المرصد

هنادي عيسى

في القرن الماضي، كان معيار نجاح نجوم الغناء في العالم العربي، صوتهم القدير. وكانت الإذاعات محدودة العدد، الوسيلة الوحيدة لانتشار أعمالهم. وكان المستمعون يجلسون أمام جهاز الراديو كلّ ليلة للاستماع إلى أحدث أغاني أمّ كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وصباح وفيروز، وغيرهم من عمالقة الفنّ العربي.

هذا الأمر يدلّ على أنّ قدرات صوت المطرب وحدها كانت العامل الأساس في إيصال الأغنية الجميلة إلى المتلقي. و مع مرور الأيام، لعبت الأفلام السينمائية دوراً مساهماً في توسيع دائرة نجومية المطربين. فأدخلتهم تاريخ الفنّ العربي من بابه الواسع. ولا تزال الأجيال المتلاحقة تتعرّف إلى فنّ الكبار عبر هذه الأفلام الخالدة.

أما في عصرنا الحالي، ومع فقدان موهبة الصوت أهميتها نوعاً ما، وُضع نجوم الغناء في خانة التصنيفات. فمنهم من يُطلَق عليه لقب «مغني الألبوم»، وآخر «مغنّي المهرجانات الشعبية»، وغيره «مطرب الطبقة الراقية»، وأخرى «نجمة الكليبات»، إلى ما هنالك من تسميات. فللأسف، لم نعد نرى مطرباً شاملاً يحمل كلّ المواصفات التي تؤهّله لدخول تاريخ الفن اللبناني من بابه الواسع، إلا في ما ندر.

إذا حاولنا وضع كلّ نجم لبناني في خانة من خانات هذه التصنيفات، يمكننا أن نبدأ بإليسا التي استطاعت أن تصل إلى نجومية متقدّمة، نظراً إلى اختياراتها الغنائية الذكية التي تتربّع على عرش المبيعات في العالم العربي، سواء لجهة الألبومات أو لجهة المواقع المخصّصة لبيع الأغاني على الشبكة العنكبوتية مثل «آي تيونز» و«أنغاني» وغيرهما. ولكن على رغم مرور 15 سنة على احترافها الغناء، لم تستطع إليسا أن تقف على خشبة أيّ من المسارح وتمتلكه. فهي تنسى كلمات أغنياتها في الغالب، وكثيراً ما تخونها قدراتها الصوتية. والنشاز يكون التهمة المرافقة لها في كلّ حفلاتها.

أما المطرب المُصنَّف في خانة «نجم المهرجانات الشعبية» فهو فارس كرم، نظراً إلى شعبية مواضيع الأغاني التي يقدّمها. مثل «الأرجيلة» و«التنّورة» و«نسونجي»، وآخرها «ع الطيّب». إنما يجب عليه أن يطوّر في لونه الغنائي لأن هذا اللون بدأ يلفظ أنفاسه نتيجة تكراره من قبل الكثيرين.

وائل كفوري أضحى نجم المهرجانات الكبرى في لبنان والعالم العربي في المرحلة الحالية. وأعطاه نجاح ألبومه الأخير زخماً كبيراً، وجعله يتربّع على عرش المسارح. أولاً لأنه يتمتع بصوت جميل وقدير. كما ساعده حضوره الجذاب ووسامته ليصبح «معشوق النساء». ومن يتابع كفوري منذ سنوات، يلاحظ أنه اجتهد على نفسه، وطوّر أداءه على خشبة المسرح، وصار متمكّناً من أدواته، وحضوره يلهب النفوس في المدرجات التي تعجّ بالآلاف، ولاحظنا ذلك مؤخراً في مهرجانات جرش والأرز وبيروت ومصر إلخ.

عاصي الحلاني نجم المسارح، وأغنياته القديمة تشعل المدرجات. لكنه منذ سنوات لم يستطع أن يقدّم أغنية «ضاربة». فالعمل الذي لا تزال تتردّد أصداؤه بين الناس هو «بيكفي إنك لبناني»، أما كل الاعمال التي صدرت بعد هذه الأغنية، مجرّد أغنيات أضيفت إلى أرشيفه.

نجوى كرم هي نجمة صف أول منذ عشرين سنة، وهي تملك أدواتها على خشبة المسرح، وتعلم كيف تسيطر على جمهورها بقوّة حضورها وأغنياتها التي حفظها الناس عن ظهر قلب. وقد استطاعت أن تبقى موجودة في سوق المهرجانات والحفلات بسبب أرشيفها الغنيّ، على رغم أنها في السنوات الأخيرة قدّمت أغنيات اعتبرها البعض لا تليق بتاريخها.

عبر هذه الأسماء، ربما سلطنا الأضواء على التصنيفات التي وضع فيها نجوم الغناء اللبناني أنفسهم. وكما ذكرنا، هناك مطرب مسرح، ومطرب مهرجانات شعبية، وآخر نجم مبيعات، ومطرب كامل الأوصاف، ولا شك أن المطربين الأخرين مقسّمون وفق هذه التصنيفات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى