«بعلبك شمس القصيدة»… أمسية لـ«منتدى شعراء البقاع»

لمى نوّام

في المدينة التي أشرقت موهبتهم تحت سمائها الساحرة، وكبرت أحلامهم بين أعمدتها الشامخة. المدينة التي عاشوا معها الحروب والانتصارات، وتذوّقوا طعم الصمود والكرامة من مائها العذب الذي يجري سلسبيلاً ليكوّن نهراً عاصياً على الجيولوجيا. أراد أبناء مدينة الشمس بعلبك، ووفاءً منهم لهذه الأرض التي نشأوا في خيرها وعزّها، أن يأتوا بحناجرهم وقصائدهم لتصدح أصواتهم شعراً في أمسية أقامها «منتدى شعراء البقاع» بعنوان «بعلبك شمس القصيدة»، وذلك في النادي الحسيني ـ بلدة حدث بعلبك.

أحيا الأمسية كلّ من الشعراء: عادل يونس، رباب الموسوي، علي شحيتلي، باسلة زعيتر، أحمد شداد، فاطمة مشيك، عباس مظلوم، وحسين يونس. وذلك وسط حضور لافت من الشعراء والأدباء والأطباء والأساتذة الجامعيين والمهتمين بالفكر والأدب والثقافة تقدّمهم وفد من شعراء «العلّية الثقافية» ـ مجدل سلم برئاسة مصباح الأمين، ووفد «التجمّع الوطني للثقافة والبيئة والتراث» برئاسة أنطوان أبو جودة، ومديرة كلّية العلوم في البقاع د. باسمة شقير.

قدّم للأمسية علي سلمان. ثمّ توالى الشعراء على إلقاء قصائدهم التي نالت إعجاب الحضور.

يقول الشاعر أحمد شدّاد لـ«البناء»: هذه الأمسية هي باكورة نشاطات المنتدى، وقد لاقت ترحيباً شديداً من الأهالي وأصحاب الاهتمام الفكري، وتركت انطباعاً مميّزاً لديهم. كانت الأمسية ناجحة حضوراً وتنظيماً وشعراً، ورأينا ما يبشّر بالخير الثقافي في منطقة البقاع المحرومة من كل مقوّمات الحياة، حتى وصل الحرمان إلى الثقافة. وللحؤول دون ذلك أُسّس «منتدى شعراء البقاع».

بدورها، قالت الشاعرة رباب الموسوي: هي بعلبك، مدينتي، مدينة الشمس، حبوت فوق جنائنها، تربّيت في ظلّ شموخ أعمدتها، وترعرعت بين خيوط شمسها، ونهلت من نبع كرامتها فارتويت عزةً وإباءً وكرامةً، شربت حبّها مع حليب أمي، وتذوّقت شهدها مع قساوة جرودها الصلبة الأبية، فكنت ابنتها العزيزة، وهي لي أمّ رؤوم، فما أقدسها من عظيمة حضنتني! وما أرأفها من مدينةٍ حاطتني بذراعَي العلم والشعر، فكانت بعض حروفي فيها والتي لا تفيها.

من هنا، كان لا بدّ من تأسيس منتدىً شعري، يحكي بعلبك بحروف من نور البلاغة والأدب، يضمّ في حناياه شعراء وأدباء عشقوا بعلبك فرتلوا فيها أبياتهم الخالدة. وكان «منتدى شعراء البقاع»، الذي انطلق انطلاقةً شعريةً موفّقة ومميّزة، أظهرت جانب بعلبك الثقافي الحضاري الشعري الذي خبأته ظروف وأحداث، فأبى إلا أن ينهض على أقلام محبّي هذه المدينة المعطاء.

وقالت الشاعرة فاطمة مشيك: أمسية «بعلبك شمس القصيدة» هي الأولى التي نظّمها «منتدى شعراء البقاع»، هذا المنتدى التي أسّسناه كمجموعة من الشعراء الناشطين في مجال الثقافة والشعر والأدب، تأتي أهمية هذه الأمسية أولاً كانطلاقة لهذا المنتدى، وثانياً لتعزيز النشاط الثقافي في البقاع، وهو الهدف الأساس الذي يعمل عليه منتدانا، وتأتي أيضاً أهميتها في مدّ جسور التواصل الثقافي بين شعراء البقاع وشعراء المناطق اللبنانية الأخرى.

كما رأى علي سلمان، وهو من الفاعليات الثقافية، أّن هذه الأمسية تجربة فكرية أدبية تحمل في مضامينها وموضوعاتها المتنوّعة قضايا وهموماً ترتبط بذات الشاعر أولاً، وبالمجتمع والأمة بشكل عام. ولقد شكلت انطلاقة رائدة في منطقتنا من خلال ثلة من أصحاب الفكر والكلمة التي تمتلئ بها عقول المواهب الحالمة والساعية إلى تحقيق أحلام الوطن والمواطن على مستويات الحياة بكل تفاصيلها. ولا بدّ في هذا المجال من احتضان الكلمة الوجدانية من خلال احتضان أصحابها ليكونوا نَفَس المجتمع وتطلّعاته وأهدافه في ميدان الحياة المليئة بالتعقيدات.

من قصيدة للشاعر أحمد شداد:

أرى ما لا تراه الشمس في كفّ النهار

بلا بصرٍ أفتّش كي أموت بلا انتظار

يجفّ الوقت في بئري ولا أدري

ولا تدرين أيّ الحبّ في جرحي أواري

أعيدي لي وريدي وارسمي الدنيا سماءً

أنا فيها الغمام وأنت فيها ألف دار

تمدّين الدروب وسادةً للزهر حتى

يجيء الليل منسكباً فتنبعث الصحاري

كالعيد ترمي في ضلوعي طرفها

تمشي وكل الكون يمشي خلفها

تمتد ما بين القلوب كثورةٍ

فيحار جرحي كيف يبلغ وصفها

تبكي وأبكي، ليت عيني لا ترى

لغة العيون، ولا تفسّر طيفها

أمّي الحزينة في الشتات مهانةٌ

وأحسّ في شعري تبعثر نزفها

وأرى العروش، أرى الدماء تحوطها

الكلّ باع لكي يعيش مرفهاً

ومن قصيدة «شمس القصيد» للشاعرة رباب الموسوي:

مع صفنة الفجر النديّ تراقصت

وسناء تنثر عطرها الفوّار

مزدانة بشذى الأقاحي رتّلت

آيات عشق، والوجود تمارى

وتوضّأت من سلسبيل معينها

سحب بها قلب المسهد حار

وعلا نمير الصوت يدعو للصلا

والكون كبّر عفّة ووقار

وملائك الرحمن حفت حولها

صلّت صلاة العاشقين جهارا

الشمس تسطع من جبين بهائها

وغدا بمعصمها الجمال سوارا

لو أومأت للبدر أطرق ساجداً

وأحال ليل التائهين نهارا

وعلى جفون العتم يرسم قصة

شعّت على مجد الدنى أنوارا

تحكي حضارتها القلاع وعزّها

يعلو فينسج للسماء ستارا

وجبالها عند القباب تعانقت

لتخطّ درب السالكين مسارا

وثرى عروس الشمس تبرٌ ساطعٌ

أضحى بطهر الثائرين مزارا

والكون غنّى هائماً في وجدها

معزوفة الألق البهيّ جهارا

جذلى حروفي إذ تحاكي أنجما

خلف السحاب خجولة تتوارى

خجلى سطوري من صفاء جمالها

كالزهر في كف الخمائل ثار

من كحل عينيها غرفت صبابتي

ولبست قلبها معطفاً وخمارا

لمدينتي سجدت محابر هدأتي

وصحائف قد خلدت أعمارا

شمس المدائن بعلبك حبيبتي

رجع القصائد تكتب الأقدار

لمدينتي سجدت خمائل صبوتي

فغدت حروفي في الهوى جلنارا

يا أيها المجد المخضّب بالدما

فيك الحرائر أنجبت ثوّارا

ومن إحدى قصائد الشاعرة فاطمة مشيك:

وقطفت من شعر الهوى نجمة

علقتها في خصرها كلمة

لمعت فجنّ الليل يسألني

ماذا فعلت تركت لي ليلي بلا عتمة

في ثغرها يغفو الهوى غفوة

وتثيره إما صحى شهوة

كالحلم عاريةً تراودني

روح القصيدة حين تأخذني

منّي إليه لنشرب القهوة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى