بروميثيوس المحكوم بعقاب أبديّ… تراجيديا الأسطورة والرموز والمعاني في نصّ مسرحيّ مبسّط آسر

كتب محمد زكريا توفيق: أسطورة من كنوز الأدب الإغريقي القديم، أعدت كتابتها بعد تبسيطها واختصارها بشيء من التصرف. وعلى الراغب في المزيد الرجوع إلى الترجمات الكثيرة للنص اليوناني القديم، أو العودة إلى النص اليوناني الأصلي إذ كان من الذين يجيدون اللغة اليونانية القديمة.

بروميثيوس واحد من أغنى الشخوص في الأساطير الإغريقية القديمة. قبل عرض الأسطورة بطريقة مبسطة هنا، يجب فهم خلفيتها الثرية بالمعاني، وهذا أمر ضروري. ففي إحدى تنويعات الأسطورة، يظهر بروميثيوس مثل شخصية ماكرة، على غرار الثعلب في قصص الفولكلور. مكر أكثر من مرة بزيوس كبير آلهة الإغريق عندما كان يحاول مساعدة الإنسان. الأساطير والآداب الإغريقية تضعه في مكانة عالية لا مثيل لها، كعبقري مثقف يستطيع معرفة الغيب. وتصوره الأساطير بطلاً، عانى الأمرّين بسبب مساعدته الإنسان. هذا يذكرنا بأسطورة أوزوريس في الميثولوجيا المصرية القديمة. هو أيضاً ساعد الإنسان وعلّمه الحساب والكتابة والزراعة والحضارة وكابد مختلف أنواع العذاب بسبب حقد أخيه ست عليه.

بروميثيوس من التايتان. هم جنس قديم من الآلهة من نسل جايا إلهة الأرض وأورانوس إله السماء. كانوا يحكمون قبل زيوس. بروميثيوس الذي يعني اسمه «المتدبر»، ابن الإلهة تيميس قد تكون هي نفسها جايا إلهة الأرض ، أم الجميع، ورمز القانون والعرف والكلمة الطيبة. حاول بروميثيوس مساعدة ملك التايتان كرونوس في حربه الضروس ضد ابنه زيوس، لكنه فشل في إقناع كرونوس بخطته. لذلك ترك التايتان وانضم إلى معسكر زيوس وآلهة الأولومب، كمحاولة أخيرة لإنقاذ نفسه وعائلته.

بمساعدة بروميثيوس، هزم زيوس وفريقه كرونوس والآلهة القدامى، ونفاهم جميعاً إلى تارتاروس أسفل سافلين في مكان سحيق بباطن الأرض. وأصبح زيوس ملك آلهة الأوليمب الجديد. بروميثيوس صانع ماهر، قام بناء على طلب زيوس بخلق الإنسان. وتعليمه وتدريبه على صنع الأشياء وكل شيء يلزمه لكي يعيش على سطح الأرض. لكن الإنسان لم يكن يعرف النار، إذ كانت سراً مقدساً عند الآلهة. كانت النار محرمة على الإنسان بأمر من زيوس.

أمّا في مسرحية أسخيلوس، فسرق بروميثيوس النار وأعطاها للإنسان. غضب زيوس كثيراً إذ كان ينوي إبادة الإنسان، وعاقب بروميثيوس بتقييده بالسلاسل إلى صخرة جبل في مكان قفر بعيد في البرية.

أسخيلوس 525-456 ق. م هو أحد ثلاثة من عظماء مؤلفي التراجيديا المسرحية الإغريق الذين حفظت بعض أعمالهم. الآخران هما سوفوكليس ويوريبيديس. من جميع مسرحيات أسخيلوس الثمانين لم يتبقّ لنا إلا سبع فحسب. الباقي فقد في حريق مكتبة الإسكندرية. وقد يكون أسخيلوس شارك في الحرب ضد الفرس في موقعة الماراثون عام 490 ق. م، وموقعة سلاميس عام 480 ق. م. ويقال إنه مات بسبب سقوط سلحفاة فوق رأسه كان يحملها نسر ربما كان النسر الذي عذّب بروميثيوس بنهش كبده .

بعد موته، وكنوع من التبجيل، سمحت أثينا بعرض أعماله أن تعرض في المهرجان السنوي الذي يتنافس فيه مؤلفو المسرحيات للفوز بالجائزة الكبرى.

«بروميثيوس مغلولاً» هي أول مسرحية بقيت كاملة لأسخيلوس في ثلاثيته. باقي الثلاثية: «فك بروميثيوس» و»سارق النار». بعض العلماء يتساءلون عما إذا كان أسخيلوس هو حقاً مؤلف التراجيديا، لكنها عُدّت من مؤلفاته.

تبدأ مسرحية أسخيلوس بعدما استتب الأمر لزيوس وأصبح الحاكم المطلق للكون بلا منازع، وبعد علمه بما فعله بروميثيوس. عالم الآلهة الإغريقية يأتي واضح في هذه المسرحية. حصول الجنس البشري على النار يعني شيئاً أعظم من مجرد وسيلة للتدفئة والإنارة وطهو الطعام. النار هنا تعني الفن والعلوم والحضارة.

غضب زيوس بسبب عصيان بروميثيوس أوامره ورفضه التوبة. لذا، حكم عليه بالعقاب الأبدي. يبين لنا أسخيلوس في هذه التراجيديا سلطة زيوس الطاغية.

أبطال المسرحية:

بروميثيوس، إله إغريقي مغضوب عليه.

هيفاستوس، إله النار عند الإغريق.

القوة.

العنف.

أوشينوس أوقيانوس ، إله المحيطات عند الإغريق.

أيو، إنسية وقعت في حبائل زيوس وصارت محظية له.

هيرميس، رسول زيوس.

رئيس الكورس.

الكورس، مكون من بنات إله المحيطات أوشينوس.

القوة: لقد وصلنا إلى نهاية العالم. أبعد مكان خرب على سطح هذه البسيطة. أحكم وثاق هذا المتمرد الشرس بروميثيوس، وثبّته بالصخرة. تذكّر أنّها أوامر زيوس الشخصية. اعلم يا هيفاستوس أن هذا المتمرّد، سرق النار منك وأعطاها لهذا الكائن البائس، الإنسان.

تقوم القوة والعنف بربط بروميثيوس وتثبيته بالصخرة

هيفاستوس: لقد أتممتم عملكما، أيتها القوة والعنف. أنا لا أقوى على لمس إله كان رفيقاً لي، لكن يجب أن أمتثل لأوامر زيوس. من الجنون عصيان زيوس. مسكين بروميثيوس، لن تستطيع أن ترى الإنسان مرة أخرى. أشعة الشمس الحارقة سوف تشوي بدنك. هواء الليل البارد سوف يغطيك بالصقيع. لن يستطيع مخلوق إنقاذك مما أنت فيه. سوف تتأوه وتبكي، لكن من دون جدوى. من الصعب استرضاء العظيم زيوس.

القوة: لا تضع وقتك في التفكير في الشفقة. يجب أن تكره هذا الإله الرفيق، الذي سرق منك النار ليعطيها للمخلوق الفاني الإنسان.

هيفاستوس: روابط القرابة والزمالة شديدة.

القوة: هذا صحيح، لكن إياك ومعصية زيوس.

هيفاستوس: أنت دائماً عدوانية أيتها القوة لا تعرفين الرحمة.

القوة: لا تضع وقتك بسبب بروميثيوس. هذا لن يفيده. صفّده بالأغلال، كي لا يراك زيوس وأنت تتسكع. اربطها على صدره، ثبتها حول رقبته، ثم قدميه.

هيفاسيوس: لقد أديت المهمة. مسكين بروميثيوس، أنت لا تدري كم أعاني بسبب آلامك.

القوة: هل تبكي على من نال غضب زيوس؟ كل الحذر يا هيفاستوس، حتى لا ينالك غضب الجبار زيوس، بسبب اهتمامك بـ «بروميثيوس».

يخرج هيفاستوس

العنف: هل تشعر بالفخر الآن يا بروميثيوس؟ كيف يستطيع صديقك الفاني إنقاذك من هذه الأغلال؟

القوة: لقد أعطتك الآلهة الإسم الخطأ، عندما أسموك «المتدبّر».

القوة والعنف يغادران المسرح

بروميثيوس: بسبب حبّي للإنسان أكابد هذه الآلام. كما ترونني، إله مسكين، مربوط بالسلاسل في جلمود صخر، تسخر مني الرياح، مكروهاً من باقي الآلهة. يجب أن أمتثل لقدري قدر الإمكان. اسمعني أيها الفضاء السماوي. اسمعيني أيتها الأعماق في المحيطات. اسمعيني أمّنا الأرض. انصتي إلى آهات كربي وبؤسي. ثمة شيء يقترب. كل جسم يتحرك يرعبني. إنه يقترب أكثر وأكثر وأكثر مني.

يدخل الكورس

الكورس: لا تخف، لقد حضرنا معجبين. أتينا إلى هذه الصخرة لكي نكون أصدقاءك.

بروميثيوس: يا بنات إله المحيطات، تأملن في حالي. أنظرن إليّ كي تروا أي ظلم وقع علي.

الكورس: نحن نرى ما حل بك يا بروميثيوس، لقد تملكنا الخوف ونحن نرى ما حلّ ببدنك.

بروميثيوس: تمنّيت لو أن زيوس كان قد خسف بي إلى باطن الأرض، كي أختبئ من عيون أعدائي ومن رنين ضحكاتهم التي تحملها الرياح لي.

الكورس: أنت تشعر بغضب زيوس.

بروميثيوس: سوف يأتي يوم يحتاجني فيه زيوس الجبار. سوف يحتاجني لكي أدلّه على المؤامرة التي سوف تنزله من فوق عرشه. لكن، لن أبوح بالسر قبل أن يحرّرني من أغلالي هذه.

الكورس: أنت يا بروميثيوس زلق اللسان. جريء جداً، لكن زيوس الجبار قاسي القلب، ذو طباع لا يستطيع أحد تغييرها.

بروميثيوس: سوف يأتي يوم يرقّ فيه ويسرع إليّ ميلئاً تودّداً.

الكورس: بح لنا بالسر كلّه. أخبرنا عن سبب قيدك بالسلاسل إلى هذه الصخرة.

بروميثيوس: عندما اعتلى زيوس الجبار عرش الآلهة أعطى مخلوقات الأرض بعض المزايا. لكنه لم يمنح الإنسان أي شيئاً. كان هدفه التخلص من هذا الجنس المسمى إنسان. أنا وحدي بين الآلهة تجرأت على عصيان زيوس الجبار وحاولت إنقاذ الإنسان المسكين من الفناء. هذا سبب قيدي إلى هذه الصخرة.

الكورس: لقد أدميت قلوبنا.

بروميثيوس: بلى، أنا كائن يستحق الشفقة.

الكورس: هل هذه هي الحكاية كلّها؟

بروميثيوس: لقد أعطيت الإنسان النار. ومن هذه النار، سوف يتعلم آلاف المعارف والفنون.

الكورس: ألهذا يعاقبك زيوس؟

بروميثيوس: بلى، ولم يعطني مهلة زمنية يعفو عنّي بعدها.

الكورس: هل هناك نهاية لحكايتك هذه؟

بروميثيوس: زيوس وحده يقرر نهاية آلامي هذه.

الكورس: أي أمل بقى لك يا بروميثيوس؟ ألم تدرك خطأك بعد؟ يؤسفنا أن نقول لك إنك أخطأت.

بروميثيوس: من السهل إعطاء النصيحة عندما تكون بعيداً عن المصيبة. كنت أعرف أنني بمساعدتي الإنسان، سوف أجلب لنفسي المتاعب. كنت أعرف ذلك.

يدخل أوشينوس إله المحيطات

أوشينوس: لقد وصلت بعد رحلة مضنية. استمعت إلى شكايتك. إذا ظللت تشتكي بمثل هذه الكلمات الغاضبة، سوف يسمعك زيوس. عندئذٍ، ما تلاقيه الآن سوف يصبح مثل لعب الأولاد مقارنة بما يمكن أن تلاقيه في ما بعد. كف يا بروميثيوس عن غضبك هذا. يجب أن تمتثل لقدرك إذا أردت أن يرحمك زيوس. سوف أحاول أن أفك أسرك، لكن تذكّر أن اللسان الزالف يمكن إصلاحه.

بروميثيوس: لا تستطيع مغالبة قوة زيوس. ليس من السهل مغالبته. فلا تورط نفسك في مشكلتي، كي لا ينالك نصيب من غضب زيوس.

أوشينوس: أنت في نصح الآخرين أفضل من نصح نفسك. أنا واثق من أن زيوس سيمنحني مكرمة إطلاق سراحك.

بروميثيوس: لن يأتي جهدك بفائدة. ابعد عني أفضل، فأنا نكد الطالع سيئ الحظ.

أوشينوس: هل ترى أنه قد يصيبني بعض السوء لأنني أحاول مساعدتك؟

بروميثيوس: سوف يذهب جهدك سدى. فعلك سيجعل زيوس عدواً لك فحسب.

أوشينوس: كلامك يدفعني إلى مغادرة هذا المكان.

بروميثيوس: اذهب. ابعد. اترك هذا المكان الآن.

أوشينوس: كلماتك وقعت على آذان صاغية. أنا أغادر الآن.

يخرج أوشينوس

الكورس: إننا نبكي يا بروميثيوس حظك العاثر. عيوننا تهطل بالدموع مثل نوافير المياه. زيوس يشوح برمحه المتعجرف في وجهك.

رئيس الكورس: ما تعانيه من آلام يفوق المعايير كلها.

الكورس: آلامك لا تنتهي مثل أمواج البحر التي ترتطم بالساحل.

رئيس الكورس: الرعد الأرضي القاتم يردد صدى آلامك.

الكورس: الجداول تئن بدوامات المياه لمعاناتك.

بروميثيوس: قلبي يحترق عندما أرى كيف أهان بهذا الشكل. لقد رأيت الإنسان أحمق، فجعلته سيد عقله. كان يعيش مثل النمل في الجحور، وأعماله كلها كان ينقصها التدبير والكياسة. أنا الذي أعطيته الأعداد والحروف وعلّمته الحساب والكتابة. علمته الصناعة وترويض الحيوانات المفترسة. منحته الشجاعة وعلمته صناعة السفن والإبحار. بلى. أنا هو من ألهم الإنسان تلك الاكتشافات كلها. لكنني لا أستطيع أن أجد لنفسي مخرجاً وأهرب من هذا المأزق.

الكورس: أنت مشتّت الفكر حائر. اختلط عليك الأمر كثيراً، فلن تستطيع تبرئة نفسك.

بروميثيوس: جميع الفنون التي يملكها الإنسان أتت مني. ورغم ذلك، لا أستطيع حل مشكلتي المبكية.

رئيس الكورس: لم تخش زيوس عندما احترمت الإنسان كثيراً.

الكورس: كيف قوبلت جميع خدماتك للإنسان بهذا الجحود؟

تدخل أيو

أيو: أي أرض هذه؟ أين أنا؟ من هذا المقيّد إلى الصخرة، غير محميّ من الرياح والعواصف؟ ماذا فعلت كي تواجه مثل هذا المصير؟ إلى أين ألقت بي المقادير البائسة؟ النجدة. قرصتني ذبابة الماشية من جديد. آه آه آه. إنها تقرصني ثانية. أكاد أجن بسبب قرص هذه الذبابة الملعونة. واحسرتاه، لا يمكنني أن أجد مهرباً من مشكلتي.

بروميثيوس: ألست أيو التي تقابل زيوس باستمرار؟ ألست أيو التي تسببت بالغيرة الموجعة لهيرا زوجة زيوس؟

أيو: من أنت؟ من أنت؟ من أنت الذي يعرف عني الكثير؟ بلى، أنا ضحية هيرا وغيرتها اللعينة. إني ملاحقة دوماً بذبابتها هذه لكي تضايقني. أنا دائمة التنقل من مكان إلى آخر بلا استقرار أكابد العذاب والجوع. أخبرني، إذا كنت تدري كيف أبرأ من هذه اللدغات. أخبر خادمتك التعيسة هذه بالسر.

بروميثيوس: أنت ترين أمامك من أعطى الإنسان هبة النار.

أيو: لماذا أنت مقيّد في هذه الصخرة؟

بروميثيوس: غضب زيوس.

الكورس: أخبرينا بحكايتك.

أيو: زيوس كان أحلامي كلّها. كنت أراه ليلة بعد ليلة. هيرا زوجته لم يرقها ذلك، فقررت عقابي بأن حولتني إلى بقرة مع هذه القرون التي تنبت في رأسي، ولدغة الذبابة اللعينة المتواصلة. ستظل تطاردني من مكان إلى آخر طيلة حياتي.

الكورس: يا له من عذاب لا يحتمل. واحسرتاه، واحسرتاه، على مصيرك يا أيو. إننا نرتجف مذ علمنا بمعاناتك.

أيو: واحسراتاه، واحسرتاه على نفسي.

بروميثيوس: بلى تفعلين عندما تسمعين بالشر المقبل؟

الكورس: هل هناك شر متوقع أكثر؟

بروميثيوس: بلى، بحار شتوية من العذاب والخراب.

أيو: لِمَ لا ألقي بنفسي من أعلى قمة الجبل وأنهي متاعبي؟ من الأفضل أن تموت مرة، بدلا من المعاناة اللانهائية.

بروميثيوس: بالنسبة إليّ، لا توجد نهاية لآلامي إلاّ بعد أن يسقط زيوس من على العرش.

أيو: هل يمكن حدوث ذلك، يا بروميثيوس؟

بروميثيوس: سوف يحدث، أعدك. ذات يوم، تجدين بيتا تصبحين فيه أما لعائلة عظيمة. من نسلك سوف يأتي المخلص الذي يخلصني من عذابي الأبدي. سوف يتزوج زيوس. سيكون ذلك سبب سقوطه.

أيو: واحسرتاه، واحسرتاه، الذبابة قرصتني ثانية. قرصها يؤلمني كثيراً.

تندفع أيو إلى خارج المسرح متألمة

الكورس: تهيم المسكينة أيو على وجهها بمرارة شديدة غيرة هيرا زوجة زيوس.

رئيس الكورس: إنها معاناة لا يحتملها أحد، فغضب زيوس هائل.

بروميثيوس: بلى، سوف يسقط زيوس يوما. يجلس الآن بثقة تامة على عرشه، لكن السقوط المدوي آت لا محالة.

الكورس: يبدو أنك تتمنى تحطيمه.

بروميثيوس: سوف يكابد أكثر مما أكابده الآن.

رئيس الكورس: اخفض صوتك.

الكورس: ألا تخف من قول هذه الكلمات يا بروميثيوس؟

بروميثيوس: أليس محكوماً عليّ بالعذاب الأبديّ؟ لم أخاف إذن؟

الكورس: لكنه يستطيع مضاعفة آلامك.

بروميثيوس: دعوه يفعل ما يريد.

رئيس الكورس: أنظر، هيرمز رسول زيوس قادم نحونا.

الكورس: جاء يحمل أنباء.

يدخل هيرمز

هيرمز: أنت يا بروميثيوس، يا من أذنبت في حق الآلهة الخالدين. أنت يا لص النار، إني أوجه كلامي إليك. أنت يا من تنبأت بسقوط العظيم زيوس من عرشه، تكلم ولا تخاطبني بالأحاجي والألغاز. قل الحقيقة، لأن زيوس أوشك أن ينفد صبره معك.

