها تسليم بسقوط أمرين: أولهم أن تركيا غير مهددة فعلياً وهي ليست تحت الحماية وثانيهم أن المنطقة العازلة أنتهت لغير رجعة، مع بداية تقارب الوقت حتى الانتخابات التركية المبكرة التي صارت موعداً مؤكداً لسقوط حزب أردوغان فيها، والتي ظهرت بوادرها مع اندفاع اللاجئين نحو أوروبا مما يجعل الرد التركي في إطار التنفيذ، فمع رؤية المسؤول الأوروبي أن التصعيد العسكري في الشمال السوري وربما في ريف دمشق حيث السيطرة التركية سيستمر حتى ما يقارب بداية تشرين المقبل لزيادة أعداد المهجرين نحو أوروبا والمانيا تحديداً هي ما جعلت التفسير يطابق التحضير، وهو ما زاد الشرخ في جدار الدول الأوروبية الذي أقامته لتضيق الخناق على دمشق مع انقسام أوروبي حيال سورية وقيادتها على خطى مساعي تسويات إقليمية هادئة ومتزنة بعيدة من دول «التجييش» مثل السعودية وتركيا وتجاهل لدور قطر والكيان الصهيوني وتركيز أميركي ـ ألماني بعد قرار سحب «الباتريوت» على تركيا التي تحوي ألمانيا أكبر جالية «كردية» لها في الغرب الاوروبي، مع قدوم انتخابات مصيرية تركية وترسيخ دعم روسي عسكري واضح لسورية بدأت آثاره واضحة على الأرض، والمشهد الدولي الذي ينتظر اجتماع «أوباما» مع رؤساء الوفود العربية والأوروبية في 29 أيلول الجاري لمناقشة ملفات المنطقة والعالم على وقع لجوء دراماتيكي إلى أوروبا غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، ووحل الحرب اليمنية التي جعلت دول الخليج في ضبابية مستقبلية، فهل الطابع الاستراتيجي الاوروبي بدأ بتغيير صورته كما فعل رئيس وزراء بريطانيا في 8 أيلول الجاري والذي وصفته «الاندبندت» البريطانية بأنه «مخيف لجهة عدم الوضوح بالرؤية»؟ أم أن هناك من لايزال «عراب للخراب» في البر والبحر؟