الهجرة إلى الشمال الأوروبي ومشكلة اللجوء والاتفاقات الأمنية المشتركة
يقدم الباحث كمال مساعد في دراسته عن الهجرة إلى الشمال الأوروبي صورة الوضع من الوجهة القانونية الدولية. الاتفاقات الأمنية المشتركة، إضافةً إلى السياسات التي اتبعتها الدول الأوروبية إزاء الهجرة الكثيفة إلى أوروبا والتي تتسم باللاإنسانية.
كمال مساعد
تحتل قضية الهجرة إلى أوروبا من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اهتمام أصحاب القرار والرأي في دول القارة والاتحاد الأوروبي. فهذه القضية هي موضوع مناقشات واسعة في المؤسسات الرسمية، وهي المادة الرئيسية في الاجتماعات المتتالية التي يعقدها وزراء الاتحاد الأوروبي المعنيون بقضايا الهجرة ومضاعفاتها، كذلك فإنها الموضوع الطاغي على سائر المواضيع الأخرى بعد مكافحة الإرهاب الذي يأتي في أولويات الاهتمامات الأوروبية الرئيسية، ويتناقل الأوروبيون بقلق ملحوظ أرقام الهجرة المتفاقمة الصادرة عن الأمم المتحدة حيث وصل إلى اليونان وإيطاليا وحدهما هذا العام حوالى 300 ألف مهاجر. فضلاً عن ذلك، تسلمت ألمانيا وحدها خلال النصف الأول من العام الحالي 2015، بحسب البيانات الرسمية 179 ألف طلب لجوء سياسي. كذلك تشهد أوروبا أكبر موجة من الهجرة البشرية من خارج القارة. وتتحول هذه الأرقام إلى كوابيس لدى البعض إذ تقترن ببعض أعمال العنف التي يقوم بها مهاجرون أو متطرفون ضد المهاجرين، حتى بلغ هذا النوع الأخير من الاعتداءات خلال الأشهر الأخيرة 200 اعتداء واعتداءين ضد مراكز إقامة المهاجرين وعملهم.
سياسة مخزية تجاه اللاجئين
وكانت فرنسا قد اتهمت دول شرق أوروبا ولا سيما المجر، بتبنّي سياسة «مخزية» تجاه اللاجئين، كما طالبت ألمانيا بـ«توزيع أكثر عدلاً» لهؤلاء على دول الاتحاد، وبـ«تضامن أكبر» في ما بينهم في التعامل مع تزايد الهجرة من المشرق وشمال أفريقيا. ويبقى الغائب الأكبر عن النقاش الأوروبي حول المسألة، مسؤولية الاتحاد الأوروبي عن تفاقم هذه الظاهرة وعدم الالتزام باتفاقية دبلن، التي تنصّ على أن التعامل مع طلبات اللجوء السياسي هو من مسؤولية أول دولة أوروبية يصلها المهاجر غير الشرعي، خصوصاً البلدان التي تدخل في إطار «الشراكة» مع الاتحاد.
في هذا الصدد يمكن فهمُ اتفاقات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وبين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي عُرفت بعملية برشلونة عام 1995. فقد ركّزت معظم المشروعات المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وحكومات دول شمال أفريقيا على منع المهاجرين غير الشرعيين بالقوة من التسلسل إلى أوروبا، سواء عن طريق إنشاء معسكرات احتجاز، أو عن طريق ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. كما سعت هذه الجهود إلى تدعيم الاتفاقات الأمنية المشتركة الثنائية أو الجماعية بين الدول الواقعة على ضفتي المتوسط، التي تتيح الدعم المادي واللوجستي لحكومات شمال أفريقيا، وكذلك اتخاذ إجراءات أمنية جديدة لتشديد الرقابة على الحدود، والرفع من قدرات المراقبة، وتعقّب المهرّبين أنفسهم بالإضافة إلى إنشاء بنك معلوماتي أوروبي للإنذار المبكر للسلطات الأمنية بوجود مهاجرين غير شرعيين داخل أوروبا. ويمكننا كذلك فهم خطط العمل Action plans التي تمّ طرحها في إطار سياسة الجوار الأوروبي الجديدة تجاه دول جنوب أوروبا وشرقها. وفي السياق نفسه، رأى وزير خارجية فرنسا، لوران فابيوس، أن دول شرق أوروبا، تتبنى سياسة تجاه اللاجئين، «تتعارض مع مبادئ الاتحاد الأوروبي»، لأسباب سياسية وديمغرافية. أما مضمون الآليات والحلول الأمنية الأوروبية لمكافحة الهجرة غير الشرعية فهي:
أولاً- بداية الاهتمام الأوروبي بمحاربة الهجرة غير الشرعية:
إن تاريخ الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا يعود إلى فترة قديمة من الثلاثينات وحتى الستينات من القرن الماضي. وحيث كانت أوروبا بحاجة إلى الأيدي العاملة، فلم تكن قد أصدرت قوانين تجرم عملية الهجرة غير الشرعية إلى أراضيها. ما جعلها تتبنى إجراءات قانونية تهدف إلى الحدّ من الهجرة غير الشرعية. وقد ازدادت هذه الإجراءات مع بداية تطبيق اتفاق «شنغن» الذي دخل حيّز التطبيق، بدءاً من حزيران عام 1985.
