موسكو ودمشق: التدخّل مرهون بواشنطن

عامر نعيم الياس

كلام للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول محورية الحرب على الإرهاب في المنطقة وسورية، وتأكيد من سيّد الكرملين على حيوية وضرورة وجود الدولة السورية ورئيسها وجيشها في قلب التحالف الدولي للحرب على «داعش»، مؤكداً على أن سورية لولا الدعم الروسي كانت «أسوأ من ليبيا». يقابله رفعٌ لنبرة التحدّي من الرئيس السوري بشار الأسد خلال مقابلته مع وسائل الإعلام الروسية، واضعاً شرط مكافحة الإرهاب في البلاد أولوية تسبق البدء بتطبيق أو تنفيذ أي حلّ سياسي على الأرض في سورية. في وقتٍ يخرج وزير الخارجية السوري وليد المعلّم ليرمي بالعبارة المفتاحية التي تشكّل أساس المرحلة المقبلة ومفتاح رؤية مآلات الصراع السوري في المدى المنظور «دمشق ستطلب قوات روسية عند الضرورة». ليردّ عليه الكرملين وبشكل سريع ومباشر: «إذا تسلمنا نداءً في هذا الشأن فسندرسه طبعاً ونناقشه في إطار اتصالاتنا وحوارنا الثنائي».

توافق وتناغم لا صدفة تحكمهما بين الدوليتين الروسية والسورية وبين الرئاستين تحديداً ووزارتَي الخارجية. أطلق السوريون والروس بموجبهما سلسلةً من التصريحات التي تحدد الخطوط العريضة والأساس القانوني للاستراتيجية الهجومية الروسية في سورية، والتي طال انتظارها من جانب الساسة السوريين سواء على مستوى الخطاب السياسي أو على مستوى الدعم العسكري «بالسلاح النوعي لمواجهة السلاح النوعي للإرهابيين» وفق تعبير وزير الخارجية السوري، متسائلاً إن كان بإمكان أحد منع موسكو من التدخل في المكان الذي تريده.

تختلف الحالة السورية بالنسبة إلى موسكو عن الحالة الأوكرانية. هناك، لم يكن الطلب الرسمي من الدولة الأوكرانية والرئيس المنتخب متاحاً أمام الكرملين، كون الرئيس لم يصمد، وانهار حكمه في غضون أيام. وهو ما أحرج موسكو بكل ما للكلمة من معنى. ويلاحَظ في هذا السياق العبارة المفتاحية الروسية حول «الرئيس الشرعي المنتخب» والتي ذكرها وليد المعلّم نقلاً عن لقائه بالرئيس الروسي قبل أشهر في سوتشي، وهو ما يمكن عطفه على التركيز الروسي الكامن تحديداً في تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف حول عدم انتهاك القانون الدولي وسيادة الدول وضرورة أن تنسّق الخطوات الخاصة بملف مكافحة الإرهاب وعمليات أي قوة على الأرض السورية مع الحكومة السورية، إن لم تكن قد تمّت بطلب منها، وهنا بيت القصيد. فموسكو ردّت على المعلّم الذي رمى العبارة المفتاحية في خطوةٍ سياسية إعلامية منسّقة وموجّهة إلى الأميركيين قبل كل شيء. فهي استمرار للاستدارة الروسية في الملف السوري والانتقال من الاستراتيجية الدفاعية في سورية إلى الاستراتيجية الهجومية وفق خطوات تُحدَّد من الرئاستين في سورية وروسيا على أساس القانون الدولي واحترام سيادة الدول.

«القوات الروسية تدخل إلى سورية بطلبٍ من الحكومة السورية المنتخبة والشرعية»، عبارةٌ تذكرنا بما جرى بين لبنان وسورية في نهاية سبعينات القرن الماضي من دون أن نخوض فيه في مقالنا هذا. لكن ترك الباب مفتوحاً أمام هذا العبارة تحديداً وما ذكرناه في مقال سابق حول عبارة «كل الخيارات على الطاولة» يترك المجال مفتوحاً أمام مراجعة الحكومات الغربية وتحديداً البيت الأبيض لاستراتيجية إدارة الأزمة مع روسيا حول سورية ومناقشة الرؤى المختلفة لمحاربة تنظيم «داعش» في سورية والعراق، لعلّ النية الصادقة تحكم الموقف الأميركي الذي أعرب عن الاستعداد «لمناقشات تكتيكية وعملية مع الروس بهدف تعزيز أهداف التحالف ضد تنظيم داعش وضمان سلامة عمليات التحالف»، وبالتالي لا يعود هناك ضرورة للتدخل.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى