«مأزق واشنطن في كييف»
حميدي العبدالله
«مأزق واشنطن في كييف» تحت هذا العنوان نشرت صحيفة «واشنطن بوست» و«بلوممبيرغ نيوز سيرفس» مقالاً أعدّه بشكل مشترك «جورو جين» محرّر في شؤون الأمن القومي، و«إيلي ليك» محلل سياسي أميركي، خلاصة المقال تؤكد أنه ليس لدى الولايات المتحدة من خيارات في أوكرانيا، سوى المواجهة المسلحة الواسعة والمباشرة مع روسيا، إذا أرادت الولايات المتحدة التصدّي لروسيا ومنعها من مواصلة ضمّ جزيرة القرم، ودعم المقاطعات الشرقية في أوكرانيا.
صحيح أنّ الكاتبين لم يتحدّثا صراحة عن إعلان الحرب على روسيا من قبل الولايات المتحدة، لكنهما انتقدا ما عدا ذلك من سياسات ومواقف، وهي السياسات والمواقف الممارَسة حتى الآن من قبل إدارة أوباما، وأكدا أنّ هذه السياسات تشكل مأزقاً أميركياً في أوكرانيا.
لكن هل الولايات المتحدة قادرة على الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا في أوكرانيا؟
من الواضح أنّ ذلك نوعاً من أنواع الانتحار، ولا تستطيع أيّ قيادة أميركية، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية اتخاذ قرار بمواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، ولا سيما في أوكرانيا، وذلك لأسباب وحسابات كثيرة، من بين هذه الأسباب والحسابات أنّ روسيا من الناحية العسكرية لا تزال دولة كبرى ولديها قدرات هائلة ، وأيّ حرب مع روسيا ستكون مكلفة ولا يمكن مقارنتها بحروب الولايات المتحدة الأخرى، سواء حرب فيتنام أو حربي العراق وأفغانستان، كما أنّ الاقتصاد الأميركي يعاني من مصاعب كثيرة، وغالبية الشعب الأميركي لا تؤيد التورّط بمزيد من الحروب، وتدعو إلى إيلاء الشأن الاقتصادي أهمية أكبر، بدلاً من تسعير نار الحروب التي تستنزف الاقتصاد، والغالبية الأميركية مستعدّة للتحرك والضغط على الإدارة والكونغرس لإحباط خيار الحرب، كما أظهرت التحركات الشعبية التي رافقت حروب فيتنام وأفغانستان والعراق، مع فارق مهمّ يكمن في أنّ أيّ حرب مع روسيا ستكون باهظة ومكلفة أكثر. وبالتالي تحفز على معارضتها بشكل أقوى وأوسع. كما أنّ الحكومات الأوروبية تعارض ذلك لأسباب اقتصادية، وأسباب سياسية وعسكرية، الأسباب الاقتصادية تكمن في واقع أنّ ثمة مصالح مشتركة بين روسيا والدول الأوروبية، وتحديداً ألمانيا، أما الأسباب السياسية والعسكرية فتكمن في أنّ أوروبا قد تتحوّل مسرحاً للحرب وتدفع كلفة أعلى من الكلفة التي يمكن أن تدفعها الولايات المتحدة، وشعوب أوروبا تعارض بقوة خيار الحرب لأنها دفعت ثمناً باهظاً في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
في ضوء كلّ ذلك ليس أمام الولايات المتحدة من سياسات في مواجهة روسيا سوى السياسات الحالية، وإذا كانت هذه السياسات تمثل مأزقاً لأميركا فإنّ هذا المأزق مستمرّ إلى ما لا نهاية.