ومنذ عام 1995، أخذت هذه المرحلة طابعاً أمنياً، لجأت من خلاله الدول الأوروبية إلى نهج سياسة أمنية عبر تنفيذ مقررات «القانون الجديد للهجرة»، والذي يستند إلى تبنّي إجراءات صارمة بخصوص مسألة الهجرة.
وفي الإطار نفسه نظّمت العديد من الاجتماعات الثنائية والجماعية في محاولة لاحتواء الظاهرة يذكر منها:
– عقد المؤتمر السنوي المتوسطي لمنظمة الأمن والتعاون بأوروبا، الذي تمّ في الرباط عام 2005 حول خصوصية دور هذه المنظمة في سياسات الهجرة والاندماج.
– تنظيم مؤتمر في المغرب عام 2005، لمناقشة تزايد الهجرة غير مشروعة إلى أوروبا، ووضع خطة مشتركة لمواجهة الظاهرة.
-عقد المؤتمر الأوروبي – الأفريقي الأول لمكافحة الهجرة السرية بالرباط في 2006، بمشاركة العديد من الدول الأفريقية والأوروبية والعربية، لإقامة شراكة وثيقة بين الدول التي يأتي منها المهاجرون والدول التي يتوجهون إليها، والربط بين المساعدات والتنمية، ومكافحة الهجرة غير المشروعة بتعزيز الرقابة عند الحدود، واتفاقات إعادة قبول المهاجرين السريين.
– عقد مؤتمر باريس في تشرين الأول 2008. ويعتبر هذا المؤتمر مرحلة ثانية بعد عقد مؤتمر الرباط، كما أنه يأتي بعد اعتماد الاتحاد الأوروبي «اتفاقية للهجرة واللجوء» باقتراح من فرنسا، لتنظيم تدفّق موجات الهجرة، على ضوء الحاجة إلى الأيدي العاملة في دول الاتحاد الأوروبي.
ثانياً الآليات الأمنية للاتحاد الأوروبي في مكافحة الهجرة غير الشرعية:
تشهد الفترة الجارية تعبئة سياسية وأمنية على صعيد بلدان الاتحاد الأوروبي، في صيغ لقاءات مرنة تشارك فيها الدوائر الأمنية للبلدان الأوروبية الخمس الكبرى، التي تقصدها غالبية تيارات الهجرة السرية، وهي إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. وقد ركزت معظم المشروعات المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وحكومات دول شمال إفريقيا، على منع المهاجرين غير الشرعيين، بالقوة، من التسلل إلى أوروبا، سواء عن طريق إنشاء معسكرات احتجاز، أو ترحيل المهاجرين غير الشرعيين. كما سعت هذه الجهود إلى تدعيم الاتفاقات الأمنية المشتركة الثنائية أو الجماعية بين الدول الواقعة على ضفتي المتوسط، واتخاذ إجراءات أمنية جديدة لتشديد الرقابة على الحدود، والرفع من قدرات المراقبة، وتعقب المهربين والمهاجرين أنفسهم. بالإضافة لتحذير السلطات الأمنية بوجود مهاجرين غير شرعيين داخل أوروبا، ومنها.
1 – إنشاء مراكز الاعتقال:
قامت دول الاتحاد الأوروبي بإنشاء مراكز اعتقال خاصة بالمهاجرين غير الشرعيين، الذين يتم إلقاء القبض عليهم على السواحل الأوروبية، حيث يحتجزون بها حتى ترحيلهم إلى بلدانهم، ولا توجد في هذه المراكز أدنى المعايير المطلوبة في الاعتقال. وقد سمح القانون الجديد، الصادر عن البرلمان الأوروبي عام 2008، باحتجاز المهاجرين غير الموثقين، وطالبي اللجوء الذين لم يوافق على طلباتهم.
2 – أسلوب الترحيل:
قام المجلس الأوروبي في تشرين الأول 2008، بتبني «الاتفاق الأوروبي الخاص بالهجرة»، وهو حجر أساس سياسة الهجرة أثناء فترة الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من عام 2008، ويفرض الاتفاق غير الملزم رقابة أشدّ على لم شمل أسر المهاجرين، ويدعو دول الاتحاد الأوروبي إلى السعي لتبني الطرد ودفع المهاجرين لكي يعودوا إلى بلادهم، والعودة للدخول في اتفاقات مع دول المصدر، لإبعاد المهاجرين غير الشرعيين. ويثير الاتفاق المخاوف بشأن أثره المحتمل على الحق في الحياة الأسرية، والحظر على إعادة خطر الاضطهاد أو المعاملة السيئة. وفي 2008، تبنى البرلمان الأوروبي قراراً مثيراً للجدل عن المعايير والإجراءات المشتركة للدول الأعضاء، الخاصة بإعادة مواطني الدولة الثالثة للمقيمين بصفة غير شرعية، والمعروف باسم قرار الإعادات.
