نعم قال الأسد… وفعل
جمال رابعة
بعد قرار الغرب الأطلسي والإدارة الأميركية بالعدوان على الدولة السورية وشعبها وتحديد الساعة الصفر للبدء بالسيناريو كما رسمت ووزعت الأدوار والمهمات على الكومبارس من أدوات داخلية وخارجية ودول إقليمية وخليجية، أدركت القيادة السورية وفي مقدّمها الرئيس الأسد أننا مقبلون على حرب عالمية كبيرة متعدّدة السيناريوات، سقفها العالي تقسيم المنطقة إلى دويلات مذهبية وعرقية، وأقلها استنزاف الدولة السورية والجيش العربي السوري، بهذه المدخلات والمعطيات والمعلومات حدّد الرئيس الأسد خياراته الاستراتيجية التي أهمّها الصمود وصولاً إلى النصر والنصر فقط.
الغرب الذي لطالما كان يعلم علم اليقين أنّ مخططاته وبرامجه كافة في المنطقة أمامها حائط الصدّ السوري، وستواجه صلابة ومتانة الردّ السوري ولاءات الرئيس الأسد لتنفيذ مشاريعهم في المنطقة، وكلنا يتذكر لاءات الأسد في وجه كولن باول وزير خارجية أميركا.
إنّ الحرب الداخلية في سورية هي الستارة الأخيرة في مسرحية التقسيمات الجارية في الشرق الأوسط، وإضافة إلى ما سُمّي بـ»الربيع العربي»، ومن ضمنه ما يجري في سورية، إثبات عملي بأنّ مشروع الشرق الأوسط دخل حيّز التنفيذ خطوة خطوة، وقبله فشل مشروع رايس وخرائطها في المنطقة وتهديدات كولن باول وشروطه قوبلت باستخفاف وعدم اهتمام واكتراث من الرئيس الأسد بعد زجّ واستيلاد جيوش بالإنابة من القطعان التكفيرية، حيث استقدموا من كلّ أرجاء العالم كلّ شذاذ الآفاق والخارجين على القانون بتمويل خليجي، في مقدّمه آل سعود وإمبراطوريات إعلامية تتصدّرها «الجزيرة» و»العربية» العبرية ، لكن الدولة السورية انتصرت وانتصر الأسد وهو في عرينه في دمشق عاصمة العراقة والتاريخ والنضال والصمود والتصدّي لكلّ أشكال التبعية والرجعية المتأسلمة والإسلام منها براء.
هذه المرة إشارات وعلامات النصر جاءت من الأعداء قبل الأصدقاء، فروبرت فورد السفير السابق لأميركا في سورية نعى في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» الاستراتيجية الأميركية تجاه سورية، وقال إنّ الولايات المتحدة تخسر الحرب في سورية، ودعا إلى مراجعة استراتيجيتها الحالية ووضع أسساً عسكرية ودبلوماسية وسياسية، ودعا المعارضة إلى التخلي عن شرط رحيل الأسد، وهذا ما يتوافق مع نظرة كبار الساسة الأميركيين منذ البدايات، فثعلب السياسة الخارجية الأميركية هنري كيسنغر استشعر خطأ بلاده قائلاً: لقد أخطأنا في سورية، وأردف: «يدهشني اليوم بشار الأسد»، أما بريجنسكي فكان قد قالها صراحة: «الأسد واقع من الحلّ السوري».
هذه التصريحات وغيرها من المسؤولين الغربيين هي حالة تسليم بالنصر السوري وحالة إفلاس حقيقية واستحالة تحقيق الأهداف المعلنة وغير المعلنة من حربهم الظالمة على الدولة السورية، وذلك بقوة الدولة السورية وثلاثية جيشها وشعبها وقائدها الرئيس بشار الأسد.
في عودة متأنية لقراءة ما بين السطور في لقاء الأسد على محطة «المنار»، سخر الأسد من الولايات المتحدة لمراوغة مسؤوليها بتصريحاتهم المتناقضة، ووصف السياسة الأميركية بالغدر وتخليها عن حلفائها أمام استراتيجية مصالحها، وما يختلج اليوم من مرارة وخذلان في نفوس الخليجيين بعد الاتفاق النووي الإيراني مع السداسية الدولية، لجهة تعزيز سياسة الدولة السورية، الأمر الذي يعطي الرئيس الأسد الردّ بقسوة على واشنطن، وما صرخات واستغاثات المسؤولين الغربيين بدعم جهود الرئيس الأسد بمكافحة الإرهاب كما جاء على لسان سيناتور أميركي إذا سقطت دمشق سيسقط الأردن ولبنان ونهاية أوروبا لن تكون بعيدة ، أما النائب في البرلمان الأوربي فدعا إلى تقديم الدعم للرئيس بشار الأسد.
