المحاسب يخطئ في حساب الأكثرية
حسين حمّود
ليس موضوع الأكثرية والأقلية هو السقطة الوحيدة لتيار «المستقبل»
منذ وصوله إلى السلطة في بداية التسعينات وبعد خروجه منها. فحسابات التيار ورهاناته كان بعضها مستنداً إلى معطيات ووقائع خارجية ومحلية يقفز فوراً منها لبناء سياساته ويضع على أساسها منهج إدارته للسلطة التي للمناسبة لم يخرج منها قط وإنْ غاب عن بعض الحكومات، إذ إنّ «ملائكته» من المديرين العامين ورؤساء المصالح وقيادات القوى الأمنية، كانت دائماً حاضرة ولو حتى كانت الحكومات، رؤساء ووزراء، من خصومه الألداء أو هو خصمهم الشرس.
إلاّ أنّ أداء «المستقبل» لم يكن دائماً سليماً بسبب رهاناته التي بنى عليها سلوكه السياسي والاقتصادي والإداري، غير واقعية والأخطر أنها كانت تلغي وجود طرف أو أطراف غيره على الساحة السياسية، ليصل بنفسه إلى أوضاع كارثية، يبدّد في النتيجة، من رصيده الشعبي، ولا سيما الرصيد الضخم الذي حظي به تعاطفاً من اللبنانيين معه إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط عام 2005. وبالتالي تسبّب قادة تيار المستقبل بتقليص قاعدته الشعبية وزيادة خصومه المتضرّرين من سياسته الإلغائية للآخرين، وزيادة شعبية هؤلاء لتصل شعبية المستقبل إلى أدنى مستوياتها بعد إدارة رئيسه سعد الحريري ظهره لوطنه وطائفته وأنصاره وتفضيله العيش قرب مصالحه المادية البحتة بذريعة المخاوف الأمنية، لكنه يدحض بنفسه هذه الذرائع عندما يستدعي الأمر أن يكون ناطقاً باسم المملكة العربية السعودية للإعلان عن مكرمة ملكية مالية في محاولة لإعطائها صدقية وجدية، علماً أنه لم يترجم ذلك حتى الآن خصوصاً هبة المليارات المخصصة لتزويد الجيش اللبناني بالسلاح الفرنسي والذي لم يصل منه إلا النذر اليسير.
وليست مغادرة الحريري بيروت وحدها السبب في تراجع شعبية «المستقبل»، بل أيضاً أداء كتلته النيابية إذ أنّ بعض نواب الكتلة دعم التيارات الإسلامية المتطرفة وتهجّم على الجيش وبرّر الاعتداءات المسلحة عليه تحت حجج طائفية ومذهبية، الأمر الذي سحب من رصيد المستقبل مجدداً لمصلحة الجماعات الإرهابية الناشئة.
وقد أدّى هذا الوضع إلى فرز في قاعدة المستقبل الشعبية التي تضرّرت في مصالحها الحياتية جرّاء الصدامات المسلحة العديدة التي شهدتها مناطق التيار كطرابلس وعكار وبعض البقاع، فابتعدوا عنه والتجأوا إلى من يعتبرهم التيار الأزرق خصومه في المكوّن الطائفي ذاته.
إلا أنّ تدهور شعبية «المستقبل» لم تبدأ منذ نشوء الوضع المذكور وتشكّل كيانات جديدة، ولا بعد مغادرة الحريري، بل ظهر مساره الانحداري من خلال المشاركة الشعبية في سلسلة استحقاقات انتخابية بلدية ونيابية، ولا سيما في الاستحقاق النيابي عام 2009 الذي أظهر تراجعاً مخيفاً في عدد المشاركين في كلّ المحافظات إلاّ أنّ قانون الستين الذي أجريت على أساسه الانتخابات وطريقة توزيع الدوائر الانتخابية التي حُدّد بعضها على أساس المذهب الواحد والطائفية الواحدة، والخطاب الطائفي والمذهبي الذي اعتمد ولا يزال سائداً حتى اليوم، والاتكاء في بعض الدوائر المختلطة على مذاهب أخرى تدور في فلكه، وإنفاق مئات ملايين الدولارات التي لا تحضر إلا في المواسم الانتخابية، كلها أمور مكّنته من حصد أغلبية نيابية من دون أن يعني ذلك أنه يحوز أكثرية شعبية، إذ إنّ فوز نائب في دائرة ما من خلال عدد معيّن من الأصوات، الذي يحدّد على أساس عدد المقاعد والتعداد السكاني في هذه الدائرة يختلف عن دوائر أخرى تعدادها مغاير بشكل شاسع.
وبالتالي فإنّ ادّعاء رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة في جلسة الحوار الأخيرة بأنّ التيار يمتلك الأكثرية الشعبية التي تحتّم أن يكون سعد الحريري رئيساً للحكومة، غير مطابق للواقع ومخالف لوضع رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي يحوز الأغلبيتين ليس فقط في طائفته بل على المستوى اللبناني العام وبالأرقام إذا حسنت نية «المحاسب» السابق والحالي وأجرى كشف حساب دقيق وشفاف…