في العيد تكثر المصائب…
فدى دبوس
يكاد يضيع المرء عندما يتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي أثناء فترة العيد، فهذه تنشر صورتها مع أولادها وعائلتها فرحة بالعيد، وتلك تنشر صور من فقدت من أحبائها ولوعة الفراق تغزو كلماتها، وذاك من لا يزال يدافع عن قضيته حتى لو لم تكن على حق، وبين الصورة والأخرى نجد انتقاداً من هنا وغضباً من هناك والنتيجة النهائية «ما في حدا مبسوط»…
«ما في مي، وما في كهربا»، «ما في مصاري تا نعيش العيد»، «كيف بدنا نفرح وصور الميتين تغزو المواقع»، كلمة من هنا وأخرى من هناك تفقد العيد بهجته فكيف لنا أن نفرح وأشقاؤنا يموتون إمّا في الحرب الصهيو- أميركية أو من الجوع والتشرّد، أسئلة كثيرة تخطر في بالنا عندما نستحضر المشاهد والتعليقات أمامنا، فأين هو العيد؟ وأين يمكن لنا أن نجده؟!
« عم دوّر عالعيد بين وجوه الأطفال ما لقيت طعم للعيد غير براءة ملاك السماء طفل من بلدي اسمه إيلان عم يبشّر الولاد من عمره بفرح وأمل جديد كل عام وأنتم بألف خير وأضحى مبارك» كلمات كتبتها الزميلة لما نوام تبرز أحد مشاهد الحزن في العيد، ولم تكن وحدها التي كتبت تلك الكلمات الموجعة التي تفقد العيد فرحته، بل كانت هناك مئات العبارات التي رثت العيد قبل حلولها، هذه العبارات الحزينة وغيرها لم تعجّ بها صفحات التواصل الاجتماعي فحسب، بل كانت تسيطر على وجوه الناس في الطرقات وفي محال التسوّق التي خلت إلّا من البائعين، وما زاد الطين بلة هي مشاهد الحجاج وهم ملقون على الأرض والذين أصبحوا حديث الساعة على كلّ المواقع، فكان هذا هو السبب الإضافي ليفقد العيد بهجته.
في الآونة الأخيرة، كان أكثر ما يسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي صور الحجاج في منى الذين توفّوا نتيجة إهمال إدارة السعودية وفشلها، وأكثر ما لفت انتباهنا هي تلك الصور التي تظهر أماكن VIP للرجم وهي أماكن مخصصة للشخصيات السياسية والاجتماعية المعروفة، فحتى ممارسة الشعائر الدينية باتت مقيّدة بالمراكز والمناصب، في وقت ماتت عامة الشعب نتيجة تدافع لم تعلم أسبابه حتى اليوم، والمضحك المبكي أن بضعة من السخفاء وجّهوا اللوم إلى إيران وتناسوا أن المجزرة وقعت في السعودية، فهل يمكن للحقد السياسيّ أن يبلغ مداه إلى هذه الدرجة؟
واليوم وبعد هدوء عاصفة منى، عاد الناشطون إلى ممارسة طقوسهم العادية في نقد الدولة والإدارات والفقر وغيرها من المشاكل التي اعتدنا على رؤيتها على صفحات الناشطين، لكن هل يعني ذلك أن الشعب قد خُدّر وغفا في سبات عميق؟ هل يمكن لهذه المشاهد التي تعترضنا على صفحات مواقع التواصل أن تكون هي المعبّر الأوّل عن حالة الشعب؟ هل من الصحيح أن المواطنين باتوا في غفوة لا يمكن لهم الصحو منها أبداً؟
حتى الآن نرى أن الشعب انشغل بالمزيد من المشاكل المحيطة متناسياً عدوّه الأكبر، وربّما تكون هذه هي سياسة تفريغ العقول التي تسعى إليها كل من الإدارات الأميركية والصهيونية، فإلهاؤنا بالعموميات ينسينا المسألة الرئيسية التي علينا العمل لأجلها. ألا وهي أن نقف يداً واحدة لأجل إنقاذ الوطن من الخطر المحدق به.
مهما كثرت الأسباب للحزن نحلم بأن يتغيّر شيء في يوم من الأيام لكن لا يسعنا القول اليوم إلًا أن المصائب تكثر في العيد، ولم يعد في بالنا سوى بيت الشعر للمتنبي «عيد بأيّ حال عدت يا عيد»…