بروميثيوس: لن تحصل مني على شيء، فعد أدراجك من حيث أتيت.

هيرمز: أنت عنيد وقح، وهذا سبب المأزق الذي أنت فيه.

بروميثيوس: أفضّل وضعي هذا على أن أكون مجرّد صبيّ مراسلة.

هيرمز: أنا رسول زيوس الموثوق به.

بروميثيوس: أنا لا أناقش مواضيع مهمّة مع أمثالك.

هيرمز: يبدو أنك لم تتعلم بعد فن الفطرة السليمة. ألن تخبر زيوس بما يريد معرفته؟

بروميثيوس: لا تضع وقتك. يمكنك أن تسأل أمواج البحر عن الجواب. لن أركع أمام عدوي المقيت.

هيرمز: تتكلم مثل جحش صغير. تحاول أن تفك اللجام. لكنك أضعف من أن تكسب. تخيل العقوبات التي قد تحل بك إذا لم ترضخ لرغبات زيوس. اخبره بما يريد معرفته. استمع إلى نصيحتي.

الكورس: كلام هيرمز معقول. استمع إلى نصيحته يا بروميثيوس.

بروميثيوس: ليمتلئ الجو بصوت لرعد، ولتعصف الأعاصير بالأشجار فتقلعها من جذورها، ولتزأر الأمواج بالغضب، لكنني إله خالد لن يستطيع زيوس قتلي.

هيرمز: كلامك يذكّرني بالمجانين. يا بنات أوشينوس، اتركن حالاً هذا المكان. إن هدير الرعد سيطغى ولن تستطيع آذانكن تحمله.

الكورس: لسنا جبانات. سنظل بجانب بروميثيوس. نحن لا نتخلى عن أصدقائنا.

هيرمز: لا تلم إذن زيوس في ما يحدث لك، سبق أن أنذرك. ستقع المصيبة، وستجد نفسك محاصراً بلا مهرب. سوف تحاصر معك حماقتك وتقع في شبكة الخراب هذه.

يغادر هيرمز

بروميثيوس: صخور الأرض وحصاها بدأت تتراقص. الرياح الأربع تزأر، البحر والسماء يجيشان بالغضب. هل أرسل زيوس ذلك كلّه لكي يخيفني؟

يسطع البرق ويزأر الرعد عنيفاً. بنات الكورس يتفرقن في كل اتجاه، تاركات بروميثيوس وحيدا .

بروميثيوس: يا أرض، يا سماء، يا قمر، هل ترون كم أنا مظلوم؟

تنتهي المسرحية ببلوغ تعذيب بروميثيوس أقصاه، ويقوم وحش في صورة نسر بشع بنهش كبده من حين إلى آخر، لكنّ كبده يتجدد باستمرار كي لا ينتهي عذابه الأبدي. غير أن بروميثيوس لا يموت لأنه من التيتان. العاصفة تحتدم، فيما تنزل الستارة ببطء .

بروميثيوس هو رجل لكل العصور. فمن هو في العصر الحديث؟ كيف نقارنه بالعلماء والحكماء والفلاسفة والمفكرين الذين ضحوا بوقتهم وحياتهم في سبيل إسعاد البشرية وإنارة الطريق لها وإعلاء صوت العدل والحق والصدق؟

كيف نقارن بروميثيوس بغاليليو وكوبرنيك وفرويد وداروين وأينشتاين؟ كيف نقارنه بالكندي والرازي والفارابي وابن سينا وابن رشد؟ كيف نقارنه بأحمد لطفي السيد وطه حسين وقاسم أمين؟ كيف نقارنه بالثوار وبكل من وقف في وجه الطغاة بشجاعة وكبرياء، غير مبال بالقوة الغاشمة التي تواجهه؟ بروميثيوس هو جميع هؤلاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى