السلوك الأميركي إزاء دمشق كسلوك الرايخ الثالث!

محمد احمد الروسان

الواقعية السياسية هي فهم للمجريات التي من خلالها تستنبط الحلول والمواقف، وعليه تبدو الواقعية كحلّ وسط بين المثالية التي تقود الى الانعزال والتهور الذي يقود إلى الهزيمة، وعليك أن تكون ثعلباً لتعي الأفخاخ المنصوبة، وأن تكون أسداً لترهب الذئاب من حولك، وما أصعب الجلوس الى البلهاء، لأنّ كلام الأخيرة كلام بلاستيكي يمرّ ببطء في العنق، كما يمرّ جرذ مبتلع في عنق أفعى، فالبلهاء من الناس يكرّرون ما يُقال ويمهّدون بجهالة فاحشة وما زال هذا النهج مرسوماً في العقل الجمعي لبعض اليوابس أي الساحات العربية، لاحتلال العقول لتحلّ محلّ احتلال الأرض، حيث اذا كنت لا ترى غير ما يكشف عنه الضوء، ولا تسمع غير ما يعلن عنه الصوت، فأنت في الحق الحقيق لا تبصر ولا تسمع، فهل من مبصر وسامع يا عرب؟

الفدرالية الروسية بزعامة بطرس العظيم، تعمل على إنهاء مشروع ضخم وخطير ويعدّ الأخطر بعد مشروع سايكس اللعين وبيكو الخبيث على المنطقة، حيث يتموضع هذا الإطار الفيروسي الأخطر، في قيامته وفعله على إعادة الهندسة الاجتماعية للمنطقة برمّتها عبر الاستثمار في مصفوفات الإرهاب الأممي واستراتيجياته وعصابة «داعش» في مقدمتها، حيث نرى أنّ الأميركي عبث بأمن واستقرار العالم انطلاقاً من دمشق، والعالم الحقيقي يخوض معركته الأممية الرابعة الآن بين قلاع دمشق وأسوار موسكو وسور الصين العظيم ومنحنيات الطبقة الوسطى الإيرانية، ذات الآفاق السياسية، والتي يمكن الرهان عليها إيرانيّاً لنهوض طهران ونحت مصالحها في مجالاتها الحيوية، متزاوجةً مروحة العبث الولاياتي الأميركي مع استراتيجيات الاستدارة نحو آسيا للعبث بأمن الصين وروسيّا، وللتغلغل داخل مفاصل الدولة الإيرانية عبر سياسات التطبيع الناعم مع طهران، فجاءت الرؤية الروسيّة الجديّة الآن في قيامها بمروحة واسعة من الأسلحة النوعية والكميّة والذخائر عبر الجو والبحر باتجاه الدولة الوطنية السورية ونسقها السياسي، معلناً العظيم بطرس فلاديمير بوتين: لن أسمح بسقوط الأسد وستبدو السماء كفروة خروف عيد الأضحى المبارك عندّ المسلمين.

فسورية مركز الكون وتوازنه، ومنها يبدأ تشكّل عالم متعدّد الأقطاب، والصراع الروسي وحلفائه من جهة، مع الأميركي وحلفائه من جهة أخرى، يتأرجح بين العداء والتنافسية المطلقة، فإنْ سقطت دمشق سقطت موسكو وبكين وطهران، هذه هي المعادلة بكلّ بساطة، وما يجري في دمشق وجلّ الجغرافيا السورية يجري في شوارع وأزقة موسكو وبكين وطهران، بالنسبة إلى رؤوس المثلث المقاوم الروسي الصيني الإيراني لاستراتيجيات العبث الأنكلوسكسونية، وتصرفات العاصمة الأميركية واشنطن دي سي تشبه تصرفات الرايخ الثالث، هكذا يعتبرها العظيم بطرس فلاديمير، والوجود الروسي في المتوسط والداخل السوري ليس قعقعة سلاح، لا بل وجود عملياتي جاهز للفعل عند الضرورة، وعندّ الطلب السوري الرسمي إذا دعت الحاجة، وكما أعلن السيّد المعلّم وليد المعلّم وزير الخارجية أيقونة الديبلوماسية السورية ، والدولة الوطنية السورية بجانب استهدافات البؤر الحاضنة للإرهاب في الدواخل السورية، تستكمل بناء هياكل الديمقراطية السوريّة الحقيقية المناسبة في المجتمع السوري المقاوم.