كلّ ذلك يصبّ في إطار التوافق الإقليمي والدولي بعد فشل كلّ المخططات بإسقاط الدولة السورية في مواجهة ومكافحة الإرهاب التكفيري العابر للحدود الذي أصبح يشكل خطراً حقيقياً على كلّ دول العالم بعد صمت عربي وتغطية سياسية له بتدمير الدولة السورية وقتل شعبها.
أمام تعاظم قوة الإرهاب من «داعش» و»النصرة» في سورية، فإنّ هذا الصمود الأسطوري لشعب وجيش سورية ولّد في الأفق علامات التوافق الإقليمي والدولي وظهور العديد من المبادرات الروسية والإيرانية والإماراتية وتفويض روسيا بالملف السوري، وما شهدناه من نشاط دبلوماسي وحجّ إلى العاصمة الروسية موسكو من قبل كلّ الأطراف المعنية بالملف السوري، وكيف كانت كذلك الهرولة غير المسبوقة باتجاه طهران العامل الرئيس في تغيّر اللهجة والسلوك لدى الغرب، وذلك دليل إضافي وواضح على أن لا إمكان للحلّ السياسي إلا بوجود الأسد، وإنّ كلّ هذا الضغط الذي يمارَس على الدولة السورية هدفه أن يقبل الأسد بالجلوس مع ما يُسمّى المعارضة، ولا يفكر بالحلّ العسكري.
أعتقد أنّ طبيعة اللعبة الدولية وأهدافها في سورية بعد هذا العرض ومن الوقائع والتصريحات، قد أصابها الشلل والعقم، لذا تغيّرت الخطط والاستراتيجيات.
من هنا وبحسب ما ورد فإنّ الكثير من رسائل الإعلام والمعطيات الميدانية كان دخول الروسي مباشرة في مكافحة الإرهاب من البوابة الرسمية السورية، فالحرب الدائرة اليوم في سورية وبدعم خارجي لهذه العصابات التكفيرية، ليس هو المشهد الأساسي، إنما التحالف الدولي وقبل الإقليمي هو الحاضر والمتقدّم في التصدي لمواجهة وقتال هذا الوحش العابر للحدود «داعش».
وما الخطوات والتطورات الميدانية العسكرية التي اتخذتها القيادة الروسية في سورية إلا في إطار ترجمة وتعزيز للقرارات الدولية في مكافحة الإرهاب كتزويد الجيش العربي السوري بطائرات ميغ 31، مع الإشارة إلى أنّ عقد هذه الطائرات موقع مع الدولة السورية عام 2007، إضافة إلى وصول كميات كبيرة من صواريخ كورنيت، كما أنّ وصول عدد كبير من المستشارين العسكريين تمهيداً لوصول عدد من القوات الروسية ولأول مرة منذ بداية هذه الحرب القذرة على سورية بدأت موسكو بتزويد دمشق بصور الأقمار الصناعية على الجهات المختلفة كافة، وما انسحاب الباتريوت التابعة لحلف الناتو من تركيا وإخلاء البطاريات كافة من هناك إلا دلالة على إزالة أيّ تهديد للطائرات الروسية خلال عملها في أجواء سورية.
وبحسب مصادر مطلعة، فإنّ هناك استعدادات من أجل إرسال قوات برية لسورية تعمل إلى جانب الجيش العربي السوري وأنها تجري بالتنسيق مع واشنطن وطهران.
في لقاء على قناة «فوكس نيوز» قال المحلل السياسي الأميركي بيتر بينارت عن الرئيس بشار الأسد الرجل الذي قال لنا عندما أصبحت جيوشنا على حدود بلاده الشرقية طلباتكم مرفوضة ، هذا الرجل الذي تعامل يومها مع وزير خارجيتنا آنذاك كولن باول كما يتعامل مع وزير خارجية دويلة صغيرة لا قيمة لها،
هذا الرجل الذي طالبه الرئيس أوباما بالتنحي مرات عدة حتى كاد يتوسل إليه أن يتنحّى اليوم أو غداً، قد نكون مضطرين لاسترضائه وتنفيذ مشيئته وتلبية كلّ ما يطلبه في وجه التمدّد التكفيري في الشرق الأوسط الذي بات يهدّد العالم.
المذيعة: هل تتحدّث عن الرئيس السوري؟ بيتر: ومن غيره سيدتي؟
أخيراً الرئيس الأسد وفي لقاء عام 2011 وأثناء احتدام المواجهات مع مشروع المؤامرة على سورية قال وعلى مسامعي شخصياً إذ كنا حينها في اجتماع مع سيادته: «يريد الحلف المعادي إرهابنا كي نخاف لكن لم ولن نخاف وما أمامنا سوى النصر».
نعم قال الأسد… وفعل.
عضو مجلس الشعب السوري