3 – الاتفاقات الأمنية:
تبنت دول الاتحاد الأوروبي سياسة التعاون المشترك مع دول الشمال الأفريقي، عبر إبرام اتفاقات ثنائية وأخرى جماعية من أجل مكافحة الهجرة غير الشرعية. ومثال ذلك الاتفاق الأمن المبرم بين ليبيا وإيطاليا بطرابلس عام 2007.
4 – تشديد المراقبة الأمنية على الحدود الأوروبية:
اتخذت الدول الأوروبية العديد من الإجراءات الأمنية لتشديد الحراسة على طول سواحلها، يذكر من بينها: المشروع الإسباني الممول من طرف الاتحاد الأوروبي، القاضي ببناء جدار حدودي، وهو جدار مجهز برادار للمسافات البعيدة وبكاميرات الصور الحرارية، وأجهزة للرؤية في الظلام وبالأشعة تحت الحمراء. وفي الوقت نفسه، قامت إسبانيا بإنشاء مراكز للمراقبة الإلكترونية، مجهزة بوسائل إشعار ليلي وجهاز مدمج لحراسة المضيق. إضافة إلى مشروع إطلاق قمر صناعي أطلق عليه اسم «شبكة الحصان البحري».
أما الإشكالية التي واجهت الاتحاد الأوروبي هي تسارع وتيرة الهجرة إلى أوروبا على نحو غير مسبوق في أعقاب ما عُرف بثورات الربيع العربي المشؤوم، من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل دفع معظم قادة دول الاتحاد الأوروبي إلى التفكير في تحرك استراتيجي يهدف إلى مواجهة هذه الموجة غير المسبوقة من الهجرة إليها. فقد أدّت ثورات الربيع العربي إلى تزايد تدفق المهاجرين من دول شمال أفريقيا، بزيادة قدرها 823 في المئة عن نسبة المهاجرين لديها في السنوات السابقة، وقد دفع ذلك إيطاليا إلى التهديد بشكل علني بالسماح لهؤلاء المهاجرين بالمرور إلى الدول الأوروبية لأخرى إذا لم ترفع باقي الدول الأوروبية من المساعدات المالية والتقنية اللازمة لمواجهة هذه الأزمة.
تجدر الإشارة إلى أن تحوّل الهجرة إلى قضية أمنية في أوروبا، أرغمت الدول الأوروبية الأعضاء إلى تأسيس وكالة أوروبية للتعاون وإدارة الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي التي أصبحت تُعرف باسم فرونتكس Frontex الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود . وكان قد تمّ تأسيس هذه الوكالة في 26 تشرين الأول 2004 بهدف رئيس هو دعم التعاون من الناحية العملية بين الدول الأوروبية في ما يتعلق بالحدود الخارجية الأوروبية، وذلك في ضوء تزايد معدلات تدفق المهاجرين غير الشرعيين وتوسع الاتحاد الأوروبي والربط الأوروبي المباشر بين المهاجرين والإرهاب في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، وبدأت هذه الوكالة العمل بالفعل في تشرين الأول 2005، وأسست مركزها الرئيس في وارسو ، وتمثّلت مهمتها الأساسية في حراسة الحدود لا سيّما ساحل البحر المتوسط، وتطوير نظام الحراسة على الحدود الخارجية من خلال تنسيق عمليات مشتركة لدولها الأعضاء.
تجدر الإشارة إلى أن عدد المهاجرين الذين وصلوا حدود الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي 2015، هو 340 ألف مهاجر، مقابل 123 ألف و500 لاجئ خلال الفترة نفسها من عام 2014، بحسب وكالة «فرونتيكس» المكلفة بحماية الحدود الخارجية لمنطقة «شنغن» التأشيرة الأوروبية الموحدة . وتتزايد الحوادث التي يُقتل فيها المهاجرون الراغبون في الدخول إلى أوروبا، سواء أثناء عبورهم البحر المتوسط كما يحصل مع المهاجرين السوريين، حيث قضى أكثر من 4000 مهاجر منذ مطلع العام، في البحر أو على أراضي الاتحاد الأوروبي. وعلى رغم ذلك، لم تستطع دول الاتحاد الأوروبي الاتفاق على سياسة مشتركة حول الهجرة خصوصاً في حزيران الماضي حين رفض زعماء وبغضب مقترحاً من رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، يقضي بقبول حصص ملزمة لتوزيع طالبي اللجوء الذين يتدفقون على اليونان وإيطاليا خاصة.
يشمل «اتفاق دبلن» البلدان التالية: بلجيكا- بلغاريا- قبرص- الدنمارك- إسكتلندا- فنلندا- فرنسا- اليونان- إيرلندا- إيطاليا- لاتفيا- ليتوانيا- لوكسمبورغ- مالطا- هولندا- بولونيا- البرتغال- رومانيا- سلوفاكيا- سلوفينيا- إسبانيا- بريطانيا- السويد- التشيك- ألمانيا- هنغاريا- النمسا- النرويج وأيسلندا.