فبعد البدء في تنفيذ قرارات هذه المروحة العسكرية الروسية الواسعة إزاء دمشق لمكافحة مجاميع الإرهاب المدخل والمتعاظم في الداخل السوري، بسبب الصفاقات السياسية للولايات المتحدة الأميركية ومصفوفات الأدوات من أتباعها في المنطقة، وما تبعها من إسنادات إيرانية مماثلة وإسنادات صينية ماليّة وديبلوماسية قد تقود الى إسنادات عسكرية صينية في الداخل السوري، إزاء مجاميع الايغور التي تمّ إحلالها في قرية الزنبقي وغيرها مكان السكّان الأصليين، خفّ نعيق الإسرائيلي الصهيوني، وصارت انقطاعات هنا وهناك لعواءات للطرف الثالث بالحدث السوري، ولم نعد نسمع فحيح أفاعي البعض العربي المتقاطع مع الطرف الثالث في المؤامرة على سورية ونسقها السياسي.

عندما تحين لحظة الحقيقة لمفاعيل الفعل العسكري الروسي في البؤر الساخنة في الداخل السوري عبر طلب الدولة الوطنية السورية، ستشمل تلك الضربات النوعية والكمية الروسية السورية المشتركة، الجماعات الشيشانية والشركسية التي أدخلتها الاستخبارات التركية منذ بدء الحدث السوري وتفاعلاته وعقابيله، حيث تلك الجماعات دخلت لتفعل فعلها وتتمرّن في الجغرافيا السورية، وتستبيح ديمغرافية تلك الجغرافيا واللعب بالمكونات للشعب السوري، بما فيها المكون الشركسي السوري الوطني الذي وقف بجانب دولته الوطنية، حيث تمّ الإدخال ليكون الإخراج لها كأثر في القوقاز الروسي كمجال حيوي عميق وذي أثر لجهة إيلام روسيّا.

كما تشترك الصين مع الروسي لجهة استهدافات آلاف الايغور الصينيين الذين تمّ إدخالهم عبر تركيا الى سورية، وخاصة من المكونات السياسية ومنظومات المورد البشري للحزب التركستاني الإسلامي والذي يجنح باستمرار لجهة التطرف نتيجة عمليات التعبئة الفكرية السلبية، فهناك أكثر من عشرين ألف فرد من الايغور تحديداً مع عائلاتهم تمّ استيطانهم في سورية، وإحلالهم في قرية الزنبقي المجانبة والمحاذية للحدود مع تركيا، بعد أن تمّ تهجير سكانها بفعل «داعش» و«النصرة» وكافة أدوات المصفوفة الإرهابية المدخلة الى الداخل السوري.

ومن هنا نرى أنّ الصين والتي تملك أكبر شبكة تجسّس استخباراتية بمجال التكنولوجيا الألكترونية الدقيقة، بجانب مصفوفات استخبارية أخرى ذات حسّ استخباري كبير وعالي، حيث مسارات التعاون مع المصفوفات الاستخباراتية الروسية والإيرانية على شكل اتوستراد واسع وطويل، تتشارك مع الفدرالية الروسية في المواقف والمخاوف إزاء المسألة السورية وحدثها ومفاصل جلّ المؤامرة على دمشق، لذلك بدأت كلّ من موسكو والصين وطهران وعبر ميكانيزمات دبلوماسياتهم النشطة في تحديد إطار عمل دولي وقانوني لعمل بعثاتهم العسكرية في سورية، ومنذ فترات ليست بالطويلة، ولا أحد يعرف كيف تفكر دمشق.

فلاديمير بوتين الذي أيقظ الشعور القومي الروسي المتعاظم والمتصاعد في وجدان ونفوس سكّان الجغرافيا الروسية، وتصالح بعمق مع الكنيسة الأرثوذكسية والتي موطنها سورية قلب الشرق ومفتاح البيت الروسي، يدرك بامتياز عميق أنّ روسيا بدون سورية وديكتاتورية جغرافيتها ستخرج من المعادلة البحرية العسكرية في أيّة مواجهات مع الغرب والأميركي، فالأسطول الروسي الذي يحتاج الى قطع مسافات شاسعة في البحار بين البلطيق والمتوسط سيضطر للعودة الى البلطيق اذا احتاج الى ملائة وفرشاة أسنان ومعجون لأحد جنوده.

اذاً: إذا خرجت روسيا من معادلات القوّة العسكرية في البحر مع خروجها من معركة الطاقة وخاصةً الغاز مهزومة، بانتصارات خطوط الغاز الأوروبية القطرية السعودية مع احتكار تركيا على خطوط الإمداد، وتحوّل تركيا الى دولة ترانزيت ثرية بفعل الاستيلاء على خطوط الامدادات، وستكون تركيا ومن الزاوية الروسية أكثر استعداداً وشراسةً لدعم جلّ سفلة سلّة الزبالة هذه من الإرهابيين والتكفيريين في العمق الروسي لتمزيق مفاصل وأحشاء روسيا، عندها وهنا فقط ستخرج موسكو وربما الى الأبد من المعادلة العسكرية والسياسية والاقتصادية الأممية.

نواة الدولة الوطنية الروسية رأت أنّ الدولة الوحيدة في المنطقة والتي لم تبدّل السلاح الروسي هي سورية، وأدركت أيضاً ومنذ أن بدأت الأخطار تتهدّد أهم محركات الأقتصاد الروسي النفط والغاز ، وجدت منظومة الحكم في موسكو أنّ الرصاصة القاتلة لمشاريع الطاقة الروسية تأتي من مشروعات النفط والغاز الأوروبية الأميركية الخليجية من قلب جزيرة العرب لتصبّ في سواحل البحر الأبيض المتوسط، وخاصة على الساحل السوري عبر الأراضي السورية الى تركيا.

الروسي والسوري والإيراني والصيني، لديهم قراءات دقيقة لمعطيات تتقاطع مع معلومات مؤكدة، أنّ عناصر الطرف الثالث في المسألة السورية وبعد صناعة الرأي العام في أوروبا والأخير تمّ خلقه وتشكله بعد عاصفة اللاجئين السوريين والتركيز عليها ببعدها الإنساني العاطفي بشكل استثنائي وجعله يؤيد تدخلاً عسكرياً غربيّاً في سورية لإنهاء عصابة داعش، قرّرت كلّ من واشنطن وفرنسا وبريطانيا واستراليا محاربة «داعش» للتغطية والتضليل عن الهدف الرئيس، وهو إسقاط النظام في سورية وبالقوّة العسكرية وعبر الجبهة الشمالية السورية، حيث عمّان وفي المعلومات رفضت أيّ تحركات عبر حدودها، لا بل واستبقت ذلك من خلال الابتعاد عن غرفة الموك، ومساعدة الروسي لها في نصف استدارة إزاء دمشق بعد زيارة الملك الأخيرة إلى موسكو، راجع تحليلنا: الملك الى موسكو لترتيب ستاتيكو سياسي جديد وليس لإنتاج 14 آذار سوري ، فدفعت الى إعلان فشل ما سميّت بعاصفة الجنوب السوري وعلى لسان أحد البيادق العملاء.

هنا جاءت القرارات الروسية الأخيرة ومسارات ترسيمها على أرض الواقع والميدان، عبر مروحة مساعدات عسكرية بما فيها السوخوي سي 35، حيث ذهب الإسرائيلي في الكواليس لفك ارتباطاته مع زبالة الإرهابيين ودفعهم نحو الأردن الأقليم الشمالي ، وبدأ هذا الإسرائيلي الصهيوني ببناء جدار الكتروني عازل على طول الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة من العقبة الى تمناع بطول 30 كم، على أن يستكمل بناء الباقي والبالغ 230 كم لاحقاً لحماية نفسه من الارتدادات الداعشية الى الداخل الأردني، نتيجة لبدئه في دفع زبالة الإرهابيين، الذين تحالف معهم منذ بدء المؤامرة على سورية، وفرنسا أرسلت الفابيوس وزير الخارجية الى موسكو لمقايضة سورية بأوكرانيا ورفع العقوبات عنها، ولندن قدّمت طرحاً لدمشق يسلّم ببقاء الرئيس الأسد لفترة ستة أشهر ثم المغادرة بضمانات دولية قطعاً رفضته دمشق وفوراً وبصورة واضحة كونها تعلم خبث ولعانة الانكليزي . فدمشق استطاعت أن تفرض تغييراً متدرّجاً في السياسة الغربية اتجاه سورية من مرحلة مطلب رحيل الأسد السدّ المنيع في وجه المؤامرة، فتمسّك هذا الأسد البشّار بشّار الأسد بالسلطة أسمى تجليات الوطنية والقداسة الى مرحلة بقاء الأسد بشروط لا بل ما هو أبعد من ذلك ، ونجحت في إعادة الربط بين دمشق والقاهرة، وما يجري هذا الأوان على طول خطوط العلاقات المصرية السورية أكبر من تنسيق مشترك في الأمن وستتبعه خطوات سياسية، وتقول المعلومات إنّه وخلال اجازة عيد الأضحى المبارك الحالي، سيقوم مدير جهاز المخابرات المصري بعد أن تشكّلت حكومة جديدة في مصر، وبزيارة قد تكون معلنة أو سريّة الى دمشق، يسبقها أو سبقها أو يتبعها زيارة لمستشار الملك الأردني لشؤون الأمن القومي مدير جهاز المخابرات الفريق أول فيصل الشوبكي، لترسيم العلاقات السورية الأردنية من جديد، حتّى لا تبدو السماء كفروة خروف عيد الأضحى، ومن دمشق وعمّان كلّ عام وأنتم بخير.

كل ما سبق يؤشّر الى حقيقة واضحة وهي أنّ عقيدة الفدرالية الروسيّة تختلف عن عقيدة الاتحاد السوفياتي السابق، وهي أنّ موسكو الآن وبزعامة بطرس العظيم تدافع عن حلفائها، وهي رسالة الى مصر المتردّدة للدخول بجانب الدولة الوطنية السورية صيانةً للأمن القومي العربي.

روسيا عزيزي القارئ، هي رأس حربة المنظومة الآسيوية الجديدة، والتي تمثل الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي والمالي والاستخباري الصاعد في العالم، ومعها إيران وحلفاؤها في محور المقاومة كشركاء على الأرض، ومعها الصين ودول بريكس ومنظمة شنغهاي المعادل المدني والسياسي والعسكري والاقتصادي للاتحاد الأوروبي، هؤلاء الداعمون لاستراتيجيات روسيا في العالم.

الاستراتيجية الروسيّة في سورية تقوم بحدّها الأدنى، بتولي قوّاتها الفضاء السوري والبحر السوري، في حين يتولّى الجيش العربي السوري العقائدي، والحرس الثوري وحزب الله والمقاومات الشعبوية السورية، والحشد الشعبي في العراق تطهير الأرض السورية والعراقية من سفلة الإرهاب وزبالته، لذلك هناك مشروع قرار روسي سيقدّم لمجلس الأمن الدولي ليشمل الفعل الروسي الساحة العراقية وبشكل واضح، كما هو في الساحة السورية، وموسكو أعلنت لمن زارها مؤخراً أنّها لن تسمح بتسهيل دخول الإرهابيين الى سورية من دول الجوار السوري كما كان الحال من قبل، وهذا ما سينقله بوتين الى أردوغان حين يلتقيه قريباً هذه الأيام، كما مهّد له لقاء لافروف مع وزير الخارجية التركي الجديد فريد أوغلو في زوتشي مؤخراً.

وكما قلنا آنفاً إنّ الأسرائيلي الصهيوني قبل بالتخلي عن زبالة الإرهابيين، مقابل ترتيبات أمنية على الحدود في الشمال مع الأردن، والأردن قبل بالإجراء الروسي الأخير وابتعد عن الموك أعلنت الموك فشل عاصفة الجنوب ورفض فتح حدوده للطرف الثالث بالحدث السوري، وهو في طريقه نحو نصف استدارة إزاء دمشق بمساعدة الروسي، وفي حالة أن رفض التحالف العربي الذي يقوده السعودي والإماراتي والقطري، لجلّ الرؤية الروسية الجديّة الآن والتي بدأت تترسم على أرض الواقع والميدان، فانّ الجغرافيا اليمنية ستكون مقبرة لجنود هذا التحالف غير الشرعي، وخارج قرارات الشرعية الدولية والعربية أيضاً، لذلك نرى ثمة انحرافاً سعودياً مفاجئاً نحو اجتراح الحلول وبشكل سري حتّى اللحظة إزاء المسألة السورية واليمنية والعراقية، وانْ كان مصدره الرعب، وهنا شاهدنا السفير الروسي يعود الى صنعاء بعد زيارة الرياض.

الخطر على سورية لم يعد من الجنوب السوري بفعل الجيش العربي السوري، وحزب الله، والحرس الثوري، والمقاومات الشعبية السورية، بجانب الدور الأردني غير المعلن الذي هو في طريقه الى التحالف مع دمشق بمساعدة الروسي، وإنما الخطر يأتي من الشمال السوري، حيث نرى أردوغان أوقف المفاوضات والمحادثات المعلنة لخط سيل الغاز الجنوبي بضغط من واشنطن، وهو منغمس بعمق حتّى العنق في الحرب ضدّ حزب العمّال الكردستاني والذي تعتبره واشنطن وتركيا منظمة إرهابية، كما هو منخرط في الاستراتيجية الأميركية بدرجة الثمالة والهذيان، لذلك الحشود الغربية لإسقاط الأسد ونسقه السياسي سيكون من الجانب التركي، من هنا جاء الفعل الروسي العسكري الجدي الأخير، ومن هنا سيكون بطرس العظيم نجم العالم بلا منازع في الأمم المتحدة بعد انقطاع ناهز ثماني سنوات.

محام، عضو المكتب السياسي

للحركة الشعبية الأردنية

www.roussanlegal.0pi.com

mohd ahamd2003 yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى