عورات، عراة، نفايات، إصلاحات…

حسين ماجد

عوراتهم كشفت وهم للعيان عراة، لا ظلّ لهم ولا فوح ولا زهر ولا ثمر، أبعدهم الله، انهم نفايات البشر، لم يحجبهم الجدار ولم تحمهم الأسلاك ولم يخفهم الستار، انكسر شرّهم، وساء ذكرهم، وبان كذبهم، وظهر جهلهم.

يأخذون ولا يعطون، يأكلون ولا يشبعون، وخزائنهم يملأون، لا وطن ولا قومية لهم، لا ضمير عندهم ولا قيم، ولا مثل عليا يعتنقون، ألغوا الدستور والقوانين والتشريعات، «فالعمر محتوم والرزق معلوم»، لقد فرزوا الشعب وقسّموه شعباً وشيعاً، وأعلنوا تعففهم عن فرز النفايات «أنا ربكم الأعلى»، «أيها الملأ ما علمت لكم من اله غيري»، «أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي»، و»ذروني أقتل موسى». إنهم طغاة لقد أكثروا في البلاد الفساد فسادوا وساد، ونصّبوا على كلّ مذهب فرعوناً مندمجاً بهارون، وأصبحت السلطة والعسكر في شخص واحد، وقتلوا الشعور بالمسؤولية عند هذا الشعب المستضعف، فأصبح خاملاً، كسولاً، إتكالياً، لامبالياً، كالطفل الذي يفضل الرضاعة على الفطام، ومعظمه يدافع عن الطغيان ويؤيده تحت عنوان الاستقرار والطمأنينة، و»دعوا الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها».

ورضخ الناس كلّ لطاغيته «إذا كان الحاكم عادلاً فله الأجر وعلينا الشكر، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعلينا الصبر».

الناس وقود خلافاتهم، وقدرات الوطن بتصرّفهم، ويستنجدون بالأجنبي لحمايتهم والانتصار على أبناء وطنهم، ويعلنون شيئاً ويضمرون أشياء، إنه طغيان سياسي، مالي، كهنوتي.

والقضية لا تختصر بالنفايات وبالفساد، بل إنها أولاً قضية الاستبداد، إنها قضية العلاقة الربوبية الألوهية مع شعب مستضعف، «أتؤمنون دون أن آذن لكم، لأقطعن أيديكم وأرجلكم… ثم لأصلبنكم». إنها قضية طغيان الأنا على الكلّ

والفرد على المجتمع، فالأنا هي المفوضة بالكلام واتخاذ القرارات، إنها قضية «اعرف حالك مع مين عم تحكي»، و»اضرب على الأرض وامش»، و»الخطة ستعيش، ستمشي، لا بديل عنها، الخرطوشة الأخيرة إلخ…»، «والمتحاورون

وافقوا عليها وجميع السياسيين أيدوها»، إنها قضية أمراء الطوائف وولاة المناطق، إفتح يا مطمر، وأغلق يا مطمر. خطة

وافقوا عليها قبل أن يقرأوا عنوانها!

رواتب الموظفين مهدّدة، صندوق للإسكان لا قدرة لنا على تمويله، والأهمّ لا منفعة كبيرة لهم فيها، وانهمر الغيث فجأة،

ماية مليون دولار للشمال ومثيلتها للبقاع، للتنمية «المستدامة» وبإشراف ممّن؟ من الهيئة العليا للإغاثة، لأنها ذات اختصاص، اختصاصية تنمية بلا اختصاصيين، وعندها الخبراء الأكفاء المجهولين، إنها خطوة خلفيتها رشوة ونتيجتها حشوة. ورموا الكرة في ملعب البلديات، أعفوها من ديونها «لمن هذه الديون ولماذا؟» وأفرجوا عن أموالها، ولتتحمّل هي وهذا الحراك مسؤولية «النفايات». وقد أعلنوا انّ الحراك الشعبي، يريد «إسقاط النظام» وتصدّوا لبعض المتحمّسين واتهموهم بالتخريب، وهؤلاء الشباب المتحمّسون، قد مارسوا هم أيضاً الاستبداد على الجماد مقابل استبداد قوى الأمن الداخلي على العباد، لقد فهموا أسباب الحراك وأهدافه، «حراك على حق ولكن حذار»، «كانت التظاهرات حضارية»، وهم يعتبرون أوامرهم مطاعة، لأنهم يتملّكون الدولة كلها، لا أيها الطواغيت، إنه نضال من أجل حرية التعبير عن الرأي والديمقراطية، من خلال معاناة ومأساة هذا الشعب في حياته اليومية المعيشية انطلاقاً من رغيف الخبز، وانتهاء بأزمة السكن والنفايات، مروراً بقضايا الماء والكهرباء والضرائب والطرقات.

لقد حاولتم حجب المعرفة وطمس الحقائق، والتشكيك بدوافع أيّ حراك مطلبي حياتي، لقد وعى الشعب ظروفه الذاتية والموضوعية، وتحسّس حاجاته الضرورية، وحدّد أولوياتها المستقبلية.

إنها حركة المستضعفين القادرين الواعين، هي حركة نضال سلمي في بدايتها، هي محاولة بالتي هي أحسن والقول الحق،

إنّ هذا الحراك أيها الفراعنة، هو صرخة من الصمت، ويقظة من النوم، إنه قيم اجتماعية عقلانية إنسانية، تقبلها أهل الحراك بذاتها ولذاتها، ولا تخضع للرأي والرأي الآخر، وهي ثابتة ونهائية، فالصدق فضيلة لا تحتاج إلى بينة، والكذب رذيلة لا تخضع للرأي والرأي الآخر، والوفاء مطلوب عند المحافظ والليبرالي، والغش مرفوض عند المؤمن والملحد، والخيانة

مكروهة من الرجعي والتقدمي، وعند الاشتراكي والرأسمالي، والحرية شعار عالمي، والديمقراطية أساس الدول، إنّ هذا الحراك يهدف إلى بناء هذه القوانين الأخلاقية التي نسفتموها، وحولتم بدونها الديمقراطية إلى طغيان وفساد، وإلى فوضى وديماغوجية، والفساد لا يحتاج إلى ملفات، لقد تبادلتم التهم به وتكرّس معظمه اعترافات، لن ينفعكم إلغاء ديون البلديات ودفع مستحقاتها، ولن يبيّض صفحتكم التوزيع المجاني للكهرباء، ولن يحييكم ما وعدتم به من إنماء، ولن يخاف هذا الشعب من فجور بعضكم محتجاً بالاعتداء على الهيبات والكرامات، وليتذكر هؤلاء قول الإمام علي عليه السلام: «ليس بعاقل من

انزعج من قول الزور فيه، ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه»، و»عجباً لمن قيل فيه الشرّ، وليس فيه كيف يغضب».

وعلمنا التاريخ أنّ أنظمة الدول تسقطها الحروب مع الخارج، وأنتم ستحققون ما عجزت عن تحقيقه الاحتلالات والعدوان، أنتم وطغيانكم وسلوككم وتعنتكم وشهواتكم سوف تسقطون نظامكم المستبدّ، بأيديكم في لبنان، ليت مملكة الإنسان لم تنفصل عن مملكتي الحيوان والنبات، لكنتم تعلّمتم قيم العمل، والحب، والشجاعة، والوفاء، والعطاء، وقيمة حرية وكرامة الإنسان.

معظم البلديات هي الإبن الشرعي لمجلس النواب، بنيات، وذهنيات، وسلوكيات، وقانون انتخاب، وينقصها ما تتمتع به

الحكومة من قدرة ومعطيات وإمكانات، والتخلف لا يحكم بالوكالة، أو بالتجزئة والاستنساب، بل هو شمولي مستبدّ يطرق جميع الأبواب، والظروف المتخلفة تتحكّم بحياة العباد ونمو البلاد.

النفايات احتلت الساحات، وملأت كلّ المساحات، وانطلقت التحليلات والتكهّنات، وتربّعت حول طاولة الحوار القيادات،

واتخذت القرارات، خطة «شهيبية»، والمسؤلية على البلديات.

القضية وببساطة ليست ثورة لإسقاط نظام، ولم تطالب بهدم بنيته أو نسف هذا البنيان، إنها حركة عمل اجتماعي إنمائي إنساني، يؤمّن الظروف الحياتية الملائمة تساعد للانتقال إلى مرحلة أكثر إنسانية، وتلبّي الحاجات الأساسية لعيش حرّ كريم، وحلّ هذه القضية يندرج في ما صلح من نصوص في وثيقة الوفاق الوطني، «الطائف» حين تحدّثت هذه الوثيقة التي

تدّعون حرصكم على تطبيق بنودها، عن «الإصلاحات الأخرى»، ومن هذه الإصلاحات التي إذا ما طبّقت، تؤمّن لنا الظروف

الذاتية والموضوعية لنموّ دائم سليم، ونذكر منها ثلاثة إصلاحات، حسب ورودها في الوثيقة:

3 – إعادة النظر في التقسيم الإداري بما يؤمّن الانصهار الوطني وضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات.

4 – اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى القضاء وما دون عن طريق انتخاب مجلس

لكلّ قضاء يرأسه القائمقام تأميناً للمشاركة المحلية.

5 – اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالإمكانات المالية اللازمة.

ويمكن أن يُضاف إليها «المجلس الأاقتصادي الاجتماعي للتنمية. الوارد ذكره في البند هـ من الإصلاحات الأخرى، والذي لم يتمكّن من أداء دوره منذ إنشائه.

ومن المفيد جداً مشاركة الهيئات الشعبية في وضع الأهداف التفصيلية لهذه الإصلاحات، وكيفية تشكيلها، وتحديد مهامها وصلاحياتها وأساليب وأدوات عملها، ولتتحمّل الوزارات مسؤولياتها ولتتغلب على «ضراتها» من مجالس ومؤسسات!

وسنحاول في المقالة المقبلة تقديم مساهمة متواضعة لمقاربة هذه الأمور تحقيقاً لأهدافها الاجتماعية الإنمائية الإنسانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى